فصل في ما يجب فيه الخمس - الخمس

استفتائات رساله نوین احکام برگزیده

العروه الوثقی وسیلة النجاة منهاج الصالحین تحریر الوسیلة آراء المراجع

احکام > الخمس:

فصل في ما يجب فيه الخمس

و هو سبعة اشياء :

الاوّل: الغنائم الماخوذة من الكفّار من اهل الحرب قهرا بالمقاتلة معهم ، بشرط ان يكون باذن الامام علیهِ السَّلام ؛ من غير فرق بين ما حواه العسكر وما لم‌يحوه، والمنقول وغيره كالاراضي (1) والاشجار ونحوها؛ بعد اخراج المؤن الّتي انفقت على الغنيمة بعد تحصيلها بحفظ وحمل ورعي ونحوها منها، وبعد اخراج ما جعله الامام علیهِ السَّلام  من الغنيمة على فعل مصلحة من المصالح، وبعد استثناء صفايا الغنيمة كالجارية الورقة والمركب الغارة والسيف القاطع والدرع فانّها للامام علیهِ السَّلام ، وكذا قطائع الملوک فانّها ايضا له علیهِ السَّلام ؛ وامّا اذا كان الغزو بغير اذن الامام علیهِ السَّلام فان كان في زمان الحضور وامكان الاستيذان منه فالغنيمة للامام علیهِ السَّلام ، وان كان في زمن الغيبة  فالاحوط اخراج خمسها(2) من حيث الغنيمة، خصوصا اذا       كان للدعاء الى الاسلام، فما ياخذه السلاطين في هذه الازمنة من الكفّار بالمقاتلة معهم من المنقول وغيره يجب فيه الخمس على الاحوط وان كان قصدهم زيادة الملک لا الدعاء الى الاسلام. ومن الغنائم الّتي يجب فيها الخمس،الفداء الّذي  يؤخذ من اهل الحرب(3)، بل الجزية المبذولة لتلک السريّة، بخلاف سائر افراد الجزية؛ ومنها ايضا ما صولحوا عليه، وكذا ما يؤخذ منهم عند الدفاع معهم اذا هجموا على المسلمين في امكنتهم ولو في زمن الغيبة، فيجب اخراج الخمس من جميع ذلک قليلا كان او كثيرا، من غير ملاحظة خروج مؤونة السنة على ما ياتي في ارباح المكاسب وسائر الفوائد.

1- الفیّاض: هذا هو المعروف و المشهور بین الأصحاب، و هو الصحیح بمقتضی اطلاق الآیة الشریفة، و مجموعة من الروایات..

منها: صحیحة عبد اللّـه بن سنان، قال: «سمعت أبا  عبد اللّـه یقول: لیس الخمس إلاّ في الغنائم خاصة» (الوسائل باب: 2 من أبواب ما یجب فیه الخمس الحدیث: 1).

و منها: صحیحة عمار بن مروان قال: سمعت أبا  عبد اللّـه یقول: «فیما یخرج من المعادن و البحر و الغنیمة و الحلال المختلط بالحرام إذا لم یعرف صاحبه و الکنوز الخمس» (الوسائل باب: 3 من أبواب ما یجب فیه الخمس الحدیث: 6) فان الغنیمة لغة و عرفا بمعنی مطلق الفائدة، فکل ما یغتنمه المرء من المال فهو غنیمة، و لا تختص بغنائم الحرب، فإنها من أحد مصادیقها و افرادها، و علی هذا فلا شبهة في أن الآیة الشریفة و کذلک الروایات تعم باطلاقها الأراضي المأخوذة من الکفار بالقهر و الغلبة لصدق الغنائم علیها کغیرها من الأموال المأخوذة منهم بعنوة و هراقة دم، ولکن قد تواجه اطلاق الآیة الشریفة مجموعة من الاشکالات و الشکوک.

الأول: الن الأراضي المفتوحة عنوة بما أنها ملک للمسلمین قاطبة، فلا تعد غنیمة للغانم و القاتل لکي تکون مشمولة للآیة الشریفة.

و الجواب: أولا: أنها انما لا تعد غنیمة للغانم لو قیل بأنها ملک لطبیعي المسلمین لا لآحادهم الموجودین و من سیوجد في المستقبل، و علی هذا فیصدق علیها أنها غنیمة للغانمین و المقاتلین، غایة الأمر أنها لا تکون علی نحو الاختصاص بهم، بل علی نحو الاشتراک بینهم و بین غیرهم، و من المعلوم أن هذا المقدار یکفی في صدق الآیة الشریفة.

و ثانیا: مع الاغماض عن ذلک و تسلیم أن الآیة الشریفة لا تشمل الأراضي، الا انه لا مانع من شمول الروایات لها، حیث انه لا مجال للإشکال المذکور فیها.

الثاني: الن الغنیمة في الآیة الکریمة قد فسرت في صحیحة ابن مهزیار بالفائدة التي یستفیدها المرء، و علی أساس هذا التفسیر یکون الموضوع في الآیة عبارة عن الفوائد المالیة الشخصیة، و نصوص ملکیة المسلمین للأرض المفتوحة عنوة تخرجها عن کونها فائدة شخصیة، و تجعلها فائدة عامة لعموم المسلمین، فلا یصدق علیها عنوان الغنیمة بالمعنی المفسر في الصحیحة، فلا یبقی حینئذ للآیة اطلاق تشمل الأرض المفتوحة عنوة.

و الجواب: ان هذا التفسیر لا ینافي اطلاق الآیة و شمولها للأرض المفتوحة عنوة، و لا یوجب حکومة نصوص مالکیة المسلمین علیها، لأن هذا التفسیر في الصحیحة للإشارة إلی أن الغنیمة في الآیة الشریفة إنما هي بمعناه اللغوي و العرفي، و هو ما یغنمه المرء و یفیده، و من الطبیعي انه لا مانع من أن یرجع ما یفید المرء و یغنمه إلی غیره أیضا کالأرض المتوحة عنوة، فانها غنیمة و فائدة جزما یغنمها المرء و یفیدها رغم أنها لا ترجع إلی خصوص الغانمین، بل إلی عموم المسلمین منهم الغانمین و المقاتلین، علی أساس أنه یصدق علی کل من الغانمین عنوان المغنم و المفید، و علیه فقوله7 في الصحیحة: «فالغنائم و الفوائد _یرحمک اللّـه_ فهي الغنیمة یغنمها المرء و الفائدة یفیدها...» (الوسائل باب: 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس الحدیث: 5) یصدق علی کل من الغانمین للأرض علی ما هو الصحیح و المستفاد من الروایات ان الأرض المذکورة ملک لآحاد المسلمین علی سبیل الاشاعة، لا للطبیعي.

و مع الاغماض عن ذلک یکفی في تعلق الخمس بالأرض المفتوحة عنوة اطلاق الروایات.

الثالث: ان تقسیم الغنائم الوارد في مجموعة من النصوص قرینة عرفا علی أن المراد من الغنیمة في الآیة المبارکة و الروایات الغنائم المنقولة دون الأعم منها و من غیرها.

منها: صحیحة معاویة بن وهب قال: «قلت لأبي عبد اللّـه7: السریة یبعثها الإمام فیصیبون غنائم، کیف تقسم؟ قال: إن قاتلوا علیها مع أمیر أمّره الامام علیهم أخرج منها الخمس للّـه و للرسول و قسم بینهم أربعة أخماس» (الوسائل باب: 1 من أبواب الانفال الحدیث: 3).

 و منها: صحیحة ربعي بن عبد اللّـه بن الجارود عن أبي  عبد اللّـه قال: «کان رسول اللّـه9 إذا أتاه المغنم أخذ صفوه کان ذلک له، ثم یقسم ما بقي خمسة أخماس _الحدیث_» (الوسائل باب: 1 من أبواب قسمة الخمس الحدیث: 3).

و الجواب: ان تقسیم الغنائم في هذه الروایات قرینة علی أن المراد منها فیها الغنائم المنقولة و لا یصلح أن یکون قرینة علی أن المراد منها في الآیة المبارکة و الروایات المتقدمة أیضا الغنائم المنقولة، فاذن تبقی الآیة الشریفة و الروایات علی اطلاقهما و لا مقید له.

الرابع: انه لم یتعرض وجوب الخمس في شيء من الروایات الواردة لبیان أحکام الأراضي الخراجیة، و من المعلوم ان سکوت تلک الروایات علی الرغم من کونها في مقام بیان ما یتعلق بتلک الأراضي من الأحکام و الآثار دلیل علی عدم وجوبه.

و الجواب: ان هذه الروایات تصنف إلی مجموعتین.

الأولی: ما کانت في مقام بیان أن الأراضي الخراجیة ملک عام للمسلمین.

الثانیة: ما کانت في مقام بیان ما یتعلق بتلک الأراضي من الأحکام.

و أما المجموعة الأولی: فهي لیست في مقام بیان ما یتعلق بها من الأحکام لکي یکون سکوتها في مقام البیان دلیلا علی عدم وجوب الخمس فیها، بل هي في مقام بیان مالکیة المسلمین للأرض المغنومة في مقابل الغنائم المنقولة التي هي ملک خاص للمقاتلین و تقسّم بینهم، و لا تنظر إلی جهة أخری کتعلق الخمس بها أو نحوه لا نفیا و لا اثباتا ،فمن أجل ذلک لا تنافي ما دل علی وجوب الخمس فیها.

و أما المجموعة الثانیة: فمنها صحیحة أبي نصر قال: ذکرت لأبي الحسن الرضا7 الخراج و ما سار به أهل بیته، فقال: العشر و نصف العشر علی من اسلم طوعا و ترکت أرضه بیده _و ما أخذ بالسیف فذلک إلی الامام یقبله بالذي یری کما صنع رسول اللّـه9 بخیبر قبل ارضها و نخلها و الناس یقولون لا تصلح قبالة الأرض و النخل إذا کان البیاض أکثر من السواد و قد قبل رسول اللّـه9 خیبر و علیهم في حصصهم العشر و نصف العشر» (الوسائل باب: 72 من أبواب جهاد العدو و ما یناسبه الحدیث: 2) فانها تدل علی أمرین..

أحدهما: أن أمر الأرض المفتوحة عنوة بید الامام فله أن یقبلها بالذي یری.

و الآخر: ان علی المتقبلین في حصصهم من حاصل الأرض الزکاة، و لا نظر لها إلی تعلق الخمس بها و عدم تعلقه لا نفیا و لا اثباتا، و ساکتة عنه.

و إن شئت قلت: ان هذه الروایات انما هي ناظرة إلی بیان ما یتعلق بنتاج تلک الأراضي و حاصلها کالزکاة، و لا نظر لها إلی بیان ما یتعلق برقبتها کالخمس، فاذن لا تنافي ما دل علی تعلق الخمس بها، هذا اضافة إلی أن أمر خمسها أیضا بید الامام فله أن یقبله بالذي یری، کما هو الحال في أربعة أخماسها.

فالنتیجة: ان الأظهر تعلق الخمس بالأراضي المغنومة کسائر الغنائم، فیکون خمس رقبتها للّـه و للرسول و لذي القربی و الیتامی... الخ و أربعة أخماسها للمسلمین عامة.

2- الفیّاض: بل لا یبعد أن تکون للإمام7 إذا کان الغزو بدون اذن من الحاکم الشرعي في زمن الغیبة شریطة أن یکون الغزو ابتدائیا، فان صحیحة معاویة بن وهب قال: «قلت لأبي  عبد اللّـه السریّة یبعثها الامام فیصیبون غنائم کیف تقسم؟ قال: إن قاتلوا علیها مع أمیر أمره الامام علیهم اخرج منها الخمس للّـه و للرسول و قسم بینهم أبعة أخماس، و إن لم یکونوا قاتلوا علیها المشرکین کان کل ما غنموا للإمام یجعله حیث أحب» (الوسائل باب: 41 من أبواب جهاد العدو و ما یناسبه الحدیث: 1) و إن کانت موردها زمان الحضور، الاّ انه لا خصوصیة له، حیث أن مقتضی اطلاقات الکتاب و السنة عدم اختصاص الجهاد بزمان الحضور، بل هو مشروع في کل زمان شریطة، و علیه فلا محالة یکون حکمه في زمن الغیبة حکمه في زمن الحضور، غایة الأمر انه إن کان في زمن الحضور فلابد أن یکون باشراف النبي الأکرام9 أو أحد الأئمة الأطهار، و إن کان في طمن الغیبة فلابد ان یکون باشراف الفقیه الجامع للشرائط، و علی هذا فان کان باذن الفقیه وجب اخراج خمس ما غنم و تقسیم الباقي بین الغانمین و المقاتلین. و بذلک یظهر حال ما یأخذه السلاطین من الکفار بالمقاتلة معهم بدون اذن ولي الأمر، فان ذلک کله یرجع إلی بیت المال و لا یحق المقاتلون فیه شیئا، فلا موضوع حینئذ لوجوب الخمس.

و دعوی: ان الصحیحة قاصره في نفسها عن الدلالة علی اعتبار الاذن حتی في موردها و هو زمان الحضور فضلا عن زمان الغیبة علی اساس أنها ظاهرة في التفصیل بین القتال و عدمه لا بین الاذن و عدم الإذن.

مدفوعة: بأنه لا قصور فیها، بتقریب انها تتکفل قضیة شرطیة قد أخذ فیها قیدان..

أحدهما: أن یصیب المقاتلون الغنائم بالقتال و هراقة الدماء.

و الآخر: أن یکون ذلک بأمر الامام و اذنه، فاذا توفر القیدان معا فالغنیمة تقسم أخماسا: خمس منها للّـه و للرسول، و أربعة أخماس منها تقسم بین المقاتلین، و إذا انتفی القید الأول و هو القتال فالغنیمة کلها للإمام7 کما نص بذلک في ذیل الصحیحة، و إذا انتفی القید الثاني و هو الاذن فالأمر أیضا کذلک بمقتضی الفهم العرفي و إن لم یصرح به في الصحیحة. و تصریح الامام في الصحیحة بأحد فردي مفهوم القضیة دون الفرد الآخر لا یمنع عن ظهورها فیه لعدم علاقة بین الأمرین من هذه الناحیة، و هذا یعني ان التصریح بأحدهما لا یکون قرینة علی عدم الآخر عند العرف.

فالنتیجة: ان الصحیحة ظاهرة في تعلیق ملکیة الغنیمة للمقاتلین علی مجموع الأمرین هما القتال و الإذن من الامام و بانتفاء کل واحد منها تنتفي ملکیتهم لها، و علیه فبطبیعة الحال یرجع أمرها إلی الامام فلا تکون مشمولة لأدلة الخمس.

و اما الدفاع عن الإسلام فهو واجب علی کل أحد إذا کان متمکنا و قادرا علیه، و لا یتوقف علی الإذن حتی في زمان الحضور، و إذا أخذ المدافعون من الکفار الغنائم وجب تخمیسها أولا ثم تقسیم الباقي بینهم لإطلاق الآیة الشریفة و الروایات.

3- الفیّاض: لا شبهة في وجوب الخمس فیه، ولکن کونه من الغنیمة بالمعنی الأخص یتوقف علی أن یکون أخذه بملاک الغلبة و القهر و هراقة الدم، و الاّ فلا یکون من الغنیمة بالمعنی الأخص بل هو داخل حینئذ في مطلق الغنیمة و الفائدة، و یکون من ارباح المکاسب و یعتبر فیه ما یعتبر فیها. و کذلک الحال في الجزیة المبذولة لتلک السریة و ما صولحوا علیه، فان صدق الغنیمة بالمعنی الأخص علیهما یرتبط بمدی ربطهما بالقهر و الغلبة و هراقة الدماء، و الاّ فهما یدخلان في مطلق الفائدة، و یکون حکمهما حکم ارباح المکاسب.

مسالة 1: اذا غار المسلمون على الكفّار فاخذوا اموالهم، فالاحوط بل الاقوى اخراج خمسها من حيث كونها غنيمة(1) ولو في زمن الغيبة، فلايلاحظ فيها مؤونة السنة، وكذا اذا اخذوا بالسرقة والغيلة(2) ؛ نعم، لو اخذوا منهم بالربا او بالدعوى الباطلة ، فالاقوى الحاقه بالفوائد المكتسبة، فيعتبر فيه الزيادة عن مؤونة السنة وان كان الاحوط اخراج خمسه مطلقا .

1- الفیّاض: هذا إذا کانت الغارة باذن ولي الأمر، و الاّ فهي للإمام، و تدخل حینئذ في بیت المال فلا خمس فیها کما مر.

2- الفیّاض: فیه اشکال بل منع، و الظاهر أنها داخلة في مطلق الفوائد التي یستفیدها المرء، و یکون حکمها حکم أرباح المکاسب حیث انه لا یصدق علیها الغنیمة بالمعنی الأخص، و هي المأخوذة من الکفار بالغلبة و هراقة الدماء. و من هنا یظهر أنه لا فرق بین أخذها بالسرقة و الغیلة و أخذها بالمعاملات الربویة، او الدعوی الباطلة، فانها في تمام هذه الصور من الفوائد و ارباح المکاسب.

 

 مسالة 2: يجوز اخذ مال النصّاب اينما وجد، لكنّ الاحوط اخراج خمسه مطلقا(1)؛ وكذا الاحوط  اخراج الخمس ممّا حواه العسكر من مال البغاة اذا كانوا من النصّاب ودخلوا في عنوانهم، والّا فيشكل حلّيّة مالهم(2).

 1- الفیّاض: بل هو الأظهر فان صحیحة حفص بن البختري عن أبي  عبد اللّـه قال: «خذ مال الناصب حیثما وجدته و ادفع إلینا الخمس» (الوسائل باب: 2 من أبواب ما یجب فیه الخمس الحدیث: 6) ظاهرة في وجوب اخراج خمسه فورا إذا أخذ من دون انتظار زیادته علی مئونة السنة. و مثلها روایة معلی بن خنیس. و علی الجملة فالصحیحة ظاهرة في أن خمس مال الناصب کخمس المعادن و المال المختلط بالحرام و غنائم دار الحرب و الغوص، و لیس کخمس ارباح المکاسب، فلا یکون المالک مرخصا في تأخیر اخراجه إلی ما بعد مؤنة السنة.

و اما علی تقدیر عدم ظهور الصحیحة في وجوبه فورا و اجمالها من هذه الناحیة، فلا مانع من الرجوع إلی إطلاق ما دل علی أن الخمس بعد المئونة، کما في صحیحة ابن أبي نصر قال: «کتبت إلی أبي جعفر: الخمس اخرجه قبل المئونة أو بعد المئونة؟ فکتب: بعد المئونة» (الوسائل باب: 12 من أبواب ما یجب فیه الخمس الحدیث: 1) و الخارج من اطلاقها المعادن و غنائم الحرب و المال المختلط بالحرام و الغوص، و لا دلیل علی اخراج مال الناصب عنه، لأن ما دل علی وجوب الخمس فیه مجمل فلا یصلح ان یکون مقیدا لإطلاقها، فاذن یکون هو المرجع فیه، و بذلک یظهر حال ما بعده.

2- الفیّاض: بل الظاهر عدم الحلیة، فان الثابت انما هو حلیة مال المسلم إذا کان ناصبیا لا مطلقا.

 

مسالة 3: يشترط في المغتنم ان لايكون غصبا من مسلم او ذمّي او معاهد او نحوهم ممّن هو محترم المال(1)، والّا فيجب ردّه الى مالكه؛ نعم، لو كان مغصوبا من غيرهم من اهل الحرب، لا باس باخذه واعطاء خمسه وان لم‌يكن الحرب فعلا مع المغصوب منهم، وكذا اذا كان عند المقاتلين مال غيرهم من اهل الحرب بعنوان الامانة، من وديعة او اجارة او عارية او نحوها.

1- الفیّاض:هذا مضافا إلی أنه علی القاعدة، فلا یحتاج إلی دلیل تدل علیه صحیحة هشام بن سالم عن أبي  عبد اللّـه قال: «سأله رجل عن الترک یغزون علی المسلمین فیأخذون أولادهم فیسرقون منهم، أیرد علیهم؟ قال: نعم و المسلم أخو المسلم، و المسلم أحق بماله أینما وجده» (الوسائل باب: 35 من أبواب جهاد العدو و ما یناسبه الحدیث: 3). و موردها و إن کان مال المسلم، ولکن العرف لا یفهم خصوصیة له الاّ باعتبار ان ماله محترم و إن کان غیر مسلم کالذمي و المعاهد.

 

 مسالة 4: لايعتبر في وجوب الخمس في الغنائم بلوغ النصاب عشرين دينارا، فيجب اخراج خمسه قليلا كان او كثيرا، على الاصحّ.

مـسـالـة 5: الـسـلـب  مـن الـغـنـيـمـة ، فـيـجـب اخـراج خمسه على السالب(1) .

1- الفیّاض: هذا هو الصحیح لأنه داخل في غنائم الحرب، و اما القول بأنه للسالب خاصة فلا دلیل علیه، و اما ما روي عن النبي الأکرم من: «أن من قتل قتیلا فله سلبه و سلاحه» فهو غیر ثابت.

نعم، لولي الأمر ذلک إذا رأی فیه مصلحة، و عندئذ یدخل في ارباح المکاسب.

 

الثاني: المعادن، من الذهب والفضّة والرَصاص والصُفر والحديد والياقوت والزَبَرجَد والفيروزج والعقيق والزّيبَق والكبريت والنفط والقير والسنج والزّاج والزَرنيخ والكُحل والمِلح، بل والجصّ والنورة وطين الغسل وحجر الرَحى والمَـغَرة وهي الطين الاحمر على الاحوط وان كان الاقوى  عدم الخمس(1) فيها من حيث المعدنيّة، بل هي داخلة في ارباح المكاسب فيعتبر فيها الزيادة عن مؤونة السنة. والمدار على صدق كونه معدنا عرفا، واذا شکّ في الصدق لم‌يلحقه حكمها، فلايجب خمسه من هذه الحيثيّة، بل يدخل في ارباح المكاسب ويجب خمسه اذا زادت عن مؤونة السنة من غير اعتبار بلوغ النصاب فيه. ولا فرق في وجوب اخراج خمس المعدن بين ان يكون في ارض مباحة او مملوكة، وبين ان يكون تحت الارض او على ظهرها، ولا بين ان يكون المخرج مسلما او كافرا ذمّيّا، بل ولو حربيّا، ولا بين ان يكون بالغا او صبيّا (2) وعاقلا او مجنونا  فيجب(3) على وليّهما اخراج الخمس، ويجوز للحاكم الشرعيّ اجبار الكافر(4) على دفع الخمس ممّا اخرجه، وان كان لو اسلم سقط عنه مع عدم بقاء عينه. ويشترط في وجوب الخمس في المعدن بلوغ ما اخرجه عشرين دينارا بعد استثناء مؤونة الاخراج والتصفية  ونحوهما(5)، فلايجب اذا كان المخرج اقلّ منه وان كان الاحوط اخراجه اذا بلغ دينارا، بل مطلقا. ولايعتبر في الاخراج ان يكون دفعةً ، فلو اخرج دفعات وكان المجموع نصابا وجب اخراج خمس المجموع، وان اخرج اقلّ من النصاب فاعرض ثمّ عاد وبلغ المجموع نصابا فكذلک على الاحوط(6) . واذا اشترک جماعة في الاخراج و لم‌يبلغ حصّة كلّ واحد منهم النصاب ولكن بلغ ‌المجموع نصابا، فالظاهر وجوب خمسه (7). وكذا لايعتبر اتّحاد جنس ‌المخرج، فلو اشتمل ‌المعدن على‌جنسين او ازيد وبلغ قيمة المجموع نصابا وجب اخراجه؛ نعم، لو كان هناک معادن متعدّدة، اعتبر في الخارج من كلّ منها بلوغ النصاب دون المجموع وان كان الاحوط كفاية بلوغ المجموع، خصوصا مع اتّحاد جنس المخرج منها، سيّما مع تقاربها، بل لايخلو عن قوّة(8) مع الاتّحاد والتقارب . وكذا لايعتبر استمرار التكوّن ودوامه، فلو كان معدن فيه مقدار مايبلغ النصاب فاخرجه ثمّ انقطع، جرى عليه الحكم بعد صدق كونه معدنا.

 1- الفیّاض: في القوة اشکال بل منع، إذ لایبعد صدق المعدن علیها عرفا.

بیان ذلک: ان المعدن علی نوعین..

أحدهما: الظاهر.

و الآخر: الباطن.

اما المعدن الظاهر في المصطلح الفقهي فهو عبارة عما تکون طبیعته المعدنیة ظاهرة و بارزة سواء أکان الوصول إلیها بحاجة إلی بذل جهد و انفاق عمل، کما إذا کانت في أعماق الأرض، أم لم یکن، کما إذا کانت علی سطح الأرض. أو فقل ان المراد بالظاهر ما یبدو جوهره من غیر عمل، و السعي و العمل انما هو لتحصیله و الوصول إلیه، و هو اما أن یکون سهلا أو متعبا کالنفط، و الملح، و القار، و القطران، و المومیا، و الکبریت، و أحجار الرحی، و البرمة، و الکحل، و الیاقوت، و مقالع الطین، و الجص، و النورة و أشباهها. و الظاهر صدق المعدن علی کل منهما عرفا شریطة أن تکون طبیعته المعدنیة متکونة في مساحة من الأرض و إن کانت بارزة علی سطح الأرض.

و اما المعدن الباطن في المصطلح الفقهي فهو عبارة عما لایبدو جوهرة من دون بذل جهد و عمل في سبیل انجازه، و ذلک کالذهب و الفضة و ما شاکلها، فان المادة الذهبیة لا تصبح ذهبا بشکله الکامل الاّ بعد التصفیة و التطویر العملي، و هذه المادة قد تکون قریبة من سطح الأرض، و قد تکون قریبة من سطح الأرض، و قد تکون متوغلة في اعماق الأرض بحیث لا یمکن الوصول إلیها الاّ من خلال الحفر المتزاید و الجهد الأکبر و العمل الشاق.

فالنتیجة انه لا فرق في صدق المعدن عرفا بین المعدن الباطن و الظاهر، کما أنه لا فرق بین أن تکون طبیعته المعدنیة مستورة في باطن الأرض و عمقها، أو تکون مکشوفة علی سطح الأرض. و تؤکد ذلک صحیحة محمد بن مسلم قال: «سألت أبا جعفر عن الملاحة؟ فقال: ما الملاحة؟ فقلت: أرض سبخة مالحة یجتمع فیها الماء فیصیر ملحا، فقال: هذا المعدن فیه الخمس، فقلت: و الکبریت و النفط یخرج من الأرض، قال: فقال: هذا و اشباهه فیه الخمس» (الوسائل باب: 3 من أبواب ما یجب فیه الخمس الحدیث: 4). فانها تدل علی أنه معدن عرفا و واقعا، لا أنه معدن تنزیلا و شرعا لا واقعا، لما مر من ان المعیار في المعدن لدی العرف العام هو أن تکون طبیعته المعدنیة متکونة في مساحة من الأرض سواء أکانت في باطنها أم کانت في ظاهرها. و أما إذا شک في شيء انه من المعدن أو لا، کالجص مثلا أو نحوه، فان کان هناک أصل موضوعي لإثبات انه لیس بمعدن کما إذا کانت طبیعته المعدنیة تصبح معدنا بالتدریج و الحرکة الذاتیة بعد ما لم تکن معدنا في زمان جزما، کما هو الحال في بعض الاحجار الکریمة، و شک فیه فلا مانع من استصحاب بقائه علی حالته الأولی، و به یحرز انه لیس بمعدن فیکون مشمولا لعموم ما دل علی وجوب الخمس في کل فائدة.

و أما إذا لم یکن هناک أصل موضوعي في البین فالمرجع الأصل اللفظي و هو العام الفوقي علی اساس ان المخصص المنفصل إذا کان مجملا مفهوما لم یکن حجة الاّ في المقدار المتیقن، و في الزائد المشکوک یرجع إلی عموم العام.

2- الفیّاض: في عدم الفرق بینهما اشکال بل منع، لأن الظاهر من حدیث الرفع هو رفع قلم التشریع عنه، و من الطبیعي انه یعم التشریع وضعا و تکلیفا، و هو یصلح ان یکون مقیدا لإطلاق دلیل وجوب الخمس في المعادن.

و دعوی ان حدیث الرفع رافع للتکلیف فقط دون الوضع، مدفوعة بأن الظاهر من الحدیث بمناسبة الحکم و الموضوع الارتکازیة هو رفع تشریع الاحکام المجعولة علی البالغین عن الصبیان، و من المعلوم انه لا فرق فیها بین الاحکام الوضعیة و التکلیفیة، فان کلتیهما مجعولتان في الشریعة المقدسة، و حدیث الرفع انما یرفع تشریعها و جعلها عن الصبیان، و یوجب تقییده بالبالغین.

3- الفیّاض: هذا هو الظاهر حیث انه لا دلیل علی تعلق الخمس بالمعادن إذا کان مالکها مجنونا، و أما حدیث رفع القلم المتضمن للمجنون فهو ضعیف من ناحیة السند، فلا یمکن الاعتماد علیه، فاذن اطلاقات أدلة الخمس فیها محکمة، و مقتضاها عدم الفرق بین أن یکون مالکها عاقلا أو مجنونا.

4- الفیّاض: فیه ان هذا مبني علی عدم صحة أداء العبادة من الکافر، و قد تقدم في أول کتاب الزکاة في المسألة (16) الاشکال في مانعیة الکفر عن صحة العبادة.

5- الفیّاض: فیه اشکال بل منع، و الظاهر انه یکفی في وجوب الخمس في المعدن بلوغ قیمة المخرج عشرین دینارا قبل استثناء المئونة، کما إذا کانت قیمة ما اخرج من المعدن تعادل عشرین دینارا، و المئونة التي قد صرفت في عملیة الاخراج تعادل خمسة دنانیر، و في هذه الحالة یجب الخمس في الباقي بعد المئونة و هو خمسة عشر دینارا في المثال، فیکون وجوبه فیه مشروطا ببلوغ المجموع النصاب. و تدل علی ذلک صحیحة أبي نصر قال: «سألت أبا الحسن7 عما اخرج المعدن من قلیل أو کثیر هل فیه شيء؟ قال: لیس فیه شيء حتی یبلغ ما یکون في مثله الزکاة عشرین دینارا» (الوسائل باب: 4 من أبواب ما یجب فیه الخمس الحدیث: 1) بتقریب أنها ظاهرة في أن فیه شیئا إذا بلغت قیمته عشرین دینارا من دون تقیید بلوغها بما بعد المئونة، کما أنها لا تدل علی أن ما اخرج من المعدن کله متعلق للخمس، بل تدل علی أن فیه خمسا إذا بلغ ما یکون في مثله الزکاة، و أما انه تعلق بالمجموع أو تعلق به بعد استثناء المئونة فهي ساکتة عنه، و علیه فاستفادة ان تعلقه به یکون بعد المئونة انما هي من الآیة الشریفة و روایات الباب بقرینة مناسبة الحکم و الموضوع الارتکازیة حیث إنهما علی ضوء هذه القرینة تدلان علی ان موضوع وجوب الخمس مطلقا الفائدة التي یستفیدها المرء و الغنیمة التي یغنمها، سواء أکان الاغتنام بالتکسب بمختلف أصنافه أم کان بالاخراج من المعادن.

نعم، یختلف الخمس المتعلق بالفائدة التي یستفیدها المرء من الکسب و الفائدة التي یستفیدها من المعادن في بعض الشروط.

و إن شئت قلت: ان متعلق الخمس في ظاهر الدلیل و إن کان عنوان المعدن، الاّ ان المتفاهم العرفي منه بمناسبة الحکم و الموضوع الارتکازیة دن تعلقه به بما هو غنیمة و فائدة، غایة الأمر ان الاغتنام قد یکون بالتکسب، و قد یکون بالغوص، و قد یکون باخراج المعدن، فان کل ذلک نوع اغتنام یغتنمه المرء و فائدة یستفیدها، فالخمس مجعول في الغنیمة و الفائدة بعناوین مختلفة، فمن أجل ذلک یختلف في بعض الشروط باختلاف تلک العناوین، فان الغنیمة و الفائدة إن کانت بالتکسب فلها حکم و هو ان الخمس فیها بعد مؤنة السنة، فاذا زادت وجب اخراج خمس الزائد و الاّ فلا، و إن کانت من المعدن فلها حکم و هو ان الخمس فیها بعد مؤنة الاخراج دون مؤنة المالک طول السنة، و لذا یجب اخراج خمسها فورا، و لا یجوز تأخیره و المساحمة فیه.

فالنتیجة: ان مناسبة الحکم و الموضوع الارتکازیة تقتضی کون موضوع وجوب الخمس الفوائد و الغنائم سواء أکانت من التجارة و الزراعة و الصناعة و نحوها، أم کانت باخراجها من المعادن و لا یری العرف لعنوان المعدن موضوعیة من هذه الناحیة، و انما تکون له موضوعیة من ناحیة أخری و هي وجوب خمسه فورا و عدم استثناء مؤنة السنة منه، و علی هذا فاستثناء مؤنة الصرف من موضوع وجوب الخمس في المعدن یکون علی القاعدة حیث لا یصدق عنوان الفائدة و الغنیمة إلاّ علی الباقي و ذلک یحدد موضوعه فیه.

6- الفیّاض: بل علی الأقوی حتی بناء علی القول بان الاعراض سبب لخروج المال عن ملک مالکه _کما استظهرناه في محله_ فانه إذا عاد إلیه مرة ثانیة و أخذه ملکه.

و دعوی ان ظاهر صحیحة أبي نصر المتقدمة هو أن یبلغ المخرج النصاب باخراج واحد عرفا، و أما إذا کان متعددا کما إذا کان أخرج في هذا الیوم کمیة، و في الیوم الثاني کمیة أخری، أو في هذا الاسبوع کمیة و في الاسبوع الثاني کمیة أخری و هکذا فالمجموع بلغ حد النصاب فلا یکون مشمولا لها، بتقریب ان الظاهر من امثال المقام عرفا ان کل اخراج موضوع مستقل علی أساس ان الحکم انحلالي.

مدفوعة.. أولا: ان الصحیحة لا تکون ظاهرة في ذلک، بل قوله7 فیها: «لیس فیه شيء حتی یبلغ ما یکون في مثله الزکاة عشرین دینارا» یدل علی ان المعیار في وجوب الخمس ببلوغ قیمة المجموع عشرین دینارا، سواء أکان دفعة واحدة، أو دفعات متعددة، بل اخراج النصاب دفعة واحدة و في یوم واحد في زمان التشریع بالوسائل الیدویة العادیة بعید جدا، فانه بحاجة إلی طول الزمان و اخراجه فیه بدفعات متعددة.

و ثانیا: مع الاغماض عن ذلک و تسلیم ان الصحیحة ظاهرة فیه، الاّ انه لا مفهوم لها، و لا تدل علی نفي الخمس عما إذا کان اخراج النصاب دفعات متعددة عرفا، فاذن لا مانع من التمسک باطلاق أدلة وجوب الخمس في المعادن لإثبات وجوبه فیه.

فالنتیجة: ان مناسبة الحکم و الموضوع الارتکازیة تقتضی عدم الفرق بین اخراج المعدن بقدر النصاب دفعة واحدة عرفا، أو دفعات متعددة کذلک، فان المعیار انما هو ببلوغ المخرج النصاب و إن کان ذلک بدفعات متعددة، نعم لو أخرج المعدن و صرفه، ثم أخرج المعدن و صرفه، ثم أخرج و صرفه و هکذا فلا خمس لأن کل واحد لم یبلغ النصاب، و المجموع لا وجود له.

7- الفیّاض: في الظهور اشکال بل منع، فان الخطاب باخراج الخمس المتعلق بالمخرج من المعدن هل هو متوجه إلی کل واحد منهم، أو إلی المجموع علی نحو یکون کل واحد منم جزء المجموع، و کلا الأمرین لا یمکن.

أما الأول: فلفرض أن حصة کل منهم لم تبلغ النصاب.

و أما الثاني: فلأن المجموع بما هو لا وجود له في الخارج لکي یمکن توجیه الخطاب التکلیفي إلیه.

و إن شئت قلت: ان عنوان المجموع إن لو حظ علی نحو الموضوعیة فلا وجود له في الخارج الاّ في عالم الذهن، فلا یمکن القاء الخطاب نحوه، و إن لو حظ علی نحو المعرفیة الصرفة إلی آحاده و افراده في الخارج فالمفروض ان حصة کل واحد منهم لم تبلغ النصاب.

و دعوی ان صحیحة أبي نصر المتقدمة ظاهرة في أن ما استخرج من المعدن إذا بلغت قیمته حد النصاب ففیه الخمس، و مقتضی إطلاقها عدم الفرق بین ان یکون المستخرج ملکا لفرد واحد أو متعدد.

مدفوعة بان الصحیحة لیست في مقام البیان من هذه الناحیة أصلا، لأنها انما تکون في مقام بیان أن ما اخرج منه إذا بلغت قیمته النصاب ففیه الخمس شریطة توفر سائر شروطه، و لا نظر لها إلی أنها متوفرة أولا، و انما تنظر إلی أنه لا مانع من تعلق الخمس به من هذه الناحیة و من شروطه أن یکون له مالک، و یبلغ سهمه النصاب، و اما إذا لم یکن له مالک، أو کان ولکن لم یبلغ سهمه وحده النصاب و إن بلغه سهم المجموع فلا أثر له کما مر، هذا اضافة إلی أن توجیه الخطاب باخراج الخمس إلی المجموع بحیث یکون توجیهه إلی کل واحد منهم ضمنیا مرتبطا مع الآخر ثبوتا و سقوطا بحاجة إلی دلیل و لا دلیل علیه.

8- الفیّاض: هذا هو الصحیح لأن المناجم و المعادن المتعددة إذا کانت من جنس واحد، کما إذا کان الکل من الذهب أو الفضة أو الفحم، فانه إذا بلغ ما اخرج من الجمیع النصاب تعلق الخمس به و إن لم یبلغ ما اخرج من کل منهما ذلک، و النکتة فیه ما تقدم من ان المتفاهم العرفي من أدلة الخمس علی أساس المناسبات الارتکازیة ان موضوعه الفائدة التي یستفیدها المرء و الغنیمة التي یغتنمها سواء أکان اغتنامها من المعادن المکاسب أم غیرها، غایة الأمر ان اغتنامها إن کان من المعادن و المناجم فهو یختلف عما إذا کان اغتنامها من المکاسب في نفطتین..

الأولی: ان وجوب الخمس في الأول مشروط ببلوغ الغنیمة النصاب دون الثاني.

الثانیة: ان المستثنی عن وجوب الخمس في الأول مؤنة العمل و الجهد في سبیل اخراجها دون مؤنة السنة، و المستثنی منه في الثاني کلتا المئونتین معا علی تفصیل یأتي في ضمن المسائل القادمة، و علی هذا فإذا اغتنم من مناجم الذهب ما بلغ حد النصاب تعلق به الخمس سواء أکان اغتنامه من منجم واحد أو أکثر لصدق انه استفاد و اغتنم من المعادن و المناجم ما بلغ النصاب، و لا یتوقف هذا الصدق علی أن یکون من منجم واحد.

 

 مسالة 6: لو اخرج خمس تراب المعدن قبل التصفية ، فان علم بتساوي(1) الاجزاء في الاشتمال على الجوهر او بالزيادة فيما اخرجه خمسا، اجزا والّا فلا، لاحتمال زيادة الجوهر فيما يبقى عنده(2).

1- الفیّاض: بل یکفی الوثوق و الاطمئنان بالتساوي أو الزیادة فیما أخرجه خمسا.

2- الفیّاض: في اطلاقه اشکال بل منع ،لأن قوة الاحتمال إن کانت ضئیلة بدرجة لا تمنع من الوثوق بعدم الزیادة في الباقي عنده فلا قیمة له، کما إذا کانت لدی المکلف احتمالات:

1_ تساوي اجزاء التراب في الاشتمال علی الجوهر.

2_زیادته في المقدار المخرج خمسا.

3_زیادته في المقدار الباقي عنده.

و في مثل هذه الحالة إن کانت هذه الاحتمالات متساویة أو لم تکن قوة بعضها بمرتبة تؤدي إلی الوثوق و الاطمئنان بالخلاف فالأمر کما في المتن.

و أما إذا افترض ان قوة الاحتمال الأول أو الثاني کانت بمرتبة تؤدي إلی الوثوق و الاطمئنان بعدم الزیادة في المقدار الباقي عنده فلا یتم ما في المتن.

 

 مسالة 7: اذا وجد مقدارا من المعدن مخرجا مطروحا في الصحراء، فان علم انـّه خرج من مثل السيل او الريح او نحوهما، او علم انّ المخرج له حيوان او انسان  لم‌يخرج خمسه ، وجب عليه  اخراج خمسه على الاحوط  اذا بلغ النصاب(1) ، بل الاحوط(2) ذلک وان شکّ في انّ الانسان المخرج له اخرج خمسه ام لا .

1- الفیّاض: في الوجوب اشکال بل منع، لأن الظاهر من الروایات التي تنص علی وجوب الخمس في المعادن بمناسبة الحکم و الموضوع الارتکازیة انه انما یجب علی من بذل جهده و طاقته في سبیل استکشافها و الوصول إلیها و استخراجها إذا کانت متوغلة في اعماق الأرض، أو علی من قام بعملیة الأخذ و الاستیلاء علیها خارجا إذا کانت متکونة علی وجه الأرض، و هذا یعني ان العامل في الفرض الأول یملک المادة التي یستخرجها خاصة من اعماق الأرض و لا یملک شیئا منها ما دام في موضعه الطبیعي، و في الفرض الثاني یملک المادة التي جعلها في حوزته و لا یملک شیئا منها ما دام خارجا عنها، و علی هذا الأساس فإذا وجد مقدار من المادة المعدنیة مخرجا و مطروحا علی الأرض و لا یدري انه بسبب السیل أو الزلزلة أو حفر الحیوان أو ما شاکل ذلک فهذا غیر داخل في المعدن و لا یجب علیه خمسه من باب خمس المعدن.

أو فقل ان الروایات تنص علی وجوب الخمس في المعدن، و من المعلوم ان وجوبه انما هو علی من یملک المعدن بأحد الطریقین و لا یصدق المعدن علی المخرج منه و المطروح علی وجه الأرض بسبب أو ب­آخر لکي یجب خمسه علی من جعله في حوزته بملاک خمس المعدن، بل هو داخل في الفائدة و یجري علیها حکمها، و لا فرق في ذلک بین أن یکون خروجه مطروحا علی وجه الأرض بعد اکتشافه و الوصول إلیه بعملیة الحفر و بذل الجهد أو قبل ذلک، اذ قد یخرج المعدن من اعماق الأرض مطروحا علی وجهها بسبب الزلزلة التي قد توجب احداث الحفر فیها أو الانفجار الذي قد یسبب خروج المعدن و القائه علی وجه الأرض، کما انه لا فرق بین أن یکون المستولی علیه و من یحوزه صاحب الحفرة أولا، باعتبار أن صاحبها لا یملک من المعدن شیئا ما دام یظل باقیا في موضعه الطبیعي.

نعم، هو باکتشافة و الوصول إلیه من خلال عملیة الحفر و بذل الجهد أصبح أحق به من الآخرین، و لا یحق لغیره أن یقوم باستخراجه من حفرته، و أما إذا خرج منها بطریق أو آخر مطروحا علی وجه الأرض فهو لیس ملکا له، و یجوز لغیره أن یحوزه و یستولی علیه.

فالنتیجة انه لا یجری حکم المعدن علی المخرج منه المطروح علی وجه الأرض، بل هو داخل في مطلق الفائدة.

و أما إذا کان المخرج له انسانا فان کان اخراجه اتفاقیا و علی نحو الصدفة، کما إذا کان قیامه بعملیة الحفر لغایة أخری، ولکن وصل إلی المعدن و المنجم اتفاقا و اخرج منه بدون قصد استملاکه و حیازته ثم طرحه علی وجه الأرض کان حکمه حکم ما تقدم، و علیه فکل من یجوزه و یجعله في حوزته یدخل في فائدته التي یستفیدها دون المعدن، و إن کان بغایة الوصول إلیه و اکتشافه و بعده قام بعملیة الاخراج فأخرج مقدارا منه و جعله في حوزته قاصدا به التملک ثم أعرض عنه فلا یسقط عنه خمسه، بل هو مأمور باخراجه، ولکنه إذا عصی فعلی کل من یحوزه أن یقوم باخراج خمسه.

و أما بالنسبة إلی أربعة أخماسه الأخری فلا شيء علیه، باعتبار أنها داخلة في الفائدة التي یستفیدها المرء أثناء السنة دون المعدن، و کذلک الحال إذا شک في انه أخرج خمسه ثم طرحه و أعرض عنه، فانه بمقتضی الاستصحاب بقاء خمسه فیه، فیجب علی من یحوزه اخراجه.

نعم، إذا کان الحائز شیعیا لم یجب علیه خمسه في کلتا الصورتین بمقتضی اخبار التحلیل، و سیأتي الکلام فیها بعونه تعالی في آخر بحث الخمس.

و أما إذا شک في أن طرحه و اعرضه عنه هل هو بعد الحیازة أو قبلها فلا یجب علیه شيء لعدم العلم بأنه متعلق للخمس، و حینئذ یدخل الکل في الفائدة، فان بقی إلی آخر السنة وجب اخراج خمسه و الاّ فلا شيء علیه.

2- الفیّاض: بل هو الأقوی للاستصحاب کما مر.

 

  مسالة 8: لو كان المعدن في ارض مملوكة، فهو لمالكها(1) ، واذا اخرجه غيره لم‌يملكه(2)، بل يكون المخرج لصاحب الارض وعليه الخمس(3) من دون استثناء المؤونة، لانـّه لم‌يصرف عليه مؤونة.

 1- الفیّاض: فیه اشکال بل منع، و التخریج الفني لذلک: ان المعادن الموجودة في الأرضي المملوکة بملکیة خاصة لیست خاضعة للأرض في مبدأ الملکیة، و ذلک لأن مصدر علاقة الفرد بالأرض و مبدأها انما هو عملیة الاحیاء، فلا یمکن ان تنشأ العلاقة بینهما بدون ان تنتهی إلی تلک العملیة في نهایة المطاف، و الناتج من عملیة الاحیاء انما هو علاقة المحیی بالأرض، و من الطبیعي ان أثرها لا یمتد إلی المعادن الموجودة فیها و غیرها من الثروات الطبیعیة التي لها کیان مستقل في مقابل الأرض، و الفرض أنها لیست أرضا، و مقتضی النصوص الشرعیة التي جاءت بهذا اللسان «من أحیا أرضا مواتا فهي له» (الوسائل باب: 1 من أبواب احیاء الموات الحدیث: 5) أو قریبا منه هو أن أثر الاحیاء من المحیی ملکیة الأرض لا غیرها، و علیه فالمصادر و الثروات الطبیعیة التي تتکون فیها بکیان مستقل قائم بذاته لیست من توابع الأرض و شئونها و اذیالها، بل نسبتها الیها نسبة الظرف إلی المظروف، فلذلک لا تکون مشمولة للنصوص.

و إن شئت قلت: ان احیاء الأرض عبارة عن توفیر الشروط للانتفاع بها بمختلف صنوفه، کبناء أو زرع أو نحوهما التي لم تکن متوفرة فیها قبل عملیة الاحیاء، و انما نتجت منها، و من الواضح أن تلک الشروط شروط للانتفاع بالأرض و الاستفادة منها، و لا علاقة لها بغیرها من المصادر و الثروات الطبیعیة الموجودة فیها، حیث ان علاقة العامل بتلک المصادر و الثروات انما هي علی أساس إنفاق العمل و السعي و بذل الجهد و الطاقة في سبیل الاستیلاء و السیطرة علیها، مثلا علاقة العامل بالمناجم و العیون الموجودة في اعماق الأرض انما هي باکتشافها من خلال عملیات الحفر و بذل الجهد للوصول إلیها، و من هنا لا یصدق علی ذلک عنوان الاحیاء، فما في کلمات الأصحاب من اطلاقه علیه مبني علی المسامحة.

نعم، تصدق عملیة الاحیاء علی تصفیة المواد المعدنیة، کما إذا کانت من المعادن الباطنة کالذهب و الفضة و ما شاکلهما، فانه لا یبدو جوهرها بشکل کامل الاّ بعد عملیة التصفیة و التطویر، و هذه العملیة و إن کانت احیاء بالنسبة إلیها إلاّ أنها لا تؤثر في شيء علی أساس أن هذه العملیة من العامل انما هي بعد دخول تلک المواد المعدنیة في نطاق ملکیته، فان القیام بها لا یمکن ما دامت تلک المواد في موضعها الطبیعي، فلا محالة یتوقف علی أخذها و اخراجها من موضعها الطبیعي و نقلها إلی مکان هذه العملیة، و من المعلوم ان علاقة العامل بها قد تحققت بنفس عملیة الأخذ و الاخراج و جعلها في حوزته.

فالنتیجة: ان عملیة الاحیاء لا تکون منشأ لعلاقة العامل بالمواد المعدنیة، هذا اضافة إلی أن هذه العملیة خاصة بالمعادن الباطنة، و لا موضوع لها في المعادن الظاهرة.

إلی هنا قد ظهر ان مصدر علاقة الفرد بالمواد المعدنیة لیس عملیة الاحیاء، و انما هو عملیة استخراجها إذا کانت في اعماق الأرض، و عملیة الأخذ و الاستیلاء علیها خارجا إذا کانت متکونة علی وجه الأرض، و هذا یعني ان الفرد لا یملک منها شیئا ما دامت في موضعها الطبیعي.

نعم، ان قیامه بعملیة الحفر و بذل الجهد في سبیل اکتشافها و الوصول الیها یجعله أحق بها من الآخرین علی أساس أنه یخلق بعمله و جهده هذا فرصة الانتفاع بها و الاستفادة منها، و ما دامت تلک الفرصة موجودة فقد ظل حقه ثابتا و إن لم یکن ممارسا الانتفاع بها، و لیس لأيّ واحد أن یستخدم تلک الحفرة التي حفرها في سبیل الحصول علیها، و هذا لا بمعنی ان قیامه بعملیة الحفر قد خلق علاقة الاختصاص له بتلک المواد في اعماق الأرض علی مستوی الملک أو الحق، بل بمعنی انه اتاح له فرصة الانتفاع من هذه الحفرة للاستفادة منها دون الآخرین، و هذا یعني ان العملیة هذه قد خلقت له علاقة الاختصاص بتلک الحفرة علی مستوی الملک أو الحق دون المواد المعدنیة ما دامت باقیة في موضعها.

2- الفیّاض: بل یملکه کما مر، غایة الأمر أن تصرفه في أرض الغیر بدون اذنه محرم و یضمن أجرة مثل تصرفه فیها.

3- الفیّاض: الأمر کما ذکرناه بناء علی مسلکه  من ان المعادن خاضعة للأرض في مبدأ الملکیة، إذ عندئذ تختلف هذه المسألة عن المسألة المتقدمة، فانه اذا وجد مقدارا من المعدن مطروحا علی وجه الأرض بسبب الحوادث الأرضیة أو نحوها، فان کانت الأرض من الأراضي المباحة فلا یجري علیه حکم المعدن، باعتبار أن علاقة الواجد به علی مستوی الملک انما هي بسبب حیازته و جعله في حوزته فعلا لا باستخراجه من الأرض، و لذا لا یجب علیه خمسه فورا، باعتبار انه داخل حینئذ في ارباح المکاسب. و إن کانت من الأراضي المملوکة بملکیة خاصة فعلی ما بنی علیه الماتن من ان المصادر و الثروات الطبیعیة المتکونه في الأرض تابعة لها في مبدأ الملکیة یجري علیه حکم المعدن علی أساس انه مملوک لمالک الأرض قبل خروجه منها، فإذا خرج سواء أکان بجهده و تعبه أم کان بسبب آخر کحادث أرضي کان المخرج مملوکا له من البدایة، أي في حال کونه في موضعه الطبیعي، فلذلک یجب علیه اخراج خمسه فورا.

 

  مسالة 9: اذا كان المعدن في معمور(1) الارض المفتوحة عنوةً الّتي هي للمسلمين، فاخرجه احد من المسلمين ملكه(2) وعليه الخمس، وان اخرجه غير المسلم ففي تملّكه اشكال(3) ؛ وامّا اذا كان في الارض الموات حال الفتح، فالظاهر  انّ الكافر ايضا يملكه(4)  وعليه الخمس .

 1- الفیّاض: في التقیید بالمعمور اشکال بل منع و إن کان مشهورا، إذ لا دلیل علیه غیر تقیید الأرض في صحیحة الحلبي بالسواد، ولکن بما أن هذا التقیید قد ورد في کلام السائل دون الامام فلا قیمة له، مع أن مقتضی مجموعة من الروایات ان موضوع ملکیة المسلمین مطلق الأرض سواء أکانت میتة أم کانت حیة، طبیعیا کانت أو بشریا، فإذا أخذت الأرض الموات من الکفار قهرا و عنوة فهي ملک للمسلمین.

2- الفیّاض: في الملک اشکال بل منع، و الأظهر انه یمنحه الحق فیه، و الوجه في ذلک ان المصادر و الثروات الطبیعیة الموجودة في الأراضي المفتوحة عنوة خاضعة لها في مبدأ الملکیة، یعني کما ان الأرض ملک عام للمسلمین کذلک المصادر و الثروات الموجودة فیها.

و النکتة فیه ان مصدر علاقة المسلمین بالأرض التي کانت بأیدي الکفار و تحت استیلائهم انما هو استیلاء المقاتلین من المسلمین علیها بعنوة و هراقة دم و أخذها منهم بالسیف، و من الطبیعي ان أثر الاستیلاء یمتد إلی المصادر و الثروات الطبیعیة کالمناجم و نحوها الموجودة في الأرض، سواء أکانت متوغلة في أعماقها أم کانت علی وجهها، علی أساس ان الاستیلاء خارجا علی بقعة من الأرض لدی العرف و العقلاء استیلاء علی جمیع ما في هذه البقعة من الثروات الطبیعیة، باعتبار ان الاستیلاء علی الظرف استیلاء علی المظروف طبعا، وبذلک یختلف مفهوم الاستیلاء عن مفهوم الاحیاء، وعلی أثر هذا الاختلاف تختلف النتیجة، فان ملکیة الأرض إن کانت نتیجة الاستیلاء علیها فامتدت إلی المعادن المتکونة فیها وغیرها من الثروات الطبیعیة، وإن کانت نتیجة الاحیاء فلا تمتد، لأن الاحیاء انما یخلق صفة في الأرض فحسب ولا یمتد أثره إلی المصادر والثروات الطبیعیة المتکونة فیها بکیان مستقل کالمناجم ونحوها، غایة الأمر ان الأرض ظرف لها، ومن المعلوم ان المظروف لیس من تبعات الظرف وشئونه، ولا فرق في ذلک بین أن یکون الناتج من عملیة الاحیاء الملک أو الحق.

فالنتیجة: ان المناجم الموجودة في الأراضي المفتوحة عنوة تخضع للأرض في مبدأ الملکیة ولیست من المشترکات العامة، والمناجم الموجودة في الأراضي التي هي من الأنفال تخضع لتلک الأراضي في مبدأ الملکیة، والمناجم الموجودة في الأراضي المملوکة بملکیة خاصة لا تکون خاضعة لها في مبدأ الملیکة وانما هي من المشترکات العامة.

ثم ان حکم المناجم الموجودة في الأراضي المفتوحة عنوة حکم نفس تلک الأراضي، وقد ذکرنا في کتابنا «الأراضي» ان لکل فرد من المسلمین یحق أن یقوم بالتصرف فیها والانتفاع بها علی ضوء الخطوط المرسومة من قبل ولي الأمر حفاظا علی مصالح الأمة وتحقیقا للتوازن بین طبقاتهم، وکذلک الحال في المعادن الموجودة فیها.

وأما في المسألة الخمس فلا فرق بین أن تکون علاقة الفرد بالمعدن في مستوی الملک أو الحق.

3- الفیّاض: الأظهر عدم التملک لما مر من ان المعادن کالأراضي ملک عام للمسلمین، ولا یحق لغیر المسلم أن یتصرف فیها، ولو تصرف فبما انه في ملک المسلم فلا أثر له، ولا یمنح حقا، بداهة انه تصرف منه بلا مبرر له، فلا یمکن أن یحدث حقا له.

فالنتیجة: ان تملک الکافر لها بالاستخراج کتملکه الأرض بالاحیاء بحاجة إلی دلیل ولا دلیل علیه في المقام.

4- الفیّاض: الأظهر انه لا یملک، وقد ذکرنا في کتابنا « الأراضي» ان علاقة المحیي بالأرض ترتبط بأمرین..

أحدهما: أن یکون الاحیاء باذن الامام أو نائبه، وتدل علیه اخبار التحلیل، فان کل من شملته تلک الأخبار فهو مأذون في التصرف فیها باحیاء أو غیره.

والآخر: اسلام المحیی، وتدل علیه صحیحة الکابلي علی أساس تقیید المحیي بکونه من المسلمین، فان القید وإن کان مما لا یدل علی المفهوم الّا أنه لا شبهة في ظهوره عرفا في أن الحکم غیر ثابت للطبیعي الجامع بین المسلمین وغیرهم والّا لکان لغوا محضا، هذا من ناحیة، ومن ناحیة أخری قد مر أن المعادن الموجودة في الأراضي التي هي ملک للإمام7 خاضعة لها في مبدأ الملکیة، یعني کما أن تلک الأراضي ملک للإمام7 کذلک المعادن الموجودة فیها، وعلی هذا فحکمها حکم الأراضي.

ثم ان عدم ملک الکافر الأرض الموات بالاحیاء والمعادن فیها بالاستخراج انما هو فیما إذا کان قیامه بذلک متأخرا زمنیا عن تاریخ تشریع ملکیة الانفال للإمام7، وأما إذا کان متقدما زمنیا علی تاریخ التشریع فلا شبهة في أنه یوجب الملک، لأن عملیة الاحیاء والاستخراج والحیازة کل ذلک من أسباب الملک لدی العرف والعقلاء بلافرق بین الکافر والمسلم، وکذلک الحال في الأرض المفتوحة عنوة والمناجم فیها. وبذلک یظهر انه لا فرق بین المناجم الموجودة في الأرض المفتوحة عنوة والمناجم الموجودة في الأرض الموات التي هي ملک للإمام .

 

 مسالة 10: يجوز استيجار الغير لاخراج المعدن فيملكه المستاجر ، وان قصد الاجير تملّكه لم‌يملكه .

 

   مسالة 11: اذا كان المخرج عبدا، كان ما اخرجه لمولاه وعليه الخمس.

مـسـالـة 12: اذا عـمـل فـيـمـا اخـرجـه قـبـل اخـراج خـمـسه عـمـلا يوجـب زيـادة قيـمـتـه، كـمـا اذا ضـربـه دراهـم او دنـانـير او جعـله حلـيّا، او كان مثل الياقوت والعقيق فحكّه فصّا مثلا، اعتبر  في اخراج  الخمس مادّته(1)، فيقوّم حينئذٍ سبيكةً او غير محكوک مثلا ويخرج خمسه؛ وكذا لو اتّجر به فربح قبل ان يخرج خمسه ناويا الاخراج من مال اخر(2) ثمّ ادّاه من مال اخر، وامّا اذا اتّجر به من غير نيّة الاخراج من غيره، فالظاهر انّ الربح مشترک بينه وبين ارباب الخمس(3).

1- الفیّاض: في الاعتبار اشکال بل منع، لأنه اما أن یکون مبنیا علی أن متعلق الخمس مالیة العین دون نفس العین بحدودها الشخصیة، والفرض ان مالیة المادة في المسألة تظل باقیة علی حالها، والهیئة الطارئة علیها انما توجب زیادة القیمة فیها بحدّها الشخصي لا مالیتها، والمفروض عدم الشرکة في العین، فاذن ما فیه الشرکة وهو المالیة فلا زیادة فیه، وما فیه الزیادة وهو العین بحدّها فلا شرکة فیه، أو یکون مبنیا علی أن الهیئة ملک للعامل بقانون ان کل عامل یملک نتیجة عمله وجهده.

والجواب: اما عن الأول، فلما سوف یأتي في ضمن البحوث القادمة من أن متعلق الخمس نفس العین علی نحو الاشاعة فیها، وعلی هذا فکل ما یوجب زیادة قیمة العین بحدّها فهي مشترکة بالنسبة، ولا فرق بین أن یکون ذلک بانفاق عمل وبذل جهد في سبیل تطویرها وانجازها کالمادة الذهبیة مثلا، فانها لا تصبح ذهبا بشکله الکامل الّا بعد التصفیة والتطویر، أو یکون باجراء عمل علیها وجعلها دینارا أو حلیا أو ما شاکل ذلک.

واما عن الثاني، فلأن قانون أن کل عامل یملک نتیجة عمله وجهده وآثاره القیمة قانون عقلائي وشرعي.

أما الأول: فلأن العقلاء حسب فطرتهم الأولیة لا یعترفون بالأسباب التي تکون مظهرا من مظاهر القوة والتحکیم والظلم علی الآخرین، فانها أسباب ولدتها الظروف الثانویة في المجتمعات التي لا تقوم علی أساس العدل والتوازن الاجتماعي والقیم الانسانیة، وانما تقوم علی أساس القوة واللاّ أخلاقیة اخلاقیة، فلا یسمح لدی العقلاء ان من کانت عنده قوة ووسائل ومعدات أن یستولي علی الأراضي الشاسعة أو المصادر والثروات الطبیعیة بالقوة والتحکیم علی الآخرین في میدان المنافسة من دون انفاق عمل وبذل جهد في سبیل ذلک.

وأما الثاني: فلأن الإسلام لم یعترف بالسیطرة والاستیلاء علی الثروات الطبیعیة کالمناجم والمیاه والأراضي والکلاء والغابات ونحوها بالقوة والتحکیم علی الآخرین في میدان المنافسة ومنعهم من الاستفادة منها، مع ان نسبة الکل الیها نسبة واحدة، وانما اعترف بالعمل وبذل الجهد والطاقة في سبیل الاستیلاء علیها وأن کل فرد انما یأکل ثمار عمله ویملک نتیجته دون أکثر، ویجعل مصدر علاقة کل فرد بها العمل وبذل الجهد وجودا وعدما وسعة وضیقا، وقد اکتشفنا ذلک من خلال نصوصه التشریعیة التي جاءت في مختلف الموارد بمختلف الألسنة حیث جعل الاحیاء مصدر علاقة الفرد بالأرض الموات، والحیازة مصدر علاقته بالثروات الطبیعیة المنقولة، وعملیة التنقیب والإخراج في المناجم والمیاه في باطن الأرض واعماقها مصدر علاقته بهما وهکذا.

وعلی ضوء هذا الأساس فالمالک في المقام وإن کان یملک نتیجة عمله وجهده، الّا ان ذلک انما هو بالنسبة إلی حصته وهي الأربعة الأخماس، ولا قیمة لعمله بالنسبة إلی حصة غیره ما لم یکن باذن من بیده أمرها کالفقیه الجامع للشرائط، ولا احترام له حینئذ، فلذلک تصبح الهیئة المندمجة في المادة أیضا مشترکة باعتبار أنها هیئة لمال الشریکین معا، وأما اختصاص المالک بالهیئة المندمجة في حصته فهو علی القاعدة، واما اختصاص الفقیر بالهیئة المندمجة في حصته فهو بقاعدة أن من ملک شیئا ملک أثره ولازمه، غایة الأمر ان ایجاد الغیر إن کان باذن المالک استحق أجرة عمله إذا لم یقصده مجانا والّا لم یستحقها علی أساس انه لا قیمة لعمله حینئذ کعمل الغاصب.

2- الفیّاض: فیه انه لا أثر للنیة المجردة، لأن البیع إن کان شخصیا فهو فضولي بالنسبة إلی مقدار الخمس فیه، ومجرد انه ینوي الأداء لا یؤثر في صحته، فانها تتوقف علی أحد أمور..

الأول: أداء البائع خمس المبیع من مال آخر عنده شریطة أن یکون ذلک باذن الحاکم الشرعي، فانه إذا أداه ملک خمسه، وحینئذ فإذا أجاز صح بناء علی ما هو الحق من صحة العقد الفضولي وإن کان المجیز غیر المالک حین العقد، فانه حینئذ داخل في کبری قاعدة من باع ثم ملک.

الثاني: أداء المشتري خمسه اما من نفس المبیع أو من مال آخر عنده، ویرجع حینئذ إلی البائع ویأخذ منه بدله الذي هو عوض عن الثمن المأخوذ من لمشتري ازاء خمس المبیع، وبذلک یتم البیع، وفي هذین الفرضین یکون الربح کله للبائع.

الثالث: اجازة الحاکم الشرعي البیع، فانه إذا أجازه صح وانتقل الخمس إلی ملک المشتري والثمن إلی ملک أهله، وفي هذا الفرض یکون الربح کله لأهل الخمس.

وأما إذا لم یتوفر أحد هذه الأمور فیظل البیع باطلا بالنسبة إلی مقدار الخمس، ولا فرق في ذلک بین أن یکون البائع ناویا الأداء من مال آخر أولا، فانه علی کلا التقدیرین یکون البیع فضولیا بالنسبة إلیه وباطلا، ولا أثر لنیة الأداء أصلا، فما في المتن من الفرق بینهما لا أساس له، ولا یمکن تبریره بشيء.

وأما إذا کان البیع کلیا ولکن في مقام التسلیم فقد سلّم إلی المشتري المال المتعلق للخمس، فلا شبهة في صحة البیع حینئذ، وانم یضمن البائع خمس ما سلّمه إلی المشتري بسبب اتلافه له، وبذلک یظهر ان هذا الفرع لیس کالفرع الأول في المسألة، ولا وجه لما في المتن من أنه مثله بقوله: وکذا لو اتجر به فربح... الخ.

3- الفیّاض: قد مرّ ان الربح انما یکون مشترکا بینهما إذا کان البیع باجازة الحاکم الشرعي، وأما إذا لم یکن باجازته کما هو المفروض في المسألة فالبیع یکون باطلا بالنسبة إلی مقدار الخمس إذا کان شخصیا، وإذا کان ما في الذمة فالمبیع یکون صحیحا والربح کله للبائع ولکنه یضمن مقدار الخمس کما مر.

مسالة 13: اذا شکّ في بلوغ النصاب وعدمه، فالاحوط  الاختبار(1) .

 1- الفیّاض: لا بأس بترکه، لأن الشبهة موضوعیة والمرجع فیها الأصل المؤمن من الأصل الموضوعي أو الحکمي، ولم یقم دلیل علی وجوب الاختیار والفحص فیها.

ودعوی ان الرجوع إلی الأصل المؤمن في المسألة بما أنه قد یؤدي إلی مخالفة الواقع التي لا یرضی الشارع بها فلا یجري.

مدفوعة بأن مجرد مخالفته للواقع بل الظن بها لا یمنع عن جریانه، لأن الواقع إذا لم یکن منجزا فلا أثر لمخالفته، ولا إدانة علیها، ولا یحکم العقل بقبحها، نعم إذا کان المکلف واثقا ومطمئنا بأن اجراء الأصل بدون الاختبار والفحص یؤدي إلی مخالفة الواقع لم یجز، بل یجب علیه الاختبار والفح سواء أکان في هذه المسألة أم کان في غیرها.

الثالث: الكنز وهو المال المذخور في الارض او الجبل او الجدار او الشجر، والمدار الصدق العرفيّ؛ سواء كان من الذهب او الفضّة المسكوكين او غير المسكوكين او غيرهما من الجواهر(1) ، وسواء كان في بلاد الكفّار الحربيّين او غيرهم او فـي بـلاد الاسـلام فـي الارض الـمـوات او الارض الـخـربـة الّـتي لم‌يـكن لهـا مـالک او في ارض ممـلوكة لـه بالاحـياء او بالابتـياع، مـع العلم بعدم كونه ملكا للبايعين(2)، وسواء كان عليه اثر الاسلام ام لا؛ ففي جميع هذه يكون ملكا لواجده وعليه الخمس(3). ولو كان في ارض مبتاعة مع احتمال كونه لاحد البايعين  عرّفه(4) المالک قبله ، فان لم‌يعرفه فالمالک قبله وهكذا ، فان لم‌يعرفوه فهو للواجد وعليه الخمس، وان ادّعاه المالک السابق فالسابق اعطاه بلا بيّنة(5) ، وان تنازع الملّاک فيه يجري  عليه  حكم التداعي. ولو ادّعاه المالک السابق ارثا وكان له شركاء نَفَوه، دفعت اليه حصّته(6) ، وملک الواجد الباقي(7) واعطى خمسه. ويشترط في وجوب الخمس فيه، النصاب وهو عشرون دينارا(8) .

1- الفیّاض: في وجوب الخمس في غیر المسکوکین من الذهب والفضة وکذلک في غیرهما من الجواهر اشکال بل منع وإن کان وجوب الخمس في الجمیع هو المعروف والمشهور بین الأصحاب.

بیان ذلک: ان مقتضی اطلاق مجموعة من الروایات التي تجعل من الأشیاء التي تعلق بها الخمس الکنز وجوب الخمس في الجمیع، فان کلمة (الکنز) موضوعة لغة وعرفا للمال المدفون في الأرض أو في بطن الشجر أو في الجدار، ولا فرق بین أن یکون دفنه عن ارادة وقصد أو لا، هذا من ناحیة. ومن ناحیة أخری ان المال المدفون لا یختص بالذهب والفضة، بل یعم غیرهما من الجواهر کالأحجار الکریمة وغیرها من النفائس الثمینة.

فالنتیجة: ان مقتضی اطلاق هذه المجموعة وجوب الخمس في الکل شریطة أن یکون مکنوزا ومدفونا. ولکن صحیحة البزنطي عن أبي الحسن الرضا7 قال: «سألته عمّا یجب فیه الخمس من الکنز؟ فقال: ما تجب الزکاة في مثله ففیه الخمس...»(الوسائل باب: 5 من أبواب ما یجب فیه الخمس الحدیث: 2) تدل علی وجوب الخمس في مثل ما تجب فیه الزکاة، وظاهر المماثلة بینهما المماثلة في الجنس والمقدار معا، لا في المقدار فقط، اذ حمل الصحیحة علی المماثلة في المقدار فحسب خلاف الظاهر عرفا حیث ان الظاهر منها لدی العرف المماثلة في الجنس والمقدار معا کما هو مقتضی الاطلاق، أو لا أقل من ظهورها في المماثلة في الجنس فقط، وحیث ان الزکاة تجب في الذهب والفضة إذا کانا مسکوکین بسکة المعاملة لا مطلقا، ولا في مطلق الجواهر فبطبیعة الحال یکون الخمس واجبا فیهما کذلک لا مطلقا، ولا في مطلق الکنز، فاذن لابد من تقیید اطلاق تلک الروایات بها.

فالنتیجة: ان الکنز إذا کان من الذهب أو الفضة المسکوکین بسکة المعاملة وجب خمسهما من باب خمس الکنز، وأما إذا کان منهما غیر مسکوکین بها، أو کان مسکوکا بها ولکن من غیر الذهب أو الفضة فهو داخل في مطلق الغنیمة والفائدة، ویجب خمسه من باب خمس أرباح المکاسب ومع هذا فالأحوط والأجدر به اخراج خمسه فورا بقصد الأعم من خمس الفائدة أو الکنز.

2- الفیّاض: بل یکفي عدم العلم بذلک، ولا یضر احتمال انه ملک لهم علی أساس أن الواجد في هذه الحالة وإن علم اجمالا بأنه اما ملک لمالک سابق لم یبق في قید الحیاة عادة، ولا یعلم بوجود وارث له فعلا، أو ملک لأحد هؤلاء البائعین، الّا انه لا أثر لهذا العلم الإجمالي حیث انه لا یمنع من استصحاب عدم وجود وارث له بالفعل لعدم المعارض له، واستصحاب عدم کونه ملکا لأحد هؤلاء لا یعارضه لأنه أصل حکمي وذاک موضوعي، ولا مانع من جریان کلیهما معا، ونتیجة ذلک أنه من الانفال، فإذا وجده شخص فهو له وعلیه خمسه لدی توفر شروطه.

3- الفیّاض: بل حتی مع عدم العلم بکونه ملکا لأحد البائعین کما مر.

ثم ان علاقة الواجد بالکنز تختلف باختلاف هذه الصور، ففي بعضها تکون علی مستوی الملک، وفي بعضها الآخر تکون علی مستوی الحق.

بیان ذلک: ان مصدر علاقة الفرد الکنز انما هو بوجدانه سواء أکان ببذل الجهد وانفاق العمل في سبیله أم کان بطریقة الصدقة، وعلی هذا فان کان تاریخ الکنز زمینا مقدما علی تاریخ الإسلام فهو لواجده علی مستوی الملک بلافرق بین أن یکون في دار الکفر أو الإسلام، وإن کان متأخرا عن الإسلام زمینا، فان کان في دار الکفر فهو أیضا لواجده علی مستوی الملک، ولا فرق في ذلک بین أن یکون الواجد واثقا ومتأکدا بأن له مالکا غیر محترم بالفعل أو لا.

فالنتیجة: ان علاقة الواجد بالکنز في تمام هذه الصور علاقة الملک، وعلیه خمس شریطة توفر شروطه، ککونه من الذهب أو الفضة المسکوکة بسکة المعاملة، وبلوغه النصاب.

وإن کان في دار الإسلام سواء أکان في الأرض التي لا ربّ لها من المیتة أو المعمورة، أم في الأرض المفتوحة عنوة، أم المحیاة، أو المبتاعة، فان علم بوجود مالک محترم له بالفعل ومجهول عنده جری علیه حکم اللقطة، فان کان ذات علامة ممیزة وجب التعریف سنة کاملة، وبعد السنة إذا لم یوجد فهو مخیر بین التصدق مع الضمان والتملک به والتحفظ علیه إلی أن یجيء صاحبه، وإن لم یکن ذات علامة أو انه کان ولکن لا یمکن التعریف أو انه بلا أثر فحکمه التصدق، وإن لم یعلم بوجود مالک محترم له فعلا کما إذا کان تاریخه الزمني قبل مئات السنین ولا یحتمل عادة بقاء مدخره في قید الحیاة، وحینئذ فان علم بوجود وارث له فعلا وامکان الوصول إلیه بالتعریف إذا کان ذات علامة ممیزة وجب، والّا تصدق به. وإن لم یعلم بوجود وارث له فعلا فهو لواجده علی أساس أن موضوع علاقته به مرکب من أمرین..

أحدهما: وجدان الکنز.

والآخر: أن لا یکون له مالک محترم بالفعل. والأول محرز بالوجدان، والثاني بالاستصحاب. وکذلک الحال إذا وجد کنزا في دار الکفر وعلم بقرائن أنه لمالک محترم تطبیقا لنفس ما تقدم، هذا من ناحیة. ومن ناحیة أخری ان علاقه الواجد بالکنز في هذه الصورة انما هي علی مستوی الحق دون الملک بلافرق بین أن یکون الکنز في الأرض التي لا ربّ لها، أو في الأرض المفتوحة عنوة، أو المحیاة، أو المبتاعة، أما علی الأول، فلأنه من الأنفال وملک للإمام7 کالمعادن والمناجم والمیاه وغیرها من الثروات الطبیعیة الموجودة فیها، وهذا لا من جهة أن الروایات التي تنص علی ملکیة الأرض التي لا رب لها للإمام7 تدل علی ملکیة الکنوز الموجودة فیها أیضا له7، فان تلک الروایات لا تدل علیها لا بالمطابقة باعتبار أنها لیست من الأرض بل هي مدفوعة فیها وموجودة مستقلة في قبالها، ولا بالالتزام لأنها لیست من توابعها وشئونها، بل لها کیان مستقل وتکون نسبتها الیها نسبة المظروف إلی الظرف لا نسبة الثمرة الی الشجرة، بل من جهة الروایات التي تنص علی أن من مات ولیس له موالي فما له من الأنفال، بتقریب ان الکنوز الموجودة فیها إذا کان تاریخها الزمني قبل مئاث السنین ولا یحتمل بقاء مدخرها في قید الحیاة لحد الآن عادة، ولا یعلم بوجود وارث له، وإذا شک فیه فمقتضی الأصل عدمه، تکون من الأنفال تطبیقا لتلک الروایات، وحیث ان الامام قد أباح التصرف في الانفال لکل من شملته نصوص التحلیل، فتکون النتیجة ان من وجد کنزا فیها ولم یعلم بوجود مالک محترم له فعلا فهو له، ولا فرق بین أن یکون وجدانه بانفاق عمل وبذل جهد في سبیله قاصدا ایاه، أو بطریقة الصدقة والانفاق، وبذلک یظهر ان علاقته به لا محالة تکون علی مستوی الحق دون الملک وإن کان المشهور هو الثاني وذلک لعدم الدلیل علی انقطاع علاقة الامام عنه. ومن هنا قلنا ان الاحیاء انما یمنح علاقة المحیي بالأرض علی مستوی الحق دون الملک لعدم الدلیل علی انقطاع علاقة الامام عن الأرض. علی تفصیل ذکرناه في کتابنا «الأراضي»، ولکن في المقام لا تظهر الثمرة بین القولین، فانه علی کلا القولین یجب علیه خمسه عند توفر شروطه کما مر.

واما علی الثاني، وهو ما إذا کان الکنز في الأرض المفتوحة عنوة فهو ملک للمسلمین کالأرض، علی أساس ان مصدر علاقة المسلمین بالأرض التي کانت تحت سیطرة الکفار وبأیدیهم انما هو استیلاء جیوش المسلمین علیها بعنوة وهراقة دم وأخذها منهم بالسیف، ومن الطبیعي ان أثر الاستیلاء یمتد إلی المصادر والثروات الطبیعیة الموجودة فیها کالمناجم والمیاه والکنوز ونحوها، سواء أکانت متوغلة في أعماقها أم کانت متکونة علی وجهها باعتبار ان الاستیلاء علی بقعة من الأرض خارجا استیلاء علی ما في هذه البقعة من الثروات الطبیعیة بنظر العرف والعقلاء، فمن یستولي علی الظرف یستولي علی المظروف طبعا، فلا ینفک الاستیلاء علی الأول عن الاستیلاء علی الثاني، هذا من ناحیة.

ومن ناحیة أخری: ان الشارع أجاز لکل فرد من آحاد المسلمین أن یمارس حقه في الانتفاع بالأراضي المفتوحة عنوة وأنه حرّ في ممارسة أيّ لون من ألوان الانتاج منها والانتفاع بها في ضمن المناهج التي رسمت من قبل ولي الأمر أو الدولة الاسلامیة في حدود دائرة الشرع وعدم التعدي والتجاوز عنها بخلق شروطها کتشجیر الاشجار وزرع الحبوب واخراج المعادن والکنوز وغیرهما من الثروات الطبیعیة فیها.

ومن ناحیة ثالثة: ان علاقة الممارس بها إنما هي علی مستوی الحق دون الملک لعدم الدلیل علی انقطاع علاقة المسلمین عنها، فاذن هو أحق بها، علی أساس انه أو جد فیها شروطا وخلق لها صفات وهیأ فیها فرصا للعمل لم تکن، وأما ذات الرقبة فهي مشترکة بین الکل علی مستوی الملک، وعلی هذا فإذا وجد فرد فیها کنزا فهو أحق به، وعلیه خمسه إذا توفر شروطه.

وأما علی الثالث: وهو ما إذا کان الکنز في الأرض المحیاة أو المبتاعة، فهو لیس لصاحب الأرض، وذلک لأن الناتج من عملیة الاحیاء انما هو علاقة المحیی بالأرض، ومن الطبیعي ان أثرها لا یمتد إلی الکنوز المدفوعة فیها، ولا إلی غیرها من الثروات الطبیعیة الموجودة في اعماقها أو المتکونة علی وجهها، علی أساس أنها موجودات مستقلة في قبال الأرض، ولیست من أجزائها، نصوص الاحیاء انما تمنح المحیي علاقة بالأرض علی مستوی الحق کما هو الصحیح أو الملک – کما هو المشهور – لا بأشیاء أخری التي لا ترتبط بالأرض الّا ارتباط المظروف بالظرف، کالطفل في بطن الأم والبیض في بطن الدجاج، وکذلک الحال في الأرض المبتاعة فان علاقة الفرد بها الناشئة من الأسباب الثانویة کالبیع أو الهبة أو الإرث أو نحوها لیست أقوی وأعمق من علاقته بها الناشئة من عملیة الاحیاء علی أساس أنها کلا تنتهی في نهایة المطاف إلی تلک العملیة التي هي مبدأ علاقة الانسان بالأرض، وعلی هذا فالکنوز الموجودة في تلک الأراضي إذا کان تاریخها الزمني قبل قرون بحیث لا یحتمل عادة بقاء مدخرها علی قید الحیاة، ولا یعلم بوجود وارث له فعلا، وإذا شک فیه فمقتضی الاستصحاب عدمه، فهي من الانفال تطبیقا للروایات المتقدمة، وحینئذ فإذا وجد فرد کنزا فیها ولم یعلم بوجود مالک محترم له فهو أحق به علی مستوی الحق دون الملک تطبیقا لما تقدم.

نعم، إذا علم أنه لمالک محترم قبل تاریخ تشریع الانفال ولم یبق في قید الحیاة إلی زمان التشریع، ولا یعلم بوجود وارث له، فهو لیس من الانفال، وأما إذا شک في أن تاریخ موته قبل تاریخ تشریع الانفال أو بعده مع فرض عدم العلم بوجود وارث له فعلا، فلا یکون هنا أصل لإثبات تأخر موته عن زمان التشریع أو تأخره عن زمان الموت، فانه في نفسه لا یجری أما لابتلائه بمحذور الاستصحاب في الفرد المردد إذا لو حظ زمان کل منهما علی نحو المعرفیة الصرفة إلی واقع زمان مردد بین زمانین یقطع بحدوث الحادث الآخر في أحدهما وعدم حدوثه في الآخر، فلا شک في البین بالنسبة إلی کل من الفردین الطولیین، أو لعدم الحالة السابقة له إذا لو حظ ذلک علی نحو الموضوعیة، وعندئذ فتصل النوبة إلی الأصل الحکمي وهو استصحاب عدم انتقاله إلی الإمام لکي یکون من الانفال، ولکن غیر خفی ان البحث عن الشک في التقدم والتأخر في المسألة بحث نظري محض ولا أثر عملي له في مقام التطبیق، فان الکنز سواء أکان من الانفال أم لم یکن فعلی واجده أن یخمسه شریطة أن یکون من الذهب أو الفضة المسکوکین بسکة المعاملة، وأن یکون بقدر النصاب، إذ لا فرق في هذا الحکم بین أن تکون علاقته به علی مستوی الملک أو الحق.

لحد الآن قد وصلنا إلی هذه النتیجة، وهي ان الکنوز من الانفال إذا کانت في الأراضي التي هي خاضعة لمبدإ ملکیة الدولة کالأراضي التي لا رب لها سواء أکانت میتة أم معمورة، وفي الأراضي التي هي خاضعة لمبدإ الملکیة الخاصة کالأرض المحیاة أو المبتاعة، علی تفصیل قد مر.

وأما الکنوز المدفونة في الأراضي التي هي خاضعة لمبدإ الملکیة العامة کالأراضي المفتوحة بالقهر والغلبة، فان کان تاریخها الزمني قبل الفتح فهي ملک للمسلمین، وان کان تأریخها الزمني بعد الفتح فهي من الانفال شریطة أن لا یکون لها مالک محترم، والّا فیجری علیها حکم اللقطة کما مر، وإذا شک في أن تاریخها الزمني قبل تاریخ الفتح حتی تکون خاضعة لملکیة المسلمین أو بعده حتی تکون خاضعیة لملکیة الدولة، ففي مثل ذلک لا یجري الاستصحاب إذا کان تاریخ کل من دفنها في تلک الأراضي وفتحها مجهولا، أو کان تاریخ الفتح معلوما وتاریخ الدفن مجهولا تطبیقا لنفس ما تقدم من المحذور، وهو الابتلاء اما بمحذور الاستصحاب في الفرد المردد، أو بعدم الحالة السابقة للمستصحب، واما استصحاب عدم الدفن في زمان الفتح وإن کان لا مانع منه في نفسه الّا أنه لا یجري من جهة عدم ترتب أثر عملي علیه الّا علی القول بالأصل المثبت، وأما إذا فرض ان تاریخ الدفن معلوم وتاریخ الفتح مجهول فلا یجري استصحاب عدم الدفن في زمان الفتح لعین المحذور المتقدم، وأما استصحاب عدم الفتح في زمان الدفن فهو لا یجری من جهة انه لا یترتب علیه نفي الموضوع وهو الطبیعي الجامع بینه وبین الفرد المقطوع العدم الّا علی القول بالأصل المثبت، اذ نفي الطبیعي بنفي فرده من المثبت علی تفصیل ذکرناه في ضمن البحوث الفقهیة والأصولیة، ولکن غیر خفي انه لا أثر عملي لهذه المسألة في مرحلة التطبیق، وانما هي مسألة نظریة صرفة لأن تلک الکنوز سواء أکانت من الانفال أم کانت ملکا للمسلمین فإذا وجدها فرد فهي له علی مستوی الحق وعلیه خمسها عند توفر شروطه.

ومن هنا یظهر أن ما ذهب إلیه جماعة من التفصیل بین ما إذا کان الکنوز في دار الکفر، وما إذا کان في دار الإسلام، فعلی الأول فهو لواجده مطلقا وإن کان علیه أثر الإسلام، وعلی الثاني فهو من القطة معللا بأن کونه في دار الإسلام أمارة علی انه ملک لمالک محترم، فلا یمکن المساعدة علیه، لما مر من ان الکنز إذا کان في دار الکفر فالأمر وإن کان کذلک فانه لواجده مطلقا، أي سواء أکان تاریخه الزمني متقدما مئات السنین أم لا، وسواء أکان علیه أثر الإسلام أم لا، الّا إذا علم بأنه ملک لمالک محترم، فان حکمه قد ظهر مما تقدم، وإذا کان في دار الإسلام فان کان تاریخه الزمني قبل عدة قرون بحیث لا یحتمل بقاء مدخره عادة لحد الآن ولا یعلم بوجود وارث له فعلا فقد مر انه من الانفال، وإذا وجده فرد فهو أحق به ولیس ملکا لأحد، وان کان تاریخه الزمني متأخرا بحیث یحتمل بقاء مدخره عادة علی قید الحیاة فعلا جری علیه حکم اللقطة دون الکنز.

وأما صحیحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر قال: «سألته عن الدار یوجد فیها الورق؟ فقال: ان کانت معمورة فیها أهلها فهي لهم، وإن کانت خربة قد جلا عنها أهلها فالذي وجد المال أحق به»(الوسائل باب: 5 من أبواب کتاب اللقطة الحدیث: 1). وقریب منها صحیحة الأخری، فهي وإن دلت علی أن الورق لواجده ومقتضی اطلاقها أنه له وإن علم بوجود مالک له فعلا المجهول عنده، لأن جلاء أهل الدار عنها لا یستلزم انقطاع علاقتهم بها، فانه أعم من الاعراض، الا أنها لا تدل علی أنه لواجده بملاک الکنز، إذ کما یحتمل ذلک یحتمل أن یکون بملاک الاعراض. أو فقل انه لابد من حمل الصحیحة علی الاعراض عن الدار بما فیها من الورق کما هو غیر بعید، بل هو قریب باعتبار أن خراب الدار یکشف عن طول مدة الجلاء، ومن الطبیعي أن طول مدته یکشف إما عن اعراض المالک عنها بما فیها من الورق والّا کان یرجع إلیه في هذه المدة طبعا، أو أنه لم یبق في قید الحیاة، ولا علم له بوجود وارث له بالفعل.

ثم أن هاهنا أربع مسائل، کل واحدة منها متمثلة في عنوان خاص في الفقه:

1- الکنز.

2- اللقطة.

3- المجهول مالکه وصفا لا عینا.

4- المعروف مالکه المفقود عینا.

أما الکنز فهو عبارة عن المال المدفون في الأرض أو الجدار أو غیر ذلک، ولیس له مالک محترم فعلا، وقد مرّ انه لواجده إذا وجده، وحکمه وجوب الخمس شریطة توفر أمرین فیه.

أحدهما: أن یکون من الذهب أو الفضة المسکوکین بسکة المعاملة.

والآخر: أن یبلغ النصاب، والّا فلا شيء فیه.

واما اللقطة بالمعنی الأخص فهي عبارة عن المال الضائع غیر الانسان والحیوان وله مالک محترم بالفعل ومجهول الهویة عینا ووصفا، ولها أحکام خاصة..

منها: ان علی الملتقط أن یقوم بتعریفها سنة کاملة شریطة توفر أمور..

الأول: أن لا یکون جازما بعدم جدواه للیأس عن وجدان صاحبها.

الثاني: أن تکون ذات علامة ممیزة.

الثالث: أن لا یکون فیه تعریض النفس في الخطر، فإذا توفرت تلک الأمور وجب القیام بتعریفها طول السنة.

ومنها: أن الملتقط بعد سنة من التعریف مخیّر بین التصدق بها مع الضمان، وتدل علیه صحیحة علي بن جعفر عن أخیه7 قال: «وسألته عن الرجل یصیب اللقطة فیعرفها سنة، ثم یتصدق بها فیأتي صاحبها، ما حال الذي تصدق بها؟ ولمن الأجر، هل علیه أن یرد علی صاحبها أو قیمتها؟ قال: هو ضامن لها والأجر له الّا أن یرضی صاحبها فیدعها والآجر له»(الوسائل باب: 2 من أبواب کتاب اللقطة الحدیث: 14)، وبین جعلها في عرض ماله ویجری علیها ما یجری علی ماله حتی یجيء لها طالب، والّا فعلیه أن یوصی بها في وصیته، وتدل علیه صحیحة محمد بن مسلم عن أبي جعفر قال: «سألته عن اللقطة؟ قال: لا ترفعها، فان ابتلیت بها فعرّفها سنة، فان جاء طالبها والّا فاجعلها في عرض مالک یجري علیها ما یجري علی مالک حتی یجيء لها طالب، فان لم یجيء لها طالب فاوص بها وصیتک»(الوسائل باب: 2 من أبواب کتاب اللقطة الحدیث: 10) وقریب منها صحیحته الأخری. وبین تملکها، وتدل علیه صحیحة حنان بن سدیر، قال: «سأل رجل أبا عبد الله  وأنا اسمع عن اللقطة: فقال: تعرّفها سنة، فان وجدت صاحبها والّا فأنت أحق بها»(الوسائل باب: 2 من أبواب کتاب اللقطة الحدیث: 5).

ثم ان هذه الصحیحة بما أنها ناصة في أحقیة الواجد لها فتصلح أن تکون قرینة علی رفع الید عن ظهور صحیحة علي بن جعفر وغیرها في وجوب التصدق بها تعیینا، وحملها علی الوجوب المشروط، ورفع الید عن ظهور صحیحة محمد بن مسلم في وجوب التحفظ علیها تعیینا وحملها علی الوجوب المشروط، فالنتیجة أن وجوب کل من التصدق والتحفظ مشروط بعدم التملک، کما ان وجوب کل منهما مشروط بعدم الآخر، هذا من ناحیة، ومن ناحیة أخری انه إذا تملکها فهل علیه ضمان إذا جاء صاحبها ولم یرض به وطالبه بها؟ المعروف والمشهور الضمان، ولکن الصحیح عدم الضمان، لأنه بحاجة إلی دلیل، ولا یوجد دلیل علیه في المقام علی اساس ان مقتضی القاعدة فیه عدم الضمان، باعتبار ان تصرفه فیها وتملکه لها باذن الشارع بعد تعریفها سنة کاملة، وهو لا یقتضی الضمان، والتعدي عن مورد الصدقة إلی هذا المورد بحاجة إلی قرینة ولا قرینة علیه، لا فیه ولا في الخارج. فالنتیجة عدم الضمان هو الأظهر في صورة تملک الواجد لها.

ومنها: أن المشهور بین الفقهاء عدم وجوب تعریفها إذا کانت قیمتها أقل من الدرهم، ولکنه لا یخلو عن اشکال بل منع، لأن مقتضی الاطلاقات وجوب تعریفها سنة وإن کانت قیمتها أقل من الدرهم، ولا دلیل علی تقیید تلک الإطلاقات الا مرسلة محمد بن أبي حمزة عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله  قال: «سألته عن اللقطة؟ قال: تعرف سنة قلیلا کان أو کثیرا، قال: وما کان دون الدرهم فلا یعرف»(الوسائل باب: 4 من أبواب کتاب اللقطة الحدیث: 1) وهذه المرسلة وإن کانت تامة دلالة الا انه لا یمکن الاعتماد علهیا من جهة الارسال، فاذن الأظهر وجوب تعریفها وإن کانت قیمتها أقل من الدرهم.

ومنها: جواز تملکها إذا لم تکن ذات علامة ممیزة قابلة للتعریف، ولکنه أیضا لا یخلو عن اشکال بل منع، لأن تملک مال الغیر بحاجة إلی دلیل ولا دلیل علیه في المقام، ومقتضی القاعدة حینئذ هو التصدق بها، لأنه غایة ما یمکن ایصاله إلی المالک، نعم، في خصوص من وجد حیوانا في فلاة کالشاة أو نحوها فالروایة تنص علی أنه له، کصحیحة هشام بن سالم وغیرها. ولکن ذلک خارج عن محل الکلام فانه في اللقطة بالمعنی الأخص لا في الضالة، والتعدي بحاجة إلی قرینة، ومن هنا یظهر ان الکنز یختلف عن اللقطة موضوعا وحکما، اما موضوعا فلأن الکنز هو المال المقید بقیدین..

أحدهما: أن یکون مدفونا في الأرض أو نحوها.

والآخر:أن لا یکون له رب محترم فعلا. واما اللقطة فهي مقیدة بأن یکون لها رب محترم فعلا ومجهول، کما أنها لا تکون مقیدة بالدفن. واما حکما فلأن الکنز من الواجد وعلیه خمسه کما مر دون اللقطة.

فالنتیجة: ان الکنز الذي له حکم خاص یفترق عن اللقطة في أمرین..

أحدهما: ان الکنز هو المال المدفون في الأرض أو نحوها، واللقطة أعم من أن تکون مدفونة أو مکشوفة.

والآخر: ان المعتبر في الکنز أن لا یکون له مالک محترم بالفعل، واما في اللقطة فیعتبر فیها أن یکون لها مالک کذلک ومجهول، فذلک یختلف حکمه عن حکمها.

واما المجهول مالکه وصفا لا عینا فهو یتمثل في المال الذي یکون مالکه معلوما عینا ومجهولا مکانا وبلدة أو وصفا، فمن أجل ذلک لا موضوع للتعریف وإن کان ذات علامة، ولا یمکن ایصاله إلیه، وحکمه التصدق به تعیینا من قبله لأنه غایة ما یمکن ایصاله الیه. وتدل علیه صحیحة یونس ابن عبد الرحمن قال: «سئل أبو الحسن الرضا7 وأنا حاضر.. إلی أن قال: فقال: رفیق کان لنا بمکة فرحل منها إلی منزله ورحلنا إلی منازلنا، فلما أن صرنا في الطریق أصبنا بعض متاعه معنا، فأي شيء نصنع به؟ قال: تحملونه حتی تحملوه إلی الکوفة، قال: لسنا نعرفه ولا نعرف بلده ولا نعرف کیف نصنع؟ قال: إذا کان کذا فبعه وتصدق بثمنه، قال له: علی من جعلت فداک؟ قال: علی أهل الولایة»(الوسائل باب: 7 من أبواب کتاب اللقطة الحدیث: 2). ثم ان المراد من قول السائل «لسنا نعرفه» أي لا نعرفه وصفا لا أنه لا نعرفه عینا، فانه لا ینسجم مع کونه رفیقا له في مکة، نعم إذا کان المالک مجهولا عینا أیضا فعندئذ إذا احتمل امکان ایصاله إلیه بالتعریف وجب إذا کان ذات علامة ممیزة قابلة للتعریف إلی أن ینسی من وجدان صاحبه، علی أساس أن وجوب التعریف لا یتوقف علی صدق اللقطة علیه، بل هو علی طبق القاعدة باعتبار أن رد المال وایصاله إلی مالکه واجب شرعا وعقلا، فإذا کان الایصال متوقفا علی التعریف وجب. ثم ان هذا التعریف لا یکون محدودا إلی سنة، لأن التعریف المحدود بها انما هو في اللقطة للنص الخاص، واما في المقام فبما أنه علی طبق القاعدة فلا یکون محدودا الّا بالیأس عن الوصول إلی مالکه، فإذا یئس وجب التصدق به، ولا یجري علیه حکم اللقطة من التخییر بین الأمور الثلاثة المتقدمة، لفرض عدم صدقها علیه، فلا یکون مشمولا لدلیلها، وأما إذا لم یکن ذات علامة، أو کان ولکن لا یمکن تعریفه، أو لا أثر له، فالوظیفة التصدق به.

وأما المال المعروف مالکه المفقود عینا فیجب الفحص والطلب عنه أو عن وارثه ببذل أقصی جهده في سبیل الوصول إلیه، فان قدر علیه، والّا فهو کسبیل ماله حتی یجيء صاحبه، وإن لم یجيء فیوصي به، وتنص علیه مجموعة من الروایات، منها: صحیحة هشام بن سالم قال: «سأل خطاب الأعور أبا ابراهیم7 و أنا جالس، فقال: انه کان عند أبي أجیر یعمل عنده بالأجرة، ففقدناه وبقی من أجره شيء، ولا یعرف له وارث، قال: فاطلبوه، قال: قد طلبناه فلم نجده، فقال: مساکین – وحرک یده – قال: فأعاد علیه، فقال: اطلب واجهد فان قدرت علیه والّا فهو کسبیل مالک حتی یجيء له طالب، فان حدث بک حدث فأوص به إن جاء لها طالب أن یدفع إلیه»(الوسائل باب: 6 من أبواب میراث الخنثی وما أشبهه الحدیث: 1) هذا کله مع احتمال مجيء صاحبه واما مع الیأس وانقطاع الأمل فحکمه التصدق.

4- الفیّاض: لکن ظهر مما تقدم انه لا أثر لهذا الاحتمال، لأن المشتري إذا وجد کنزا في الأرض المبتاعة فان کان واثقا ومتأکدا بأنه کان لأحد البائعین السابقین شریطة علمه ببقائهم في قید الحیاة ولو ببقاء ورائهم وجب الرجوع إلیهم والقیام بتعریفه لهم، وحینئذ فأي واحد منهم أعطی وصفا مطابقا للوصف الموجود في الکنز فهو له، وأما إذا افترض عدم تمکن أيّ منهم من اعطاء وصف مطابق للوصف الموجود فیه لسبب من الأسباب کالنسیان، أو أن مدخره لم یبق في قید الحیاة ووارثه لا یعلم خصوصیاته وأوصافه الممیزة، فوظیفته الرجوع إلی القرعة وتعیین المالک بها دون التصدق، فانه وظیفة من لا یتمکن من تعیین المالک ولو بالأمارة الشرعیة وایصاله الیه، وإن کان واثقا ومتأکدا بأن مدخره لم یبق علی قید الحیاة جزما ویشکل في وجود وارث له وانتقاله إلیه، فقد مر ان المرجع في مثل ذلک استصحاب عدم وجوده، وبه یحرز انه من الانفال، وحینئذ فإذا وجده المشتري فهو له، وعلیه خمسه لدی توفر شروطه کما مر.

ودعوی ان الأرض المبتاعة بما أنها کانت تحت الأیادي المتعددة، فکل ید کانت علیها فهي أمارة علی الملک في ظرفها، وعلی هذا فوظیفة المشتري أن یرجع إلی صاحب الید اللاحقة، فإن نفی علاقته بالکنز سقطت یده عن الأماریة، ویرجع حینئذ إلی صاحب الید السابقة علیها، وهکذا فان نفی الکل علاقته به کان لواجده شریطة أن لا یحتمل بقاء مدخره عادة علی قید الحیاة، ولا یعلم بوجود وارث له.

مدفوعة بأن ید هؤلاء البائعین علی الأرض المتاعة لا تصلح أن تکون أمارة علی ملکیة الکنز فیها، فانه إن أرید من أماریة الید أن المنتقل من البائع السابق إلی البائع اللاحق الأرض بما فیها من الکنز، اما بملاک ان انتقال الأرض من فرد إلی فرد آخر یستلزم انتقال کل المصادر والثروات الطبیعیة الموجودة في اعماقها أو المتکونة علی سطحها منها الکنز الیه، أو بملاک ان البائع یبیع الأرض بما فیما من الکنز لا الأرض وحدها، فیرد علیه..

أولا: ان انتقال الأرض من فرد إلی آخر لا یستلزم انتقال مصادرها وثرواتها الطبیعیة الیه لما تقدم من أنها لا تکون خاضعة للأرض في مبدأ الملکیة باعتبار أنها لیست من اجزاء الأرض ولا من توابعها وشئونها، بل هي موجودات مستقلة في قبال وجود الأرض، واما انتقال الکنز بعنوان جزء المبیع فهو خلاف الفرض، لأن المفروض ان المبیع هو الأرض وحدها لا مع الکنز، وبذلک یظهر ان الکنز کما لا ینتقل إلی البائع الثاني بتبع انتقال الأرض إلیه لعدم کونه تابعا لها، کذلک لا ینتقل إلیه بعنوان جزء المبیع.

وثانیا: أن لازم ذلک هو انتقال الکنز إلی المشتري فعلا، وهو خلف الفرض، وإن أرید من أماریة ید هؤلاء أنها تکشف عن ان صاحبها هو الذي ادخره في الأرض ودفنه فیها، فیرد علیه..

أولا: انها لا تکشف عن ذلک ولا تکون أمارة علیه، وانما هي أمارة علی الملک فقط في ظرف الشک في أنها ید أمانة أو عادیة أو ملک علی أساس الغلبة.

وثانیا: أن کل واحدة من هذه الأیادي لو کانت کاشفة عن ان صاحبها هو الذي ادخره في الأرض ودفنه فیها لزم التعارض والتنافي بین هذه الأیادي وسقوط الجمیع عن الأماریة من جهة المعارضة، الّا أن یقال ان کشف الید اللاحقة عن ذلک مشروط بعدم سبقها بید أخری، ونتیجة ذلک ان الکاشف عن ذلک انما هو ید البائع الأول دون غیره، وعلیه فلابد من الرجوع إلیه دون الباقي مع أن صاحب هذه الدعوی یقول بالرجوع إلی البائع الأخیر، فالنتیجة أن هذه الدعوی لا ترجع بالتحلیل إلی معنی محصل، فالصحیح هو ما ذکرناه، هذا حسبما تقتضیه القاعدة الأولیة.

واما بالنظر إلی الروایات، فقد یقال – کما قیل -: أنها تدل علی وجوب الرجوع إلی البائع..

منها: صحیحة عبد الله بن أبي جعفر الحمیري، قال: «کتبت إلی الرجل7 أسأله عن رجل اشتری جزورا أو بقرة للأضاحي، فلما ذبحها وجد في جوفها صرة فیها دراهم أو دنانیر، أو جوهرة لمن یکون ذلک؟ فوقع7: عرّفها البائع فان لم یکن یعرفها فالشيء لک رزقک الله إیاه»(الوسائل باب: 9 من أبواب کتاب اللقطة الحدیث: 1) ومثلها صحیحته الأخری (الوسائل باب: 9 من أبواب کتاب اللقطة الحدیث: 2). فانها تنص علی وجوب تعریف الصرة التي وجدها في جوف الأضاحی للبائع، فان لم یعرفها فهي لواجدها.

ومنها: موثقة محمد بن قیس عن أبي جعفر قال: «قضی علي7 في رجل وجد ورقا في خربة أن یعرّفها، فان وجد من یعرفها والّا تمتع بها»(الوسائل باب: 5 من أبواب کتاب اللقطة الحدیث: 5) فانها تدل علی وجوب التعریف، ومقتضی اطلاقها عدم الفرق بین أن یکون عالما بوجود المالک له، أو لا.

ومنها: موثقة اسحاق بن عمار قال: «سألت أبا ابراهیم7 عن رجل نزل في بعض بیوت مکة فوجد فیها نحوا من سبعین درهما مدفونة فلم تزل معه ولم یذکرها حتی قدم الکوفة کیف یصنع؟ قال: یسأل عنها أهل المنزل لعلهم یعرفونها، قلت فان لم یعرفوها، قال: یتصدّق بها»(الوسائل باب: 5 من أبواب کتاب اللقطة الحدیث: 3).

ولکن للمناقشة في تلک الروایات مجال، أما الروایة الأولی، فلأن الصرة التي وجدها في  جوف الجزور أو البقرة لا یصدق علیها الکنز لکي یجري علیها حکمه، وأما اللقطة فهي وإن کانت تصدق علیها الّا أنه لا یجري حکمها علیها وهو وجوب تعریفها سنة کاملة، إذ لا یکفي تعریفها للبائع فقط، فانه إذا لم یعرفها علم الواجد أنها لفرد آخر، وحینئذ فان علم وجوده فعلا وامکان ایصالها إلیه وجب علیه تعریفها، فان لم یوجد فهو مخیر بین الأمور الثلاثة المتقدمة، ومع الیأس عن الایصال سقط وجوب التعریف وتصدق بها، وإن لم یعلم بوجوده فعلا بمعنی انه یعلم من القرائن الخارجیة ان مالکها الأول لم یبق علی قید الحیاة لحد الآن، ولا یعلم بوجود وارث له بالفعل، ومقتضی الأصل عدمه، فهي من الانفال، وحکمها أنها لواجدها شریطة أن یکون ممن شملته روایات التحلیل.

واما الصحیحة التي تنص علی أن البائع إذا لم یعرفها فهي لواجدها فلا تنسجم مع کونها لقطة، فان حکمها وجوب التعریف لا أنها لواجدها، کما أنه لا یترتب علیها حکم مجهول المالک، فان حکمه التصدق بها، فاذن لا مناص من التصرف فیها إما بحملها علی صورة العلم بعدم وجود المالک لها فعلا ولو بمقتضی الاستصحاب، أو الاقتصار علی موردها وإن علم الواجد بوجود المالک لها بالفعل غیر البائع المجهول عنده وعدم التعدي عنه إلی سائر الموارد.

واما الروایة الثانیة: فلابد من حملها علی ما إذا کان الورق قابلا للتعریف، بأن تکون ذات علامة ممیزة من جهة، وعلی أن الواجد واثق ومطمئن بوجود المالک له من جهة أخری، ومما یؤکد ذلک انه لم یفرض فیها جلاء أهلها کما فرض في صحیحة محمد بن مسلم المتقدمة، وعلی الجملة فطبع القضیة في مورد الموثقة وامثاله یتطلب کون الواجد واثقا بوجود المالک له بالفعل، اذ فرض أن أهلها قد جلا عنها مثات السنین ولم یبق أحد منهم علی قید الحیاة ولا یعلم بوجود وارث لهم، فرض نادر جدا ولا یضر بالاطمئنان والوثوق بوجود المالک له في الواقع المجهول في الظاهر، فالنتیجة انه لابد من حمل الموثقة علی اللقطة.

وأما الروایة الثالثة: فلا شبهة في ان موردها اللقطة حیث ان من وجد الدارهم فیه یعلم بطبیعة الحال أن لها مالکا محترما، إذ لا یحتمل عادة أنها مدفونة في الدار قبل مئات السنین بل هو واثق ومتأکد بأنها من أحد النازلین فیها، أو من صاحبها باعتبار أنها معدّة لنزول الحجاج والزوار فیها، فمن أجل ذلک یجب علیه الفحص عن أهلها، فان یئس یتصدق بها. ثم ان ظاهر هذه الروایة وإن کان وجوب التصدق بها تعیینا، الّا انه لابد من رفع الید عن ظهورها في ذلک بقرینة نص صحیحة حنان بن سدیر المتقدمة في ان الواجد احق بها.

فالنتیجة ان الروایات لا تدل علی وجوب الرجوع إلی البائع، اما الروایة الأولی فلابد من الاقتصار علی موردها، ولا یمکن التعدي عنه إلی سائر الموارد، واما الروایة الثانية والثالثة فموردهما اللقطة، فلذلک یجب الفحص عن أهلها والتعریف.

5- الفیّاض: في اطلاقه اشکال بل منع، فانه انما یتم إذا نفی الکل ملکیة المال المکنوز، وعندئذ تکون دعواه بأنه ملکه حجة وإن لم یکن ثقة، وتدل علیه صحیحة منصور بن حازم عن أبي عبد الله7 قال: «قلت: عشرة کانوا جلوسا وسطهم کیس فیه ألف درهم، فسأل بعضهم بغضا ألکم هذا الکیس؟ فقالوا کلهم: لا، وقال واحد منهم هو لي، فلمن هو؟ قال: للذي ادعاه»(الوسائل باب: 17 من أبواب کیفیة الحکم وأحکام الدعوی الحدیث: 1). فانها ناصة في أن دعواه مسموعة إذا نفی الباقي علاقته به. واما إذا کان ساکتا ولا یدعي علاقته بالمال ولا ینفیها حیث انه یحتمل في الواقع أن یکون المال ملکا له، فلا تدل الصحیحة علی قبول دعواه في هذا الفرض، لأنه خارج عن موردها، فاذن قبولها فیه بحاجة إلی دلیل ولا دلیل علیه، الّا إذا کان ثقة، وأما الواجد للمال المکنوز فان احتمل ان تاریخه الزمني متقدم بمئات السنین علی تاریخ أصحاب الأیادي المتأخرة المتعاقبة ولا یکون واثقا ومتأکدا بأنه ملک لأصحاب تلک الأیادي، وانما ذلک مجرد احتمال، کما انه لا یعلم بوجود وارث لمدخره فعلا فهو له لاستصحاب عدم دخوله في ملک هؤلاء من ناحیة، واستصحاب عدم وجود وارث له من ناحیة أخری، وبذلک یحرز الموضوع بضم الوجدان إلی الأصل، لأن کونه مالا محرز بالوجدان، وعدم وجود مالک محترم له بالفعل بالاستصحاب، فاذن یدخل في الأنفال ویکون واجده أحق به وعلیه خمسه شریطة توفر شروطه، نعم إذا علم الواجد بأنه ملک لأصحاب الأیادي المتعاقبة الموجودین بالفعل، فعندئذ إذا ادعی واحد منهم أنه ماله، فان نفی الباقون علاقتهم به فهو للمدعي بمقتضی اطلاق الصحیحة، وإن سکتوا عنه ولم ینفوا العلاقة به لم تسمع دعواه في هذه الحالة، الّا إذا کان ثقة، فإنها غیر مشمولة لإطلاق الصحیحة کما مر، وفي هذا الفرض اذا ادعی کل واحد منهم انه ماله فتدخل المسألة حینئذ في مسألة التداعي، وهي ما إذا کان المال في ید فرد ثالث غیر المدعیین کما هو المفروض في المقام، أو کان في أیدیهما معا.

6- الفیّاض: هذا إذا کان ثقة، والا فلا تکون دعواه مسموعة، لأنها لیست من موارد الصحیحة حیث ان دعواه معارضة بنفي شرکائه، غایة الأمر أن نفیهم انما یکون نافذا في حصصهم دون حصة المدعي، وعلیه فان کان المدعي ثقة کانت دعواه حجة بالنسبة إلی اثبات حصته بملاک عدم الفرق في حجیة خبر الثقة بین الموضوعات والأحکام الشرعیة.

ثم ان حصة الشرکاء بما أنها لیست ملکا لهم علی أساس اقرارهم النافذ علیهم، وکونها ملکا لغیرهم غیر معلوم، فلا مانع حینئذ من التمسک بأصالة عدمه، وبها یحرز انه مال ولم یکن له مالک فعلا، فإذا کان کذلک فهو لواجده.

وإن شئت قلت: ان المدعي یدعي ان المال المکنوز عند الواجد کان لوالده فانتقل منه إلی ورثته، وأما سائر أخوته الشرکاء معه فهم منکرون ذلک، ویقولون ان المال المذکور لم یکن ملکا للوالد، وعندئذ فان کان المدعي ثقة کان قوله حجة في انتقال حصته إلیه دون حصص سائر الأخوة، فانها لا تنتقل إلیهم علی أساس انکارهم واعترافهم بعدم الإرث منه، وهو نافذ في حقهم وإن لم یکونوا ثقة، وعلی هذا فإن علم الواجد بوجود مالک له بالفعل المجهول عنده جری علیه حکم اللقطة، وإن لم یعلم بوجود مالک له فعلا وعدم بقاء مالکه السابق علی قید الحیاة عادة کانت حصص هؤلاء الأخوة ملکا له ظاهرا، وإن لم یکن المدعي ثقة لم یکن قوله حجة، وعلیه فحکم حصته حکم حصص سائر الإخوة، نعم إذا أقام المدعي بینة علی ان المال المدفون عند الواجد کان ملکا لوالده، وعندئذ فإن أنکر سائر الاخوة البینة واعترفوا بأن المال المذکور لم یکن ملکا للوالد کانت البینة حجة بالنسبة إلی حصة المدعي فحسب دون حصص سائر الإخوة، فان اقرارهم مانع عن حجیتها، وإن لم ینکروها قسم المال بین الجمیع بالسویة.

7- الفیّاض: هذا إذا لم یعلم الواجد بوجود مالک آخر للباقي بالفعل، فانه حینئذ یکون له ظاهرا، باعتبار انه لیس ملکا لسائر أخوة المدعي أیضا بمقتضی اقرارهم، والظاهر ان هذا هو مراد الماتن بقرینة انه قد فرض في المسألة احتمال کونه من أحد البائعین، وعلیه فلا وجه لحمل کلامه علی صورة علمه بوجود مالک له بالفعل المجهول عنده لکي یستشکل علیه بأنه حینئذ یکون من مجهول المالک، فان کان ذات علامة ممیزة وجب تعریفه، والّا تصدق به.

8- الفیّاض: علی الأظهر، هذا في الذهب المسکوک، وأما في الفضة المسکوکة فهو مائتا درهم، ومع هذا کان الأحوط والأجدر اخراج الخمس منه وإن کان أقل من ذلک، لأن الدلیل علیه قوله في صحیحة البزنطي: «ما تجب الزکاة في مثله ففیه الخمس»(الوسائل باب: 5 من أبواب ما یجب فیه الخمس الحدیث: 2) علی أساس ظهوره عرفا في المماثلة في الجنس والمقدار معا، وهذا الظهور وإن کان قریبا عرفا إلّا انه مع ذلک کان الاحتیاط في محله.

 

 مسالة 14: لو وجد الكنز في ارض‌مستاجرة اومستعارة، وجب‌ تعريفهما وتعريف المالک ايضا(1)، فان نفياه كلاهما كان له وعليه الخمس(2)، وان ادّعاه احدهما اعطي بلا بيّنة(3)، وان ادّعاه كلّ منهما ففي تقديم قول المالک وجه، لقوّة يده(4)، والاوجه الاختلاف بحسب المقامات في قوّة احدى اليدين.

1- الفیّاض: في اطلاقه اشکال بل منع، لأن من وجد کنزا فیها، فإن کان تاریخه الزمني قدیما ویکون قبل مئات السنین ولا یحتمل بقاء مدخره لحد الآن علی قید الحیاة، ولا یعلم بوجود وارث له بالفعل فهو لواجده، ولا فرق بین أن یکون في تلک الأراضي أو الأراضي التي لا ربّ لها، أو المفتوحة عنوة، لما مر من ان الکنوز الموجودة في الأراضي المملوکة بالاحیاء أو بالابتیاع لا تتبع رقبة الأرض باعتبار أنها موجودات مستقلة لا ترتبط بها الّا ارتباط المظروف بالظرف. وإن کان تاریخه الزمني حدیثا ویکون قبل عدة سنین فعندئذ إذا دار أمره بین أن یکون من المستأجر أو من المالک وجب علیه الفحص، لأنه داخل في القطة حینئذ، ولا یکون من الکنز، نعم إذا نفیاه معا فعندئذ إن علم اجمالا بأنه ملک لمالک آخر موجود فعلا وجب علیه التعریف سنة کاملة شریطة أن لا یکون مأیوسا منه جزما، وإن علم بأن مدخره لم یبق علی قید الحیاة عادة لحد الآن فهو له وعلیه خمسه.

2-الفیّاض: هذا إذا بعدم وجود مالک له بالفعل المجهول عنده ولو بمقتضی الأصل، والّا جری علیه حکم اللقطة إذا علم بوجود مالک له فعلا ولو بالاستصحاب.

3- الفیّاض: في اطلاقه اشکال بل منع، فانه انما یتم لدی توفر أمرین فیه..

أحدهما: ان یعلم الواجد إجمالا ان المال المکنوز لأحدهما.

الثاني: ان الآخر ینفي علاقته به، فإذا توفر هذان الأمران اعطی للمدعی بمقتضی صحیحة منصور بن حازم المتقدمة، والّا فلا.

وإن شئت قلت: أن هاهنا صورا:

الأولی: أن یعلم الواجد ان المال إما للمدعي، أو للآخر، وفي هذه الحالة إن نفی الآخر علاقته به فهو للمدعي وإن لم یکن ثقة، وإن لم یینف ویحتمل أنه في الواقع ملک له لم یحکم بأنه للمدعي، ولا یجب علیه حینئذ ردّه إلیه الّا إذا کان ثقة علی أساس أن قول الثقة حجة إذا لم یکن له معارض، والفرض عدم المعارض له في المقام.

الثانیة: أن یعلم الواجد ان المال اما أن یکون للمدعي، أو لصاحبه، أو لمالک ثالث مجهول عنده، وفي هذه الحالة لا تکون دعوی المدعي حجة الّا إذا کان ثقة.

قد یقال: ان تقدیم قول المدعي انما هو علی أساس حجیة قول ذي الید باعتبار ان المال تحت یدي المالک والمستأجر معا، فإذا ادعی أحدهما ملکیة المال دون الآخر کان قوله حجة بملاک حجیة قول ذي الید إن لم یکن ثقة.

والجواب.. أولا: ان الأرض تحت أیدیهما معا دون الکنز، فانه موجود مستقل ولیس من توابع الأرض وشئونها کما مر، فاذن لا تکون دعوی أحدهما الکنز حجة بملاک حجیة قول ذي الید.

وثانیا: ان الأرض وما فیها تحت ید المستأجر فعلا دون المالک، وبذلک یظهر حال ما بعده.

الثالثة: إذا ادعی کل منهما ملکیة المال فان أقام أحدهما بینة دون الآخر فالمال له وان أقام کلاهما بینة قسم المال بینهما للنص الخاص.

4- الفیّاض: في القوة اشکال بل منع، لأن الید علی الأرض علی تقدیر کونها أمارة علی علاقة صاحبها بالکنوز الموجودة فیها ولا فرق بین ید المالک وید المستأجر، فکما ان الأولی کاشفة عنها فکذلک الثانیة، ولا یکون کشف الأولی أقوی من کشف الثانیة، ولا سیما إذا کانت الاجارة في مدة طویلة.

 

 

 مسالة 15: لو علم الواجد انـّه لمسلم موجود هو او وارثه في عصره مجهول، ففي اجراء حكم الكنز او حكم المجهول المالک عليه، وجهان(1).؛ ولو علم انـّه كان ملكا لمسلم قديم، فالظاهر جريان حكم الكنز عليه(2)

1- الفیّاض: فیه ان الظاهر اجراء اللقطة علیه لا الکنز ولا مجهول المالک، اما الکنز فقد تقدم ان حکمه مرتبط باحراز عدم وجود مالک محترم له بالفعل ولو بمقتضی الاستصحاب، وأما مجهول المالک فهو مرتبط بدن لا یکون وجوده عند فرد مستندا إلی التقاطه ووجدانه إیاه من ناحیة، وعدم الموضوع للتعریف فیه من ناحیة أخری کما مر، وحکمه وجوب التصدق به تعیینا، وهذا بخلاف اللقطة فان حکمها وجوب التعریف إلی سنة، ثم التخییر بین التصدق بها، أو التملک لها، أو التحفظ علیها إلی أن یجيء صاحبها، نعم إذا لم یمکن تعریفها فحکمها وجوب التصدق بها، فاذن لا فرق بینها وبین مجهول المالک في الحکم، ولعله1 أراد منه المعنی العام الشامل للقطة أیضا.

2- الفیّاض: هذا إذا لم یعلم بوجود وارث له بالفعل، والّا فهو من اللقطة ویجب الفحص عن صاحبه بتعریفها.

 مسالة 16: الكنوز المتعدّدة، لكلّ واحدٍ حكم نفسه في بلوغ النصاب وعدمه، فلو لم‌يكن احادها بحدّ النصاب وبلغت بالضمّ لم‌يجب فيها الخمس(1)؛ نعم، المال الواحد المدفون في مكان واحد في ظروف متعدّدة يضمّ بعضه الى بعض، فانّه يعدّ كنزا واحدا وان تعدّد جنسها.

1- الفیّاض: في عدم الوجوب اشکال بل منع، لأن الکنوز المتعددة من الذهب أو الفضة إذا بلغ مجموعها النصاب، فالظاهر وجوب الخمس فیه، والوجه في ذلک ان اطلاق دلیل الکنز یقتضي وجوبه مطلقا، سواء أکان قلیلا أم کان کثیرا، باعتبار ان الموضوع فیه طبیعي الکنز ولکن صحیحة الحلبي المتقدمة تدل علی تقییده بما إذا بلغ عشرین دینارا إذا کان الکنز ذهبا، ومائتي درهم إذا کان فضة، ومقتضی اطلاقها عدم الفرق بین بلوغه النصاب من کنز واحد أو کنوز متعددة، فالتقییده بکنز واحد بحاجة إلی قرینة، أو قفل ان الموضوع في الصحیحة طبیعي الکنز، وتدل علی أنه إذا بلغ النصاب ففیه الخمس، والفرض ان الطبیعي یصدق علی الواحد والکثیر في عرض واحد، فلا وجه للتقیید بالواحد. ویؤکد ذلک ما أشرنا إلیه سابقا من ان المتفاهم العرفي من روایات الخمس في کل باب بمناسبة الحکم والموضوع الارتکازیة ان موضوع وجوبه الفائدة والغنیمة التي یغتنمها المرء، غایة الأمر تکون الفائدة مرة بعنوان المعدن، وأخری بعنوان الکنز، وثالثة بعنوان الغوص، ورابعة بعنوان أرباح المکاسب وهذه العناوین وإن کانت قد توجب الاختلاف في بعض شروط الخمس الّا أنها جمیعا تشترک في نقطة واحدة، وهي ان الموضوع للوجوب الفائدة والغنیمة، سواء أکان اغتنامها بالتکسب، أم باستخراج المعدن، أو وجدان الکنز، أو نحو ذلک، وعلی هذا فلا فرق في الفائدة التي یستفیدها المرء بوجدان الکنز بین أن تکون من کنز واحد أو کنوز متعددة، کما انه لا فرق بین أن یجد المرء کنوزا متعددة في مکان واحد ویبلغ المجموع قدر النصاب، وأن یجد کنوزا في أمکنة متعددة في زمن واحد عرفا ویبلغ المجموع النصاب.

نعم، إذا وجد کنوزا بفاصل زمني کما إذا وجد کنزا لم یبلغ النصاب ثم بعد مدة وجد کنزا آخر کذلک، ولکن إذا ضمّه إلی الأول یبلغ المجموع النصاب، ففي مثل ذلک لا خمس فیه، لأن الأول حین ما وجده لم یکن مشمولا لدلیل الخمس، وأما بقاء فلا دلیل علیه، لأن ما دل علی وجوب الخمس في الکنز کغیره من أدلة الخمس ظاهر في وجوبه حینما وجده شریطة أن یبلغ النصاب في ذلک الحین والّا فلا یکون مشمولا له، ولا یوجد دلیل آخر یدل علی کفایة الضم في وجوبه، أو فقل انه حینما یصدق علیه أنه فائدة یستفیدها المرء ویغنمها لم تکن مشمولة لدلیل الخمس من جهة عدم توفر شرطه وهو النصاب، وحینما یتحقق ذلک الشرط بقاء لا یصدق علیه أنه فائدة یستفیدها المرء ویغنمها، بل انه کان فائدة یستفیدها ویغنمها.

 

مسالة 17: في الكنز الواحد لايعتبر الاخراج دفعةً بمقدار النصاب، فلوكان مجموع الدفعات بقدر النصاب(1) وجب الخمس وان لم‌يكن كلّ واحدة منها بقدره.

1- الفیّاض: فیه ان اخراج الکنز من موضعه غیر معتبر في وجوب الخمس فیه حتی یقال ان اخراجه دفعة واحدة بمقدار النصاب غیر معتبر فیه، بل  تکفي الدفعات ضرورة ان المعیار فیه إنما هو بوجدانه والاستیلاء علیه، فإذا وجده وجب خمسه وإن لم یخرجه بل ظل باقیا في مکانه، فقیاس الکنز بالمعدن من هذه الناحیة قیاس مع الفارق.

 

 مسالة 18: اذا اشترى دابّة ووجـد في جوفها شيئا، فحاله حال الكنز الّذي يجـده في الارض المشـتراة، في تعريف البايع(1) وفي اخراج الخمس ان لم ‌يعرّفه(2). ولا يعتبر  فيه بلوغ النصاب، وكذا لو وجد في جوف السمكة المشتراة مع احتمال كونه لبايعها(3)، وكذا الحكم في غير الدابّة والسمكة من سائر الحيوانات.

1- الفیّاض: تقدم ان الکنز الذي یجده في الأرض المبتاعة انما یجب تعریف البائع إذا علم واجده انه لأحد البائعین السابقین، وأما إذا علم انه مدفون في الأرض قبل مئات السنین ولا یعلم بوجود وارث لمدخره فعلا فهو من الأنفال، ویکون واجده أحق به، وإذا لم یعلم بالحال وشک في انه لأحد هؤلاء البائعین الموجودین فعلا، أو أنه مدفون قبل سنین متمادیة بحیث لا یحتمل بقاء مدخره علی قید الحیاة عادة، ولا یعلم بوجود وارث له فعلا، فلا یجب علیه تعریف البائع، لأن وجوبه مبنی علی أن تکون یده أمارة علی ملکیة الکنز، وقد مر أنها لا تصلح أن تکون أمارة علیها، فاذن مقتضی الأصل عدم انتقاله إلیه من ناحیة، وعدم وجود الوارث له من ناحیة أخری، فالنتیجة انه من الأنفال أیضا، ویکون واجده أحق به، وعلیه خمسه عند توفر شروطه، وأما الصرة التي وجدها في بطن دابة مشتراة فلا یصدق علیها مفهوم الکنز، وعلی هذا فمقتضی القاعدة هو أن المشتري إذا کان واثقا بأنها للبائع وجب تعریفه والرجوع إلیه، وإن نفی البائع ولم یعرفه فحینئذ إن اطمأن بأن لها مالکا موجودا فعلا ومجهولا عنده جری علیها حکم اللقطة لصدقها، وأما إذا اطمأن بأن مالکها لم یبق علی قید الحیاة لحد الآن ولا یعلم بوجود وارث له فهي من الأنفال، أي ملک للإمام7، وعلیه فیکون واجدها أحق بهاف وهل تلحق بالکنز في وجوب الخمس، أو تدخل في أرباح المکاسب؟ الظاهر هو الثاني، إذ لا دلیل علی الالحاق، وأما بالنظر إلی النص فقد مر أن صحیحة عبد الله بن جعفر الحمیري المتقدمة تنص علی وجوب تعریف البائع، فان لم یعرفها فهي لواجدها، ومقتضی اطلاقها أنها له وإن علم بوجود مالک لها فعلا المجهول عنده، فمن أجل ذلک قلنا آنفا انه لابد من الاقتصار علی موردها.

2- الفیّاض: مر أن ما وجد في جوف الدابة لیس بکنز، ولا یترتب علیه حکمه وهو وجوب خمسه شریطة توفر أمرین فیه..

أحدهما: أن یکون من الذهب أو الفضة المسکوکة بسکة المعاملة.

والآخر: أن یبلغ النصاب، بل هو داخل في مطلق الفائدة والغنیمة، کما انه لا یترتب علیه أحکام اللقطة وان صدق علیه عنوانها، ولا أحکام مجهول المالک، بل مقتضی النص وجوب تعریف البائع فحسب فان لم یعرفه فهو لواجده، فیدخل في أرباح المکاسب.

3- الفیّاض: فیه انه لا موجب لتعریف البائع خاصة مع احتمال أنها له ما لم یکن واثقا بذلک کما مر، والسبب فیه أن ما وجده من الجوهرة في بطن السمکة إن کان من جوهرة البحر کاللؤلؤ والمرجان ونحوهما فهو من الأنفال، ولیس ملکا للصائد، علی أساس أن مصدر علاقته بها إنما هو حیازتها، وهي عبارة عن وقوعها في الشبکة التي وضعها لا صطیادها، إذ وقوعها فیها الموجب لشلّ حرکتها وهروبها أدی إلی وجود حق للصیاد فیها، ولا یسمح لآخر بموجبه أن یأخذها من الشبکة، ولکن هذه العلاقة له انما هي ما دامت في حوزته وتحت استیلائه، وأما إذا هربت منها فینتهی حقه بهروبها منها ولا یظل باقیا، ومن الطبیعي أن هذه العلاقة لا تمتد إلی ما هو الموجود في جوفها بوجود مستقل غیر مرتبط بوجود السمکة الّا ارتباط المظروف بالظرف، فاذن یبقی ما في جوفها علی ما کان علیه قبل اصطیادها، فیجوز للمشتري حیازته ولا مقتضی حینئذ لتعریف البائع والرجوع إلیه.

وإن شئت قلت: ان ما في جوف السمکة لو کان من تبعات وجودها وشئونه کفی في حیازته حیازتها، وأما إذا کان موجودا مستقلا مباینا لوجود السمکة کما هو المفروض، فلا یکفي في حیازته حیازتها، بل بحاجة إلی حیازة مستقلة، والفرض ان الصائد لم ینو حیازته مع أن حیازة شيء تتوقف علی القصد وتتقوم به، فالنتیجة أن الجوهرة الموجودة في جوف السمکة بما أنها تظل باقیة علی اباحة التصرف لکل من شملته روایات التحلیل، فللمشتري أخذها وحیازتها، وعلیه خمسها من باب ارباح المکاسب. وإذا کان ما في جوفها ملکا لمسلم کما إذا سقط منه في البحر خاتمه، أو دینار من الذهب، أو درهم من الفضة، أو نحو ذلک فهو داخل في اللقطة، وإذا کانت فیه علامة ممیزة مع عدم الیأس عن امکان ایصاله إلی صاحبه وجب تعریفها سنة کاملة، فان لم یوجد فیتخیر بین التصدق به مع الضمان، وتملکه والحفاظ علیه برجاء مجيء صاحبه.

ودعوی أنه لا یجب علیه الرجوع إلی البائع ولا إلی غیره، أما الثاني فلأن التعریف إذا لم یجب في الدابة بمقتضی صحیحة الحمیري المتقدمة ففي السمکة بالأولویة القطعیة، علی أساس أن ما ابتلعته السمکة یعدّ لدی العرف تالفا، وأما الأول فلأنه لا خصوصیة للبائع في وجوب الرجوع إلیه، فان حاله بالنسبة إلی ما في جوف السمکة حال غیره علی حد سواء، فلا مقتضی للرجوع إلیه دون غیره.

مدفوعة: بأن وجوب تعریفه انما هو علی أساس صدق اللقطة علیه، لأن المشتري إذا وجده في جوفها وعلم بوجود مالک محترم بالفعل له مردد بین البائع وغیره وأن لا یکون مأیوسا من امکان ایصاله الیه بالتعریف وجب، وحینئذ فان نفی البائع علاقته به واطمأن المشتري بأن مالکه غیره، فإن لم یکن مأیوسا من ایصاله إلیه بالفحص لزم. ودعوی عدم وجوب الفحص عنه في المقام ثابت بالأولویة القطعیة لا أساس لها، لأن عدم وجوب الفحص في مسألة الدابة انما هو ثابت بالنص، وهو صحیحة الحمیري المتقدمة، ولولاه لکان مقتضی القاعدة وجوبه فیها أیضا بلافرق بین البائع وغیره، نعم إذا فرض ان المشتري یعلم انه لو کان لغیر البائع فهو لم یبق علی قید الحیاة لحد الان، ولا یعلم بوجود وارث له فعلا، ففي مثل ذلک انه من الانفال، ویکون المشتري أحق به، وعلیه خمسه من باب خمس أرباح المکاسب، هذا کله فیما إذا کانت مهنة البائع صید الاسماک ثم بیعها، وأما إذا کانت مهنته تربیة الاسماک في الدحواض المعدة لها لیبیعها عند بلوغها کأصحاب الدواجن، وعندئذ فإذا وجد المشتري في جوف السمکة اللؤلؤ والمرجان أو الیاقوت أو الفیروزج أو نحو ذلک فهو واثق بأنه من أصحاب الأحواض أو عمالها لا من الخارج، وحینئذ فیجری علیه حکم اللقطة کوجوب تعریفه إذا کانت ذات علامة ممیزة، والّا فالتصدق به من قبل صاحبه الّا إذا کان مشتبها بین جماعة محصورة، وعندئذ لا یبعد الرجوع إلی القرعة لتعیین المالک. وبذلک یظهر حال الطیور، فانها کالسمکة فانه إذا اصطادها ثم باعها ووجد المشتري في جوفها شیئا فهو له شریطة أن یعلم بعدم وجود مالک محترم له فعلا ولو بمقتضی الأصل، وأما إذا علم بوجوده کذلک ولو بالأصل فإن أمکن الفحص وجب، والّا تصدق به، وإذا رباها في أقفاصها ثم باعها فالحکم کما في السمکة.

 

 مسالة 19: انّما يعتبر النصاب في الكنز بعد اخراج مؤونة الاخراج(1).

1- الفیّاض: فیه اشکال بل منع، والأظهر اعتبار النصاب فیه قبل اخراج المئونة، فإذا بلغ الکنز النصاب تعلق الخمس بالزائد علی المئونة، ویکون تعلقه به مشروطا ببلوغ مجموع ما صرف في المئونة والباقي النصاب، فإذا صرف في سبیل الوصول إلی کنز ما یعادل خمسة دنانیر مثلا وبلغ الکنز عشرین دینارا تعلق الخمس بالزائد، أما الأول فلإطلاق دلیل النصاب وعدم تقییده بما بعد المئونة، وأما الثاني فلأن موضوع وجوب الخمس هو الفائدة، وهي لا تصدق الّا علی الزائد علی المئونة.

 

 مسالة 20: اذا اشترک جماعة في كنز، فالظاهر كفاية بلوغ المجموع نصابا(1) وان لم‌يكن حصّة كلّ واحد بقدره.

1- الفیّاض: في الظهور اشکال بل منع، لأن المکلف باخراج الخمس من النصاب لا یخلو إما أن یکون المجموع من حیث المجموع، أو کل واحد واحد، وکلاهما لا یمکن، أما الأول فلأن المجموع من حیث المجموع لا یمکن أن یکون مکلفا لأنه لا وجود له في الخارج لکي یمکن القاء الخطاب الیه وما هو موجود فیه الأفراد، والفرض ان حصة کل واحد منهم لا یبلغ النصاب حتی یکون مکلفا باخراج الخمس منها، وبه یظهر حال الفرض الثاني، هذا اضافة إلی أن موضوع وجوب الخمس هو الفائدة الشخصیة التي یستفیدها المرء، غایة الأمر قد یکون تعلق الخمس بتلک الفائدة بعنوان أرباح المکاسب، وقد یکون بعنوان المعدن، وقد یکون بعنوان الکنز وهکذا، والفرض عدم تحقق موضوع وجوب الخمس بعنوان الکنز بالنسبة إلی کل منهم، لأن الفائدة التي یستفیدها کل فرد منهم لم تبلغ النصاب، وقد مر نظیر ذلک في باب المعدن.

نتائج بحوث الکنز تتمثل في مجموعة من المسائل:

 

الأولی:

1- الکنز: المال المدفون في الأرض أو نحوها الذي لا یکون له مالک محترم فعلا ولو بمقتضی الأصل، وهو من الانفال، وحکمه انه لواجده علی مستوی الحق وعلیه خمسه شریطة توفر أمرین فیه..

الأول: أن یکون من الذهب أو الفضة المسکوکین بسکة المعاملة.

والثاني: أن یبلغ النصاب.

2- اللقطة بالمعنی الأخص: المال الضائع الذي یکون له مالک محترم فعلا ومجهول عینا، وحکمه وجوب الفحص والتعریف علی واجده شریطة أمرین..

أحدهما: أن لا یکون مأیوسا من وجدان مالکه جزما.

والآخر: أن تکون فیه علامة ممیزة، فإذا توفر الأمران وجب تعریفه سنة کاملة، فان لم یوجد فهو مخیر بین التصدق به مع الضمان والتملک له والمحافظة علیه برجاء مجيء صاحبه، والّا فحکمه التصدق به فقط بلاضمان، بمعنی ان صاحبه إذا جاء فلا یحق له أن یطالبه ببدله.

3- المال المجهول مالکه وصفا لا عینا: وحکمه وجوب التصدق به.

4- المال المعروف مالکه المفقود عینا: وحکمه وجوب الفحص عنه، والمحافظة علی ماله إلی أن یجيء، وإن لم یجيء فیوصي به.

الثانیة:

ان الکنز إذا کان تاریخه الزمني قبل الإسلام فهو لواجده علی مستوی الملک، وإن کان بعد الإسلام، فان کان في دار الکفر فأیضا الأمر کذلک، الّا إذا علم من الخارج انه ملک لمالک محترم فانه حینئذ یدخل في الفرض الثاني، وإن کان في دار الإسلام فان کان تاریخه الزمني قبل مئات السنین بحیث لا یحتمل عادة بقاء مدخرة علی قید الحیاة، ولا یعلم بوجود وارث له فعلا فهو من الانفال، ویکون واجده أحق به، وإن کان تاریخه الزمني متأخرا بحیث یحتمل عادة بقاء مدخره علی قید الحیاة جری علیه حکم اللقطة دون الکنز.

الثالثة: ان الکنز إذا کان في الأرض المملوکة بملکیة خاصة لا یخضعها في مبدأ الملکیة، بل هو من الانفال، ویکون واجده أحق به، ومن هنا لا فرق بین الکنز فیها والکنز في الأرض التي لا رب لها، نعم إذا کان الکنز في الأرض المفتوحة عنوة کان خاضعا لها في مبدأ الملکیة، ولیس من الأنفال، وأما من حیث الحکم فلا فرق فانه لواجده علی مستوی الملک إن کان تاریخه زمنیا قبل تاریخ تشریع الأنفال وتاریخ الفتح، وعلی مستوی الحق إن کان بعد ذلک، ولکن لا تترب علی ذلک ثمرة عملیة، فان علیه خمسه علی کلا التقدیرین لدی توفر شروطه.

الرابعة:

ان من وجد الکنز في الأرض المشتراة، فان علم انه من أحد البائعین السابقین الموجودین فعلا ولو بوجود ورثتهم وجب التعریف والرجوع إلیهم في عرض واحد، ولا یلزم الرجوع إلی اللاحق ثم السابق، لأنه مبني علی اعتبار تلک الأیادي علی نحو الترتیب من الید اللاحقة إلی الید السابقة، وقد تقدم عدم اعتبارها، وإن لم یعلم به واحتمل انه من الکنز القدیم الذي لا یحتمل بقاء مدخره علی قید الحیاة عادة، ولا یعلم بوجود وارث له فعلا فهو لواجده.

الخامسة:

إذا أدعی أحد من هؤلاء ملکیة المال المدفون دون الآخرین، فان کان ثقة فعلی الواجد أن یرده إلیه، وإن لم یکن ثقة فإن نفی الآخرون علاقتهم به کان قوله مسموعا، والّا فلا، وإن ادعی الکل دخل في التداعي، فإن أقام واحد منهم بینة علی ما ادعاه دون غیره فهو له، وإن أقام الکل البینة قسم المال بینهم بالسویة علی ما في النص، وإن أقام اثنان منهم البینة قسم بینهما کذلک، وإن لم تکن بینة فان حلف بعضهم فالمال للحالف، وإن حلف الکل قسم المال بینهم علی السویة، کل ذلک للنص.

السادسة:

لا یعتبر في وجوب الخمس بلوغ کل کنز النصاب، بل یکفي في وجوبه بلوغ الکنوز المتعددة من الذهب أو الفضة النصاب شریطة أن یکون في زمن واحد عرفا.

السابعة:

ان من وجد شیئا في بطن الدابة المشتراة یرجع فیه إلی البائع، فان لم یعرفه فهو له للنص الخاص، ولا یجری علیه حکم الکنز، بل یدخل في أرباح المکاسب، وأما ما في جوف السمکة، فان کان من جوهرة البحر من دون کونه مسبوقا بملک مسلم فهو لواجده، وإن کان مسبوقا بملکه وجب تعریفه إذا کان ذات علامة ممیزة ولم یکن مأیوسا من صاحبه، والّا فحکمه التصدق به.

 

 الرابع: الغوص(1)، وهو اخراج الجواهر من البحر، مثل اللؤلؤ والمرجان وغيرهما معدنيّا كان او نباتيّا، لا مثل السمک ونحوه من الحيوانات، فيجب فيه الخمس بشرط ان يبلغ قيمته دينارا (2) فصاعدا، فلا خمس فيما ينقص من ذلک؛ ولا فرق بين اتّحاد النوع وعدمه، فلو بلغ قيمة المجموع دينارا وجب الخمس، ولابين الدفعة والدفعات فيضمّ بعضها الى بعض، كما انّ المدار(3)  على ما اخرج مطلقا وان اشترک  فيه جماعة لايبلغ نصيب كلّ منهم النصاب.

ويعتبر بلوغ النصاب بعد اخراج المؤؤن كما مرّ في المعدن. والمخرج بالالات من دون غوص في حكمه على الاحوط(4)، وامّا لو غاص وشدّه بالة فاخرجه فلااشكال في وجوبه فيه؛ نعم، لو خرج بنفسه على الساحل او على وجه الماءفاخذه من غير غوص لم‌يجب فيه من هذه الجهة، بل يدخل في ارباح المكاسب فيعتبر فيه مؤونة السنة ولايعتبر فيه النصاب.

1- الفیّاض: فیه أنه لا خصوصیة له، والأظهر وجوب الخمس فیما یخرج من الماء، سواء أکان بالغوص فیه أم بالآلات الحدیثة، کما أنه لا فرق بین أن یکون من البحر أو الأنهار الکبار، (والوجه في ذلک) ان الوارد في روایات الباب عنوانان..

أحدهما: الغوص.

والآخر: ما یخرج من البحر، والمتفاهم العرفي منها بمناسبة الحکم والموضوع الارتکازیة أن موضوع وجوب الخمس هو ما یخرج من الماء کاللؤلؤ والمرجان ونحوهما، ولا یفهم العرف منها خصوصیة لعنوان البحر وأنه دخیل في موضوع وجوب الخمس بأن یکون موضوعه اخراج اللؤلؤ والمرجان منه فقط، ولو أخرجهما من غیره کالأنهار الکبار لم یکن موضوعا له، کما أنه لا یری خصوصیة للغوص الّا کونه وسیلة للإخراج، فالموضوع له ما یخرج من الماء ولا قیمة ولا شأن للغوص الّا کونه وسیلة له. وعلی الجملة فمصدر علاقة الفرد بتلک الجواهر انما هو حیازتها المتمثلة في عملیة الإخراج، ولا یری العرف خصوصیة للغوص الممثل لتلک العملیة، بداهة ان العرف لا یری الغوص الّا وسیلة، ومن الطبیعي أنه لا قیمة للوسیلة لدی العرف.

2- الفیّاض: في الشرط اشکال بل منع، والأظهر اخراج الخمس مطلقا، إذ لا دلیل علیه ما عدا روایة محمد بن علي بن أبي عبد الله عن أبي الحسن7 قال: «سألته عما یخرج من البحر من اللؤلؤ والیاقوت والزبرجد ومعادن الذهب والفضة، هل فیها زکاة؟ فقال: إذا بلغ قیمته دینارا ففیه الخمس»(الوسائل باب: 3 من أبواب ما یجب فیه الخمس الحدیث: 5) وهذه الروایة وإن کانت تامة دلالة الّا أنها ضعیفة سندا، فان محمد بن علي بن عبد الله لم یرد فیه توثیق، فمن أجل ذلک لا یمکن الاعتماد علیها، وبذلک یظهر حال ما بعده.

3- الفیّاض: بل المدار بلوغ نصیب کل واحد منهم النصاب علی تقدیر اعتباره کما مر في الکنز والمعدن، وبه یظهر حال ما بعده.

4- الفیّاض: بل علی الأظهر کما مر.

 

 مسالة 21: المتناول من الغوّاص لايجري عليه حكم الغوص اذا لم‌يكن غائصا؛ وامّا اذا تناول منه وهو غائص ايضا، فيجب عليه اذا لم‌ينو الغوّاص الحيازة، والّا فهو له ووجب الخمس عليه.

 مسالة 22: اذا غاص من غير قصد للحيازة فصادف شيئا، ففي وجوب الخمس عليه وجهان؛ والاحوط اخراجه(1).

1- الفیّاض: بل علی الأقوی، إذ لا یعتبر في وجوب الخمس فیه أن یکون الغائص قاصدا حیازته من ابتداء الغوص، بل لو کان غوصه بغایة أخری وفي الأثناء إذا صادف اللؤلؤ أو المرجان فأخذه ثم أخرجه کفی ذلک في وجوب الخمس، لصدق انه أخرجه بالغوص، ولا سیّما بناء علی ما استظهرناه من أنه لا خصوصیة للغوص، وانما الموضوع لوجوب الخمس هو ما یخرج من الماء.

 

 مسالة 23: اذا اخرج بالغوص حيوانا وكان في بطنه شيء من الجواهر، فان كان معتادا وجب فيه الخمس؛ وان كان من باب الاتّفاق، بان يكون بلع شيئا اتّفاقا، فالظاهر عدم وجوبه  وان كان احوط.

  مسالة 24: الانهار العظيمة كدجلة والنيل والفرات، حكمها حكم البحر بالنسبة الى ما يخرج منها بالغوص اذا فرض تكوّن الجوهر فيها كالبحر.

مسالة 25: اذا غرق شيء في البحر واعرض مالكه عنه فاخرجه الغوّاص، ملكه ولايلحقه حكم الغوص على الاقوى وان كان من مثل اللؤلؤ والمرجان، لكنّ الاحوط (1) اجراء حكمه عليه.

1- الفیّاض: الاحتیاط وإن کان استحبابیا الّا أنه ضعیف جدا، علی أساس ان الروایات التي جعلت ما یخرج من البحر في سیاق ما یخرج من المعادن ظاهرة في أن المراد منه خروج ما یتکون في البحر ابتداء، کما هو الحال في المعادن، فلا تعم خروج ما غرق في البحر، بل هو داخل في ارباح المکاسب.

 

مسالة 26: اذا فرض معدن من مثل العقيق او الياقوت او نحوهما تحت الماء، بحيث لايخرج منه الّا بالغوص، فلا اشكال في تعلّق الخمس به، لكنّه هل يعتبر فيه نصاب المعدن او الغوص؟ وجهان؛ والاظهر الثاني(1).

1- الفیّاض: بل الأظهر هو الأول، لما مر من انه لا موضوعیة لعنوان الغوص المأخوذ في بعض الروایات، ولا یدور وجوب الخمس مداره وجودا وعدما، بل هو مجرد وسیلة لإخراج ما یتکون في البحار أو الأنهار الکبار کاللؤلؤ والمرجان ونحوهما، ومن المعلوم أن ذلک لا یرتبط بالمعدن، لأن المعدن سواء أکان من المعادن الباطنة أم الظاهرة فتکون في اعماق الأرض ومتوغل فیها، بلا فرق بین أن تکون الأرض من الأراضي التي تحت البحار أو الأنهار أو غیرها، فإذا أخرج المعدن من تلک الأراضي التي هي تحت الماء فهو معدن، ویترتب علیه حکمه وإن کان اخراجه بالغوص، هذا اضافة إلی أنه لابد أولا من اخراج المعدن منها ببذل جهد وانفاق عمل في سبیله، ثم اخراجه من اعماق البحار والأنهار بالغوص، أو وسیلة أخری، ومن المعلوم ان ذلک لا یغیر الواقع.

وإن شئت قلت: ان المعدن اسم لما یتکون في الأرض بحیث یکون وجود الأرض دخیلا في تکونه فیها، والغوص عنوان لإخراج ما یتکون في البحار أو الأنهار الکبار بحیث یکون وجود الماء دخیلا في تکونه فیها کاللؤلؤ والمرجان ونحوهما، فاذن یکون موضوع وجوب الخمس في الغوص حقیقة هو المخرج مما یتکون في اعماق البحار أو الأنهار، وموضوع وجوبه في المعدن هو المخرج مما یتکون في باطن الأرض، فاذن لا یمکن تعلق الخمس به بعنوان الغوص وإن کان اخراجه به. أو فقل ان موضوع وجوب الخمس في المعدن حصة خاصة من الفائدة، وهي الفائدة التي یستفیدها المرء باخراج المادة المعدنیة التي تتکون في باطن الأرض وجعلها في حوزته، فانه یملک تلک المادة المستخرجة ولا یملک شیئا منها ما دامت في موضعها الطبیعي، ولا فرق في ذلک بین أن تکون في الأراضي التي تحت البحار والأنهار أو غیرها، وموضوع وجوب الخمس في الغوص حصة خاصة أخری من الفائدة وهي الفائدة التي یستفیدها المرء باخراج ما یتکون في البحر أو النهر الکبیر، سواء أکان اخراجه بالغوص أم بغیره، فاذن لا یمکن القول بان اخراج المعدن من قاع البحر بالغوص یوجب تعلق الخمس به بعنوان الغوص.

مسالة 27: العنبر اذا اخرج بالغوص، جرى عليه حكمه(1)، وان اخذ على وجه الماء او الساحل ففي لحوق حكمه له وجهان؛ والاحوط(2) اللحوق، واحوط منه اخراج خمسه وان لم‌ يبلغ النصاب ايضا.

1- الفیّاض: فیه ان وجوب الخمس في العنبر لس من جهة الحاقه بالغوص، بل هو بعنوانه متعلق للخمس، وتنص علی ذلک صحیحة الحلبي، قال: «سألت أبا عبد الله عن العنبر وغوص اللؤلؤ؟ فقال: علیه الخمس»(الوسائل باب: 7 من أبواب ما یجب فیه الخمس الحدیث: 1) باعتبار أنها جعلت العنبر عنوانا مستقلا في مقابل الغوص، ومقتضی ذلک انه موضوع لوجوب الخمس سواء أخرج من البحر بالغوص أو بغیره، أم أخذ من سطح الماء أو من الساحل، علی أساس أن الموضوع هو العنبر، ولا دخل لخصوصیة أخری فیه، کما أن مقتضی اطلاق الصحیحة وجوب خمسه فورا، وعدم اعتبار النصاب فیه.

2- الفیّاض: بل هو الأقوی کما مر.

 الخامس: المال الحلال المخلوط بالحرام على وجه لايتميّز، مع الجهل بصاحبه وبمقداره(1)، فيحلّ باخراج خمسه. ومصرفه مصرف سائر اقسام الخمس على الاقوى. وامّا ان علم المقدار ولم‌يعلم المالک، تصدّق به عنه، والاحوط(2) ان يكون باذن المجتهد الجامع للشرائط؛ ولو انعكس، بان علم المالک وجهل المقدار، تراضيا بالصلح ونحوه، وان لم‌ يرض المالک بالصلح ففي جواز الاكتفاء بالاقلّ او وجوب اعطاء الاكثر وجهان؛ الاحوط الثاني، والاقوى الاوّل(3) اذا كان  المال في يده؛ وان علم المالک والمقدار وجب دفعه اليه.

1- الفیّاض: في اطلاقه اشکال بل منع، فان وجوب الخمس في المال المختلط بالحرام مختص بمناسبة الحکم والموضوع الارتکازیة بما إذا کانت نسبة الاختلاط بمقدار الخمس محفوظة بین انحاء النسب والاحتمالات، إذ لو علم المالک ان نسبة الحرام إلی الحلال أکثر من الخمس أو أقل منه، ولا یحتمل نسبة الخمس في البین نهائیا، فلا معنی لإیجاب اخراج الخمس منه، لأنه کان یعلم انه غیر مطابق للواقع جزما، إذ لا شبهة في أن المتفاهم العرفي بمناسبة الحکم والموضوع من قوله7 في صحیحة عمار بن مروان: «..والحلال المختلط بالحرام إذا لم یعرف صاحبه والکنوز الخمس»(الوسائل باب: 3 من أبواب ما یجب فیه الخمس الحدیث: 6) هو ما إذا کان الخمس من أحد محتملات نسبة الحرام إلی الحلال حتی یکتفی الشارع باخراجه بدلا عن الحرام، وأما إذا لم یکن الخمس من أحد أنحاء المحتملات والنسب، کما إذا علم ان نسبة الحرام إلی الحلال لا تقل عن الربع، أو علم أنها لا تزید علی السدس، فلا مقتضی لإخراجه عوضا عن الحرام مع انه یعلم بعدم المطابقة وأن الحرام اما أنه أکثر منه أو أقل.

وإن شئت قلت: ان نسبة الاختلاط بین الحلال والحرام تتمثل في ثلاث صور..

الأولی: متمثلة في نسبة مرددة بین الخمس وغیره.

الثانیة: متمثلة في نسبة محدودة بما إذا علم ان الحرام أزید من الخمس.

الثالثة: متمثلة في نسبة محددة بما إذا علم ان الحرام أقل من الخمس.

فنسبة الخمس في هاتین الصورتین غیر محتملة، ومن الواضح أن مناسبة الحکم والموضوع تقتضي اختصاص الصحیحة بالصورة الأولی، ولا تعم الصورتین الأخیرتین، إذ لا مبرر لإیجاب اخراج الخمس من المال المختلط عوضا عن الحرام مع العلم بأنه أزید من الخمس فضلا عما إذا کان أقل منه.

فالنتیجة: ان المستفاد من الصحیحة علی أساس المناسبات الارتکازیة العالقة في أذهان العرف أن موضوع وجوب الخمس حصة خاصة من المال المختلط بالحرام، وهي الحصة المتمثلة في الصورة الأولی من الصور الثلاث، دون الصورتین الأخیرتین.

ولو تنزلنا عن ذلک وسلمنا ان الصحیحة لم تکن ظاهرة في الاختصاص، فلا شبهة في أنها غیر ظاهرة في العموم أیضا، فتکون مجملة، فیؤخذ بالقدر المتیقن منها وهو الصورة الأولی، ویرجع في الباقي إلی مقتضی القاعدة وهو وجوب التصدق به، فانه لا یحتاج إلی دلیل خاص باعتبار أن ایصال عین المال إلی صاحبه لا یمکن في المقام، وأما تملکه والتصرف فیه کالتصرف في ماله فهو بحاجة إلی دلیل وإذن من وليّ الأمر، والفرض عدم الدلیل علیه، فاذن لا مناص من التصدق به من قبل صاحبه لإیصال أجره وثوابه لأنه غایة ما یمکن ایصاله إلیه، وأما نصوص التصدق التي عمدتها صحیحة یونس فموردها وإن کان المال المتمیز المجهول مالکه، الّا ان الامام بما أنه قد علق وجوب التصدق به علی عدم امکان ایصاله إلی صاحبه علی أساس عدم معرفته وصفا وبلدة وان عرف عینا، فیفهم منه ان المعیار في وجوب التصدق انما هو بعدم امکان ایصاله إلی صاحبه من دون دخل شيء آخر فیه، وعلیه فلا فرق بین أن یکون المال المجهول مالکه متمیزا أو مختلطا، فانه إذا لم یمکن ایصاله إلی صاحبه یتصدق به، لإیصال أجره إلیه، وهو لا یقل عن ایصال أصل المال عند الله تعالی، هذا اضافة إلی أن الحکم یکون علی القاعدة، فاذن لا یحتمل عرفا دخل التمیز في وجوب التصدق.

2- الفیّاض: لا بأس بترکه وإن کانت رعایة الاحتیاط أولی وأجدر، لأن المستفاد من نصوص الباب کصحیحة یونس (الوسائل باب: 7 من أبواب کتاب اللقطة الحدیث: 2) وغیرها أن الامام قد أعطی ولایة التصرف فیه لمن بیده المال.

ودعوی ان القدر المتیقن من جواز التصرف فیه أن یکون باذن المجتهد، الجامع للشرائط باعتبار أن مقتضی القاعدة عدم جواز التصرف فیه.

مدفوعة أولا: بأنها لو تمت لکان مقتضاها اعتبار إذن المجتهد المذکور فیه، لا أنه مبني الاحتیاط.

وثانیا: ان هذه الصحیحة تدل علی أمرین..

أحدهما: بیان مصرفه وهو أهل الولایة.

والآخر: اعطاء ولایة التصرف فیه لمن بیده المال، فان قوله7 فیها: «بعه وتصدّق بثمنه»(الوسائل باب: 7 من أبواب کتاب اللقطة الحدیث: 2) یدل علی ذلک.

3- الفیّاض: في القوة اشکال بل منع، والأظهر الرجوع إلی القرعة في المقدار المشتبه الذي لا یعلم من بیده المال المختلط انه ماله أو مال غیره دون قاعدة الید، مثال ذلک: إذا کان عنده عشرون دینارا وکان یعلم ان أربعة منها ملک لزید – مثلا – والعشرة ملک له، والستة الباقیة مرددة، ولا یعلم أنها له أو لزید، ففي هذه الحالة لا تکون یده علیها أمارة علی الملک سواء ادعی زید أنها ملک له أم، فان الید انما تکون امارة علی الملک في موردین..

أحدهما: ما إذا شک في أن من بیده المال هل هو مالک أو أمین أو غاصب؟ بنی علی انه مالک علی أساس الید التي هي قاعدة عقلائیة، ویترتب علی الماء آثار الملک، ومن هنا قد ورد في بعض الروایات أنه: «لو لا الید لما قام للمسلمین سوقا».

والآخر: في موارد الدعاوي، کما إذا ادعی أحد ملکیة الدار التي في ید زید وهو ینکر ذلک، فان أقام المدعي البینة علی أنها له فهو، والّا فحکم بأنها لزید مع الحلف بمقتضی قاعدة الید، وکذلک الحال في موارد التداعي إذا کان المال في ید أحدهما، فانه إذا أقام کلاهما بینة علی أن المال له سقطت البینتان للتعارض، وحکم بأن المال لصاحب الید، ولا ینطبق شيء من هذه الموارد علی المقام، فان ذي الید في المقام یعلم بأن المال الذي في یده وهو العشرون دینارا في المثال یختلط مع مال زید، فإذا علم بأن عشرة منها له، وأربعة منهما لزید، والستة الباقیة مرددة بینهما، فلا مجال للتمسک بقاعدة الید لأنها ساقطة بالنسبة إلی کل فرد من أفراد هذا المال لمکان العلم الإجمالي.

ودعوی ان قاعدة الید وإن سقطت بالنسبة إلی کل دینار للعلم الإجمالي، إلا أنه لا مانع من التمسک بها بالنسبة إلی الجامع الزائد علی الأربعة أعنی الستة عشر الباقیة، علی أساس ان الشک في اشتمالها علی مال الغیر بما انه بدوي فلا مانع من التمسک بها، ونتیجة ذلک أن ستة عشر من هذه الدنانیر ملک له، وأربعة منها ملک لزید.

مدفوعة: بأن الجامع المذکور إن لوحظ علی نحو الموضوعیة فلا أثر له، لأنه مترتب علی الموجود الخارجي دون ذلک الجامع الذي لا موطن له الّا في عالم الذهن، باعتبار انه أمر انتزاعي فلا یعقل وقوعه تحت الید، وإن لو حظ علی نحو المعرفیة الصرفة إلی الواقع الخارجي، فقد عرفت ان قاعدة الید لا تجري فیه لمکان العلم الإجمالي، ونظیر ذلک ما لو علم اجمالا بنجاسة أحد الثوبین، واحتمل نجاسة الآخر أیضا، کما إذا علم بوقوع قطرة بول في أحدهما واحتمل وقوع قطرة أخری في الآخر، ففي مثل ذلک قد یقال کما قیل: انه لا مانع من جریان أصالة الطهارة في الآخر، بدعوی ان نجاسة أحدهما معلومة لنا، وأما نجاسة الآخر فهي غیر معلومة، فلا مانع من کونه مجری الأصل، لأن العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما یوجب سقوط أصالة الطهارة في کل من الإناءین بخصوصه للمعارضة، وأما الآخر لا بعینه الکلي فبما انه مشکوک الطهارة والنجاسة فلا مانع من الرجوع إلی أصالة الطهارة فیه، ویترتب علی ذلک جواز تکرار الصلاة في الثوبین المذکورین باعتبار انه یعلم بوقوع الصلاة في ثوب محکوم بالطهارة ظاهرا، وهذا بخلاف ما لو منعنا عن جریان اصالة الطهارة في الجامع، فعندئذ لا تجوز الصلاة في شيء منهما.

والجواب: ان هذا القول لا یرجع إلی معنی صحیح، لأن الجامع المذکور إن لوحظ علی نحو الموضوعیة فهو مفهوم صرف لا موطن له الّا عالم الذهن، ولا یکون موضوعا للأثر الشرعي وهو الطهارة في المثال، لأنها مترتبة علی الموجود الخارجي، وإن لو حظ علی نحو المعرفیة الصرفة إلی الواقع الخارجي فقد عرفت أن أصالة الطهارة لا تجری فیه للعلم الإجمالي. أو فقل: ان الجامع بینهما ان لو حظ علی نحو الموضوعیة فلا یکون محلا للأثر لکي تجری أصالة الطهارة فیه، وإن لو حظ علی نحو المعرفیة الصرفة إلی الواحد المردد في الخارج، فانه غیر معقول، وإن کان إلی الواحد المعین فیه فقد تقدم أن أصالة الطهارة لا تجري فیه للمعارضة تطبیقا للعلم الإجمالي.

إلی هنا قد استطعنا أن نخرج بهذه النتیجة، وهي أن من بیده المال المختلط بالحرام إذا کان مالکه معلوما وکان جهله بنسبة الاختلاط، فالمرجع هو القرعة في المقدار المشتبه هو ستة دنانیر في المثال، ولا قیمة للید کما مر، کما هو الحال إذا لم تکن هناک ید، ولا فرق في ذلک بین أن یکون الاختلاط بالاشاعة أو غیرها، وکذلک الحال إذا کان مالکه مجهولا أیضا شریطة أن لا یکون الاختلاط من موارد وجوب الخمس فیه، تطبیقا لإطلاق دلیل القرعة.

 

 مسالة 28: لا فرق في وجوب اخراج الخمس وحلّيّة المال بعده بين ان يكون الاختلاط بالاشاعة او بغيرها، كما اذا اشتبه الحرام بين افراد من جنسه او من غير جنسه.

مسالة 29: لافرق في كفاية اخراج الخمس في حلّيّة البقيّة في صورة الجهل بالمقدار والمالک بين ان يعلم اجمالا زيادة مقدار الحرام او نقيصته عن الخمس، وبين صورة عدم العلم ولو  اجمالا(1) ؛ ففي صورة العلم الاجماليّ بزيادته عن الخمس ايضا يكفي اخراج الخمس، فانّه مطهّر للمال تعبّدا وان كان الاحوط مع اخراج الخمس المصالحة مع الحاكم الشرعي ايضا بما يرتفع به يقين الشغل واجراء حكم مجهول المالک عليه، وكذا في صورة العلم الاجمالي بكونه انقص من الخمس؛ واحوط من ذلک، المصالحة معه بعد اخراج الخمس بما يحصل معه اليقين بعدم الزيادة.

1- الفیّاض: تقدم ان الأظهر اختصاص وجوب الخمس بهذه الصورة وعدم وجوبه في الصورتین الأولیین وهما صورة العلم بکون الحرام أزید من الخمس، وصورة العلم بکونه أقل منه، اذ في الأولی لا یکفي الخمس، وفي الثانیة لا یجب علیه ان یتصدق من ماله، بل یکفی اخراج أکبر احتمالات الحرام، ولکن هل یجب علیه ذلک في هاتین الصورتین؟ الظاهر عدم الوجوب والرجوع إلی القرعة فیهما، وبذلک یظهر حال ما بعده.

 

 مسالة 30: اذا علم قدر المال ولم‌يعلم صاحبه بعينه، لكن علم في عدد محصور، ففي وجوب التخلّص من الجميع ولو بارضائهم باىّ وجه كان او وجوب اجراء حكم مجهول المالک عليه او استخراج المالک بالقرعة او توزيع ذلک المقدار عليهم بالسويّة وجوه؛ اقواها الاخير(1)؛ وكذا اذا لم‌يعلم قدر المال وعلم صاحبه في عدد محصور، فانّه بعد الاخذ بالاقلّ كما هو الاقوى(2)، او الاكثر، كما هو الاحوط يجري فيه الوجوه المذكورة.

1- الفیّاض: بل أقواها الثالث وهو القرعة، لأن مقتضی القاعدة وإن کان الوجه الأول وهو الاحتیاط لمکان العلم الإجمالي، الّا انه لما کان ضرریا لم یجب علی أساس حکومة قاعدة لا ضرر، بتقریب أن جعل الضمان لمالکه الواقعي المردد بین الأشخاص المحصورین بما انه یؤدي إلی وجوب الاحتیاط الموجب للضرر فیکون مشمولا للقاعدة، لما ذکرناه في علم الأصول من أن مفاد القاعدة نفي جعل کل حکم ینشأ من قبله الضرر.

ودعوی انه لا ضرر في جعل الضمان للمالک الواقعي، والضرر انما جاء من قبل حکم العقل بوجوب الاحتیاط وضم غیر المالک إلی المالک في وجوب ایصال المال إلیه مقدمة لإحراز امتثاله، والفرض ان القاعدة لا تکون حاکمة علی حکم العقل.

مدفوعة: بأن منشأ حکم العقل في المقام انما هو ثبوت حکم الشرع وتنجزه بالعلم الإجمالي، وعلیه فینتهي الضرر في نهایة المطاف إلی جعل الضمان وثبوته في الشریعة المقدسة، وقد مر أن مفاد القاعدة نفي ثبوت کل حکم في الشریعة إذا نشأ من قبله الضرر، وبما ان الضرر قد نشأ من قبل جعل الضمان في المسألة فهو منفي، فالنتیجة عدم وجوب الاحتیاط في المسألة.

وأما الوجه الثاني وهو اجراء حکم مجهول المالک علیه فلا أساس له أصلا، لأن روایات مجهول المالک لا تشمل هذه الصورة جزما، لأن موردها اما أن یکون المالک مفقودا أو مجهولا، وأما إذا کان مشتبها بین الأفراد المحصورین فهو لیس من مواردها، ولا یعامل مع ماله معاملة المال المجهول مالکه.

وأما الوجه الرابع، فلأن قاعدة العدل والانصاف وإن کانت قاعدة عقلائیة وقد حکم العقل بحسنها، ویعترف الإسلام بها في الجملة وقد حکم بتطبیقها في بعض الموارد للحفاظ علی العدالة الاجتماعیة، الا ان تطبیقها في کل مورد منه المقام بحاجة إلی دلیل، هذا اضافة إلی أن المقام لیس من صغریات هذه القاعدة باعتبار انه إذا قام بعملیة توزیع المال بین هؤلاء فهو یستلزم ایصال جزء منه إلی صاحبه جزما، وإذا قام بعملیة القرعة فهو یستلزم احتمال ایصال کل المال إلی صاحبه، فالأمر یدور بین الموافقة القطعیة في البعض والمخالفة القطعیة في الآخر، وبین الموافقة الاحتمالیة في الکل، ولا یکون الأول أولی وأرجح من الثاني، فضلا عن الوجوب، وعلیه فلا مناصمن الأخذ بالثاني لإطلاق روایات القرعة وشمولها للمقام، واما التنصیف في مسألة الودعي، ففیه او لا انه غیر ثابت لضعف النص الدال علیه وعلی تقدیر تسلیم صحة النص فانه ثابت به ولولاه لکان مقتضی القاعدة فیها القرعة، وبذلک یظهر حال ما بعده.

2- الفیّاض: قد مر في الأمر الخامس ان الاقوی هو الرجوع إلی القرعة في تعیین المقدار المشتبه من المال المردد بین کونه لصاحب الید أو لغیره.

 

 مسالة 31: اذا كان حقّ الغير في ذمّته لا في عين ماله، فلا محلّ للخمس(1)، وحينئذٍ فان علم جنسه ومقداره ولم‌يعلم صاحبه اصلا او علم في عدد غير محصور، تصدّق به عنه(2) باذن الحاكم او يدفعه اليه(3)، وان كان في عدد محصور ففيه الوجوه المذكورة، والاقوى(4) هنا ايضا  الاخير؛ وان علم جنسه ولم‌يعلم مقداره، بان تردّد بين الاقلّ والاكثر، اخذ بالاقلّ المتيقّن ودفعه الى مالكه ان كان معلوما بعينه، وان كان معلوما في عدد محصور فحكمه كما ذكر، وان كان معلوما في غير المحصور او لم‌يكن علم اجماليّ ايضا تصدّق به عن المالک(5) باذن الحاكم او يدفعه اليه(6)؛ وان لم‌يعلم جنسه وكان قيميّا فحكمه كصورة العلم بالجنس، اذيرجع الى القيمة ويتردّد فيها بين الاقلّ والاكثر، وان كان مثليّا ففي وجوب الاحتياط وعدمه وجهان(7).

1- الفیّاض: في اطلاقه اشکال بل منع، فانه انما یتم إذا کان ثبوته في الذمة من الابتداء، اذ حینئذ لا موضوع للخمس حیث انه المال المختلط بالحرام، ومن المعلوم ان الاختلاط من صفات الأعیان الخارجیة، ولا یتصور بینها في الذمة، لأن الثابت فیها انما هو نفس المال الحرام بداهة أن الثابت فیها لو کان نفس المال المختلط لزم أن یکون صاحب المال مدینا لنفسه وهو کما تری، وأما إذا کان التالف المال المختلط عنده قبل أن یخرج خمسه فالظاهر أن المنتقل إلی ذمته نفس خمسه دون المال الحرام، علی أساس ما تقدم من أن الخمس المتعلق به هو الخمس المتعلق بسائر الاشیاء کالغنیمة والمعدن والکنز ونحوها، باعتبار انه مجعول في الجمیع بلسان واحد، کما في صحیحة عمار بن مروان (الوسائل باب: 3 من أبواب ما یجب فیه الخمس الحدیث: 6)، وعلیه فلا یمکن أن یراد منه التصدق في المال المختلط والخمس في الباقي، وهذا لا من جهة استلزام ذلک استعمال لفظ الخمس في معنیین..

أحدهما: معناه المجازي وهو التصدق.

والآخر: معناه الحقیقي وهو الخمس بمعناه المعهود في الشرع، لأنه مستعمل في الصحیحة في معنی واحد وهو معناه المعهود في مرحلة الاستعمال والتصور، غایة الأمر انه یراد منه معنی آخر في مرحلة التصدیق والارادة الجدیة في المال المختلط دون الباقي، فالتعدد انما هو في هذه المرحلة بسبب القرینة الخارجیة، لا في مرحلة الارادة التصوریة المستندة إلی دلالة اللفظ وضعا، بل من جهة ان ذلک بحاجة إلی قرینة، باعتبار أن ظاهر سیاق الکلام هو أن المدلول التصدیقي مطابق للمدلول التصوري، وإذا کان مخالفا فلابد أن یکون مستندا إلی القرینة، والفرض انه لا قرینة في الصحیحة علی ذلک، ولا توجد من الخارج، فاذن لا مانع من الأخذ بظهورها في أن الخمس المجعول في الجمیع بمعنی واحد، وهو المعنی المعهود في الشرع لا ثبوتا ولا اثباتا.

أما الأول: فلما تقدم من انه لا مانع من أن یجعل الشارع من باب الولایة خمسه عوضا عن الحرام حقیقة.

وأما الثاني: فلما عرفت من عدم القرینة علی الخلاف.

فالنتیجة: ان المال الحرام الذي لا یعرف مالکه إذا کان ثابتا في ذمة فرد ابتداء فحکمه التصدق به للفقراء شریطة أن یکون مأیوسا عن صاحبه، وإن کان ثابتا في ذمته بعد الاختلاط وتعلق الخمس به فهو متمثل في الخمس، یعني انه ثابت فیها دون نفس المال الحرام.

2- الفیّاض: هذا هو الصحیح شریطة توفر أمرین فیه..

أحدهما: الیأس من صاحبه.

والآخر: عدم امکان تعیینه بالقرعة، أما الأمر الثاني فهو متوفر في المقام، إذ لا موضوع للقرعة فیه، فإذا توفر الأمر الأول تعین التصدق به، نعم إذا احتمل رجوع مالکه إلیه في وقت ما وجب علیه الانتظار إلی أن یطمئن بعدم الرجوع.

3- الفیّاض: علی الأحوط الأولی لما مر من أن الظاهر من روایات الباب ان الشارع منح من بیده المال ولایة التصدق.

4- الفیّاض: بل الأقوی هو القرعة تطبیقا لما مر في المسألة المتقدمة حیث انه لا فرق بینها وبین هذه المسألة الّا في کون المال المجهول مالکه في تلک المسألة عینا خارجیة، وفي هذه المسألة دینا في الذمة، ومن المعلوم ان ذلک الفرق لا یوجب فرقا بینهما فیما هو معیار الرجوع إلی القرعة وهو تردد المالک بین عدد محصور وعدم امکان تعیینه وتمییزه عن غیره الّا بالقرعة بلافرق فیه بین أن یکون المال عینا أو دینا، نعم تفترق هذه المسألة عن المسألة المتقدمة في نقطة أخری وهي ما إذا تردد مجهول المالک بین الأقل والأکثر، فانه في المسألة المتقدمة بما أن العین الخارجیة مرددة بینهما فیرجع في الزائد علی المقدار المتیقن إلی القرعة وتعیین المالک بها، دون الید کما مر، وفي هذه المسألة بما أن العین في الذمة مرددة بینهما فیشک في ضمان الزائد واشتغال الذمة به، والمرجع فیه أصالة البراءة عنه، وبذلک یظهر حال ما بعده.

5- الفیّاض: مر أن التصدق به منوط بالیأس من مالکه.

6- الفیّاض: علی الأحوط الأولی کما مر.

7- الفیّاض: الظاهر الوجوب بمقتضی العلم الإجمالي باشتغال ذمته بأحد شیئین مبتاینین کالحنطة والشعیر، أو الدرهم والدینار، هذا إذا لم یمکن التصالح مع الکل وارضاء الجمیع، والّا فهو مخیر بینهما، نعم إذا کان الاحتیاط ضرریا والتصالح غیر ممکن فالمرجع هو القرعة.

 

 مسالة 32: الامر في اخراج هذا الخمس الى المالک، كما في سائر اقسام الخمس، فيجوز له الاخراج والتعيين من غير توقّف على اذن الحاكم، كما يجوز دفعه من مال اخر(1) وان كان الحقّ في العين.

1- الفیّاض: في الجواز اشکال بل منع، إذا کان الدفع من مال آخر غیر النقدین الّا إذا کان باجازة من الحاکم الشرعي، وأما إذا کان منهما، فالمعروف بین الأصحاب وإن کان الجواز، الّا أنه لا یخلو عن اشکال، والأحوط وجوبا أن یکون باذن من الحاکم الشرعي علی أساس أن مورد النص الدال علی الجواز الزکاة، والتعدي عن مورده إلی المقام بحاجة إلی قرینة کما سوف یأتي تفصیل ذلک ان شاء الله تعالی في المسألة (75).

 

 مسالة 33: لو تبيّن المالک بعد اخراج الخمس، فالاقوى ضمانه(1)، كما هو كذلک في التصدّق عن المالک في مجهول المالک، فعليه غرامته(2) له حتّى في النصف الّذي دفعه الى الحاكم بعنوان انـّه للامام علیه السّلام.

 

1- الفیّاض: في القوة اشکال بل منع، لما مر من أن صحیحة عمار بن مروان (الوسائل باب: 3 من أبواب ما یجب فیه الخمس حدیث: 6) ظاهرة عرفا في ان الخمس المتعلق به هو الخمس المتعلق بسائر الأنواع، وتنیجة ذلک ان المکلف إذا أخرج خمسه وأعطاه لأهله ثم تبین مالکه فلا قیمة له، علی أساس ما تقدم من أن معنی تعلق الخمس به هو أن الشارع جعله عوضا عن الحرام فیه، وهذا یعني أن خمسه ینتقل إلی ملک أهله من الامام والسادة، والحرام فیه ینتقل إلی ملک من بیده المال، وحینئذ فیصبح مالک الحرام المجهول أجنبیا عنه نهائیا، غایة الأمر یصل إلیه ثوابه وأجره، هذا شریطة أن لا یتبین مالکه لحین اخراج خمسه واعطائه لأهله، والّا فینتفی الخمس بانتفاء موضوعه، باعتبار أنه مقید بالجهل بمالکه.

2- الفیّاض: في الغرامة اشکال بل منع، والأظهر عدمها لأنها بحاجة إلی دلیل، ومقتضی القاعدة العدم باعتبار انه کان مأمورا بالتصدق به للفقراء من قبل الشارع، ومعه لا مبرر للضمان، إذ لا یکون مفرطا فیه ومقصرا، نعم في خصوص اللقطة بعد تعریفها سنة کاملة إذا تصدق بها ثم جاء طالبها ولم یرض بالتصدق وطالبه بها فعلیه الغرامة من المثل أو القیمة، وهذا للنص الخاص، وإلّا فمقتضی القاعدة عدم الضمان، ولا یمکن التعدي عن مورده إلی المقام للفرق بینهما أولا، وکون الضمان خلاف القاعدة ثانیا.

 

 مسالة 34: لو علم بعد اخراج الخمس انّ الحرام ازيد من الخمس او اقلّ، لايستردّ الزائد على مقدار الحرام في الصورة الثانية. وهل يجب عليه التصدّق بما زاد على الخمس في الصورة الاولى اولا؟ وجهان؛ احوطهما الاوّل واقواهما الثاني(1).

1- الفیّاض: مر أن هذا هو الظاهر من صحیحة عمار بن مروان (الوسائل باب: 3 من أبواب ما یجب فیه الخمس الحدیث: 6) المتقدمة التي تنص علی أن الخمس المتعلق به هو الخمس المتعلق بسائر الأشیاء، ومعنی ذلک هو أن الشارع علی أساس ولایته جعل الباقي له في مقابل خمسه، ومقتضی اطلاقها عدم الفرق بین أن یکون الحرام فیه بمقدار خمسه أو أقل أو أکثر. وتؤید ذلک روایة السکوني التي تنص علی ان الباقي له بعد اخراج الخمس منه، نعم لو کان المقصود من وراء خمسه التصدق بهذا المقدار لا الخمس المعهود في الشرع فحینئذ إذا ظهر أن الحرام أزید من الخمس وجب التصدق بالزائد أیضا.

 

 مسالة 35: لو كان الحرام المجهول مالكه معيّنا، فخلطه بالحلال ليحلّله بالتخميس خوفا من احتمال زيادته على الخمس، فهل يجزيه اخراج الخمس او يبقى على حكم مجهول المالک؟ وجهان؛ والاقوى الثاني، لانّه كمعلوم المالک، حيث انّ مالكه الفقراء قبل التخليط(1)

1- الفیّاض: فیه اشکال بل منع، لأن الفقراء مصرفه قبل التخلیط لا أنه ملک لهم ضرورة أن الجهل بالمالک لیس في الشرع من أحد أسباب خروج المال عن ملکه و دخوله في ملک الفقراء، نعم ان الفقیر یملکه بالقبض.

و ان شئت قلت: ان الوظیفة في المال المجهول مالکه التصدق به للفقراء علی أساس أن علاقتهم به انما هي علی مستوی المصرف لا علی مستوی الملک، فلا یقاس من هذه الجهة بالزکاة و الخمس، ثم ان الصحیحة هل تشمل ما إذا کان الاختلاط بینهما بالعنایة و الارادة، بأن یکون الحرام المجهول مالکه معینا في الخارج فخلطه بالحلال عامدا و ملتفتا بغرض تحلیله باخراج الخمس منه فقط؟ الظاهر أنها لا تشمل هذه الصورة و تختص بما إذا کان الاختلاط بینهما بالطبع، بأن جمع عنده أموال من الطرق المحرمة و المحللة معا، کما إذا کان لدیه تجارات و من خلال مواصلته فیها یعامل معاملات ربویة أو باطلة أیضا، و علیه فبطبیعة الحال تختلط الفوائد و الأرباح المترتبة علیها الواصلة إلیه و لا یعلم من البدایة نسبة الحرام إلی الحلال فیما یصل إلیه من الأرباح و الفوائد، و أما إذا کان الحرام معینا عنده و ممیزا فخلطه بالحلال عامدا لیحلّله بالخمس خوفا من احتمال زیادته علیه، فلا یکون مشمولا لها، بل لا شبهة في انصرافها عنه و اختصاصها بما إذا کان الاختلاط بینهما بالطبع لا بالارادة و الاختیار.

 

 مسالة 36: لو كان الحلال الّذي في المختلط ممّا تعلّق به الخمس، وجب عليه بعد التخميس(1)  للتحليل خمس اخر  للمال الحلال الّذي فيه.

1- الفیّاض: في وجوب التقدیم اشکال بل منع، و الأظهر انه مخیّر بین أن یخمس أولا المال المختلط بالحرام ثم الحلال، و بین العکس، هذا شریطة توفر أمور..

الأول: أن یکون المال الحلال متعلقا للخمس، کما إذا کان من فوائد المکاسب أو المعادن أو نحوهما، و الاّ فعلیه خمس واحد و هو خمس المال المختلط.

الثاني: أن یحول علیه حول کامل عنده إذا کان من فوائد المکاسب، و الاّ لم یکن ملزما باخراج الخمس منه.

الثالث: أن لا یؤدي تعلق الخمس به إلی العلم التفصیلي بزیادة نسبة الحرام إلی الحلال عن الخمس، و الاّ فیوجب ذلک انتفاء موضوع وجوب الخمس فیه لما تقدم من اختصاص دلیله بما إذا کانت نسبة الخمس من أحد محتملات أنحاء النسب، و أما إذا لم تکن محتملة کما في صورة العلم التفصیلي بالزیادة أو النقیصة فلا تکون مشمولة له. مثال ذلک: إذا کان عنده مأئة دینار _مثلا_ و علم بأن فیه حراما لا یقل عن خمس المبلغ و هو عشرون دینارا و لا یزید عن ثلاثین دینارا، و في المقابل کان یعلم بأن حلاله لا یقل عن السبعین و لا یزید علی الثمانین، و حینئذ فان کان السبعون متعلقا للخمس أدی ذلک إلی العلم التفصیلي بأن الحرام فیه أزید من خمس ماله، لأنه إذا أخرج خمس السبعین فیبقی عنده ستة و خمسون دینارا و إذا أضیف إلیه الثلاثون صار المجموع ستة و ثمانین دینارا، و عندئذ کان یعلم بأن الحرام فیه أزید من الخمس باعتبار أنه لا یقل عن ربع المبلغ تقریبا و هو غیر مشمول لدلیل الوجوب علی الفرض، فإذا توفرت هذه الأمور الثلاثة وجب علیه خمسان:

أحدهما: الخمس المتعلق بالمال الحلال بملاک الفائدة و الغنیمة.

و الآخر: الخمس المتعلق بالمال المختلط بالحرام بملاک الاختلاط ثم ان وظیفته هل هي التخییر بینهما؟ أو تقدیم الثاني علی الأول، أو بالعکس؟ فیه وجوه..

الوجه الأول: التخییر، و هو الأظهر.

الوجه الثاني: تقدیم خمس المال المختلط علی المال الحلال، و قد اختار هذه الوجه السید الماتن.

الوجه الثالث: تقدیم خمس المال الحلال علی المال المختلط، و قد اختار هذا الوجه جماعة منهم السید الاستاذ1.

أما الوجه الثاني، فیمکن أن یستدل علیه بوجوه، ولکن لا یتم شيء منها..

الأول: ان نسبة الحرام إلی الحلال في المال المختلط ملحوظة بما في الحلال من الخمس لا باستثنائه، و هذا یعني ان موضوع وجوب هذه الخمس هو الحلال المختلط مع الحرام مطلقا لا حصة خاصة منه و هي الحال الخالص المختلط مع الحرام، فإذا کان عنده مأئة دینار _مثلا_ و علم بأن فیه حراما یحتمل أن یکون بمقدار خمسه کان موضوع وجوبه تمام هذا المبلغ المختلط و هو المائة لا بعد الستثناء الخمس الحلال منه، و علی هذا الأساس فیجب أن یخمس المختلط أولا ثم الحلال إذ في العکس تفویت لمقدار من خمس المختلط بنسبة عامدا و ملتفتا إلی عدم جوازه و هو غیر جائز.

و الجواب: ان موضوع وجوب هذا الخمس بمناسبة الحکم و الموضوع الارتکازیة هو الحلال الخالص له المختلط مع الحرام، باعتبار أن الخمس المتعلق بحلاله لیس ماله و ملکه بل هو مل و ملک لغیره، فلا یکون جزء الموضوع، و علیه فالموضوع في المثال المذکور ستة و ثمانون دینارا لا المائة، و حینئذ فلا فرق بین أن یخمس المال المختلط أولیا ثم المال الحلال أو بالعکس.

الثاني: انه لا یقصد من وراء الخمس المتعلق بالمال المختلط معناه المعهود، بل یقصد به التصدق منه بهذا المقدار، هذا من ناحیة، و من ناحیة أخری ان مصرف الصدقة بما أنه غیر الهاشمي، فالنتیجة انه لا یجوز أن یخمس المال الحلال أولا، ثم المال المختلط، لاستلزام ذلک اشتمال خمس الحلال علی ما هو صدقة بحکم الشارع بنسبة خاصة، مع أنها محرمة علی الهاشمي، فمن أجل ذلک لابد من تقدیم خمس المال المختلط علی خمس الحلال.

و الجواب.. أولا: ان هذا الوجه في نفسه غیر صحیح لأنه مبني علی القول بأن الخمس المتعلق بالمال المختلط صوري، و أن المقصود من ورائه التصدق منه بهذا المقدار، لا معناه المعهود في الشرع، و قد مر أن ذلک خلاف ظاهر صحیحة عمار بن مروان المتقدمة، فان الظاهر منها ان الخمس المجعول فیه هو الخمس المجعول في سائر الأنواع.

و ثانیا: ان ما ذکره الماتن من التقدیم لا یمکن أن یکون مبنیا علی هذا الوجه باعتبار انه1 بنی علی أن الخمس المجعول فیه خمس حقیقي لا صوري.

و ثالثا: ان ذلک مبني علی أن یکون مطلق الصدقة الواجبة محرمة علی الهاشمیین، مع أن الأمر لیس کذلک فان المحرم علیهم انما هو الزکاة الواجبة الأعم من زکاة المال و زکاة الفطرة.

و رابعا: ان هذا الوجه لو تم فانما یتم إذا اخرج خمس الحلال من نفس المال المختلط بالحرام، و أما إذا اخرج من مال آخر فلا یتم، بل لا موضوع له.

الثالث: ان التصریف في المال المختلط قبل تحلیله باخراج خمسه غیر جائز و علیه فلابد أولا من اخرج خمسه لکي یسوغ له التصرف فیه منه اخراج خمس المتیقن من الحلال.

و الجواب.. أولا: انه بناء علی ما هو الصحیح من أن الخمس المتعلق به هو الخمس المتعلق بسائر الأنواع لا یتوقف جواز التصرف فیه علی اخراج خمسه عملیا، بل یکفي في جوازه تعلق الخمس به، علی اساس ما مر من ان معنی تعلقه به ان الشارع جعل الباقي ملکا طلقا له في مقابل خمسه، فیکون حاله حال سائر الانواع المتعلقة للخمس من هذه الجهة.

وثانیا: مع الاغماض عن ذلک وتسلیم ان التصرف فیه غیر جائز قبل اخراج خمسه، الّا انه انما یجوز إذا کان بدون الإذن من الحاکم الشرعي، وأما معه فلا بأس به حیث ان له ذلک بملاک ولایته.

وثالثا: ان هذا المحذور انما یلزم إذا اخرج خمس المال الحلال من نفس المال المختلط، واما إذا أخرجه من مال آخر فلا موضوع له.

واما الوجه الثالث، فقد استدل علیه بأن خمس المال الحلال بما أنه للإمام  والسادة فلابد من اخراجه أولا لکي یتمحض ماله في الحلال الخالص مخلوطا بالحرام، باعتبار ان الموضوع انما هو اختلاط ماله الخاص مع الحرام لا ماله ومال غیره معه، فمن أجل ذلک یجب علیه أولا أن یخمس الحلال، ثم المختلط، وتترتب علی ذلک ثمرة عملیة في الفقه، مثلا إذا فرضنا ان مجموع المال المخلوط بالحرام خمسة وسبعون دینارا، فعلی طریقة الماتن یخمس المجموع أولا للتحلیل فیبقی ستون دینارا، ثم یخمس الحلال فیبقی ثمانیة واربعون دینارا. وعلی الطریقة الثانیة یخمس المتیقن من الحلال أولا وفرض انه خمسون دینارا في المثال ثم یخمس الباقي وهو خمسة وستون دینارا فیبقی عنده حینئذ اثنان وخمسون دینارا بدل ثمانیة وأربعین، فتختلف الطریقة الأولی عن الثانیة بأربعة دنانیر، وإذا کان المتیقن من الحلال أقل کان التفاوت بین الطریقتین أکثر.

والجواب: ان الموضوع وإن کان هو المختلط من ماله الخاص مع الحرام، والخمس المتعلق به بما أنه لیس مالا وملکا له بل هو مال وملک لغیره خارج عن الموضوع، الّا ان الناتج من ذلک لیس وجوب اخراج خمس الحلال أولا ثم المختلط، وذلک لأن الحلال إذا کان متعلقا للخمس فالموضوع أربعة أخماسه مخلوطة مع الحرام، باعتبار أن خمسه ملک لغیره ومن المعلوم انه لا یتوقف علی اخراج خمس الحرام، والّا لزم عدم تحققه قبل اخراجه، وهو کما تری.

وإن شئت قلت: ان موضوع وجوب الخمس هنا هو الحلال المختلط بالحرام، وذکرنا أن مناسبة الحکم والموضوع تقتضی ان المراد من الحلال هو الحلال الخالص، باعتبار انه ماله في مقابل الحلال المشترک بینه وبین أصحاب الخمس، فإذا کان متعلقا للخمس کان الموضوع أربعة اخماسه مختلطة مع الحرام، وأما خمسه فبما انه ملک لأصحابه فهو خارج عن الموضوع، وعلی ضوء هذا الأساس لا فرق بین تقدیم خمس الحلال علی خمس المختلط وبین العکس أصلا، ولا تظهر الثمرة بین الطریقتین نهائیا، لأن ظهورها مبني علی نقطة خاطئة وهي استثناء خمس الحلال عن موضوع خمس المختلط شریطة اخراجه منه أولا، والّا فهو لم یستثن، وهذا کما تری، لأن لازم ذلک ان موضوع خمس المختلط في المثال المتقدم متمثل في خمسة وسبعین دینارا إذا اخرج خمس الحلال أولا، والّا فهو متمثل في خمسة وسبعین دینارا، وهذا یعني انه إذا أخرج خمس المختلط أولا فلابد أن یکون من خمسة وسبعین دینارا، وإذا اخرج بعد اخراج خمس الحلال فلابد أن یکون من خمسة وستین دینارا، ولکن هذا بالتحلیل لا یرجع إلی معنی محصل، فان الموضوع ان کان الحلال الخالص المختلط مع الحرام وجب اخراج خمسه من خمسة وستین دینارا علی کلا التقدیرین، وإن کان الحلال المشترک بینه وبین أصحاب الخمس المختلط مع الحرام وجب اخراج خمسه من خمسة وسبعین دینارا علی کل تقدیر، غایة الأمر أنه إذا أخرج خمس الحلال في هذا الفرض أولا فقد أتلف خمس المختلط فیه بالنسبة فیضمن.

وقد تحصل من ذلک ان المکلف مخیر بین أن یخمس المتیقن من الحلال أولا، ثم المختلط، وبین العکس. ثم ان المقدار الزائد علی خمس المختلط بما انه مشتبه ومردد أمره بین کونه من الحلال أو الحرام فلا یجب علیه اخراج خمسه، باعتبار انه لیس بامکانه اثبات انه داخل في حلال لا بقاعدة الید لسقوط یده عن الاعتبار لمکان العلم الإجمالي کما مر، والّا انتفی وجوب الخمس بانتفاء موضوعه وهو الاختلاط والاشتباه ولا بالأصل العملي لعدم العلم بحالته السابقة، ولکنه إذا بقی عنده وحال علیه الحول وجب خمسه إما من جهة انه کان متعلقا للخمس من الأول إذا کان في الواقع من حلاله، أو من جهة انه من فوائد هذه السنة إذا کان في الواقع حراما باعتبار انه صار ملکا له عوضا عن الخمس بحکم الشارع.

مسالة 37: لو كان الحرام المختلط في الحلال من الخمس او الزكاة او الوقف الخاصّ او العامّ، فهو كمعلوم المالک على الاقوى، فلايجزيه اخراج الخمس حينئذٍ(1).

 1- الفیّاض: هذا هو الصحیح لأن دلیل الخمس وهو الصحیحة المذکورة لا یشمل ما نحن فیه لاختصاصه بما إذا کان مالکه مجهولا، وأما إذا کان معلوما فلابد من ایصال المال إلیه بلافرق فیه بین المالک الشخصي والمالک الکلي، غایة الأمر ان المالک إذا کان کلیا کما في المقام فلابد من الرجوع إلی من له الولایة علی ذلک کالحاکم الشرعي أو المتوالي، ویصالح معه في المقدار المشتبه بما یتفقان علیه أو یرجعان فیها إلی القرعة.

 

 مسالة 38: اذا تصرّف في المال المختلط قبل اخراج الخمس بالاتلاف، لم‌يسقط وان صار الحرام في ذمّته(1)؛ فلايجري عليه حكم ردّ المظالم على الاقوى(2)، وحينئذٍ فان عرف قدر المال المختلط، اشتغلت ذمّته بمقدار خمسه، وان لم ‌يعرفه ففي وجوب دفع ما يتيقّن معه بالبرائة او جواز الاقتصار على ما يرتفع به يقين الشغل وجهان؛ الاحوط الاوّل والاقوى الثاني.

1- الفیّاض:  فیه ان هذا لا ینسجم مع مسلکه في هذا الباب، لما مر من أن مسلکه فیه أن الخمس المجعول فیه هو الخمس المجعول في سائر الأنواع، والناتج من ذلک انه إذا أتلف المال المختلط انتقل خمسه إلی ذمته دون نفس الحرام، لفرض ان الشارع جعل خمسه عوضا عنه، ونتیجة ذلک ان الحرام صار ملکا له في مقابل خمسه، فلا معنی حینئذ لانتقاله إلی ذمته.

2- الفیّاض:  في القوة اشکال بل منع، لأن ذمته  لو اشتغلت بالحرام في مفروض المسألة جری علیه حکم رد المظالم، لما مر من أن روایات مجهول المالک لا تقصر عن شمول ما في الذمة ووجوب التصدق به للفقراء من قبل صاحبه شریطة أن یکون مأیوسا من رده إلی مالکه، هذا اضافة إلی أن وجوب التصدق به یکون علی القاعدة، فلا یحتاج إلی النص علی أساس ان ایصال نفس المال إذا لم یمکن إلی مالکه فیدور الأمر بین التصدق به من قبله وایصال اجره وثوابه إلیه، وبین تملکه، ومن المعلوم ان المتعین هو الأول، فانه بمثابة البدل له دون الثاني فانه بحاجة إلی دلیل. فالنتیجة ان جریان حکم رد المظالم علیه لا یحتاج إلی دلیل.

ولکن قد تقدم ان هذا القول غیر صحیح، فانه لو تصرف في المال المختلط قبل اخراج خمسه بالاتلاف ضمن الخمس لا نفس الحرام، فما ذکره الماتن من أنه یضمن بالاتلاف نفس الحرام دون الخمس لا ینسجم مع القول بأن الخمس المجعول فیه هو الخمس المجعول في سائر الأنواع کما هو مختاره أیضا، وإنما ینسجم مع القول الآخر وهو ان تعلق الخمس به صوري لا حقیقي.

 

مسالة 39: اذا تصرّف في المختلط قبل اخراج خمسه، ضمنه كما اذا باعه مثلا، فيجوز  لوليّ  الخمس الرجوع عليه، كما يجوز له الرجوع على من انتقل اليه، ويجوز للحاكم ان يمضي معاملته(1) فياخذ مقدار الخمس من العوض اذا باعه بالمساوي قيمةً او بالزيادة، وامّا اذا باعه باقلّ من قيمته فامضاؤه خلاف المصلحة؛ نعم، لو اقتضت المصلحة ذلک، فلا باس.

 1- الفیّاض: هذا إذا لم یکن المشتري ممن شملته روایات التحلیل، والّا فالمعاملة محکومة بالصحة، ولازم صحتها اشتغال ذمة البائع بالخمس، ومقتضی اطلاقها عدم الفرق بین أن یکون البائع معتقدا بالخمس ولکن لا یخمس، أو غیر معتقد به، نعم إذا لم یکن المشتري ممن شملته تلک الروایات فصحتها تتوقف علی أحد أمور..

الأول: أن یمضیها الحاکم الشرعي، فإذا امضاها صحت.

الثاني: أن یعطی البائع خمسه من مال آخر، فإذا اعطاه ملک الخمس، وحینئذ فإذا أجاز المعاملة صحت.

الثالث: ان یمضیها المشتري بإعطاء خمس المبیع ثم الرجوع الی البائع ویطالبه بما یعادل ثمنه.

 

 السادس: الارض الّتي اشتراها الذمّيّ من المسلم ؛ سواء كانت ارض مزرع او مسكن  او دكّان(1) او خان او غيرها، فيجب فيها الخمس. ومصرفه مصرف غيره من الاقسام على الاصحّ. وفي وجوبه في المنتقلة اليه من المسلم بغير الشراء من المعاوضات اشكال(2)، فالاحوط اشتراط مقدار الخمس عليه في عقد المعاوضة وان كان القول بوجوبه في مطلق المعاوضات  لايخلو عن قوّة. وانّما يتعلّق الخمس برقبة الارض دون البناء والاشجار والنخيل اذا كانت فيه، ويتخيّر الذمّيّ بين دفع الخمس من عينها او قيمتها(3) ومع عدم دفع قيمتها يتخيّر وليّ الخمس بين اخذه وبين اجارته(4) ، وليس له قلع الغرس والبناء، بل عليه ابقاؤهما بالاجرة؛ وان اراد الذمّي دفع القيمة وكانت مشغولة بالزرع او الغرس او البناء، تقوّم مشغولة بها مع الاجرة فيؤخذ منه خمسها. ولانصاب في هذا القسم من الخمس، ولايعتبر فيه نيّة القربة(5) حين الاخذ حتّى من الحاكم، بل ولا حين الدفع الى السادة.

 

1- الفیّاض: في التعمیم اشکال، ولا یبعد دعوی اختصاص قوله7 في صحیحة عبیدة الحذاء: « أیّما ذمي اشتری من مسلم أرضا فان علیه الخمس»(الوسائل باب: 9 من أبواب ما یجب فیه الخمس الحدیث: 1) بالأرض الخالیة سواء أکانت للزارعة أم للمسکن أو للدکان أو نحو ذلک، لصدق انه اشتری أرضا من مسلم، وإن کان القدر المتیقن منها الأول، الّا ان اطلاقها یشمل الباقي أیضا، وأما إذا اشتری دارا من مسلم أو دکانا أو خانا فلا یبعد دعوی انصراف النص عنه عرفا، حیث انه لیس شراء للأرض مباشرة، بل هو شراء للدار المشتملة علی الأرض، فلا یقال عرفا انه اشتری أرضا.

وإن شئت قلت: ان للأرض اطلاقین..

أحدهما: في مقابل السماء.

والآخر: في مقابل الدار والدکان والخان وما شاکل ذلک. والثاني هو الشائع عرفا في الاستعمالات الفقهیة وغیرها. ودعوی ان الدار اسم لمجموع الأرض والبنیان وکذلک الخان والبستان وما شابه ذلک، وکل منهما مقصود بالذات وملحوظ بحیاله في مقام الشراء من دون تبعیة، وإن کانت صحیحة، فان من اشتری دارا کما أنه یلاحظ بنیانها کما وکیفا، کذلک یلاحظ أرضها سعة وضیقا، وغیرها من الخصوصیات، الا أنها لا تثبت ان الأرض ملحوظة مستقلا بل هي ملحوظة في ضمن المجموع کسائر أجزائها، ونتیجة ذلک ان هذا الشراء شراء المجموع من حیث المجموع، لا شراء کل جزء، فانه في ضمن المجموع، فلا یصدق علی شراء الدار عرفا شراء الأرض الا بالعنایة. ومن هنا یصح أن  یقال انه اشتری دارا أو دکان لا أرضا، فمن أجل ذلک لا اطلاق للنص وان الظاهر منه عرفا هو شراء الأرض بعنوانها ومباشرة، وبما ان شراء الدار أو نحوها لیس شراء لها الّا ضمنا وبالعنایة فلا یکون مشمولا له.

2- الفیّاض: فیه ان الظاهر عموم الحکم لکل أرض انتقلت إلیه من مسلم وإن لم یکن بالشراء، علی أساس ان المتفاهم العرفي من النص في المسألة بمناسبة الحکم والموضوع الارتکازیة عدم الموضوعیة للشراء.

3- الفیّاض: مر الاشکال في کفایة دفع القیمة وإن کان من النقدین، فاذن لابد أن یکون دفعها باذن من الحاکم شرعي.

4- الفیّاض: فیه أن صحة الاجارة في حصة الامام منوط بأحد أمرین..

الأول: أن یحرز رضا الامام بها.

الثاني: ان ولي الخمس یری فیها مصلحة. وإن لم یحرز الرضا باعتبار أن أمره بیده في زمن الغیبة، واما صحتها في حصة السادة فهي مرتبطة بولایته علیها، ولا یبعد ثبوتها له، ولکن لا مطلقا بل هي تدور مدار المصلحة وجودا وعدما، فاذا رأی مصلحة في اجارتها وصرف الأجرة علیهم، فلا مانع منها.

ودعوی أن ولایته انما هي علی القبض والاقباض والصرف علیهم لا اکثر، واما التصرف فیها بایجار أو نحوه فهو بحاجة إلی دلیل.

مدفوعة: بأن ولایته علیها تتبع وجود المصلحة، فان کانت هناک مصلحة في صرفها علیهم دون الحفظ أو الإیجار وجب الصرف علیهم عینا أو بدلا، وحینئذ فلا ولایة له علی الحفظ أو الإیجار، وإن کانت هناک مصلحة في الایجار وصرف موارده علیهم فله ذلک، وإن کانت هناک مصلحة في کلا الأمرین فهو مخیر بینهما، ومن هنا لا شبهة في ثبوت ولایته علی تبدیلها بشيء آخر وصرف ذلک الشيء علیهم.

5- الفیّاض: فیه اشکال بل منع، لأن الخمس إن کان من الواجب العبادي کما هو المعروف بین الفقهاء فلا فرق بین الخمس الواجب علی الذمي والخمس الواجب علی غیره.

ودعوی ان الذمي بما أنه لا یتمکن من قصد القربة فمن أجل ذلک لا یعتبر في اخراجه الخمس من الأرض.

مدفوعة.. أولا: لما ذکرناه في کتابي الصوم والزکاة من الاشکال في اعتبار الإسلام في صحة العبادة.

وثانیا: ان الخمس واجب عبادي وإن کان مشهورا، الّا ان اثباته بالدلیل مشکل جدا، وقد تقدم تفصیل ذلک في یاب الزکاة، نعم مع الاغماض عن ذلک وتسلیم أنه معتبر فیه فعندئذ لا یعتبر فیه قصد القربة، بملاک ان الدلیل علی اعتباره لما کان هو الاجماع، فالقدر المتیقن انما هو اعتباره في حال التمکن لا مطلقا، فلو أدی المالک خمس ماله غافلا عن نیة القربة، ثم بعد الأداء تذکر بالحال، فالظاهر هو الاجزاء وعدم وجوب الاعادة مرة ثانیة، وکذلک الحال في المقام، فان المالک وهو الذمي بما انه لا یتمکن من قصد القربة فالساقط انما هو وجوبه دون أصل وجوب الخمس، علی أساس أن دلیل وجوب الخمس من الآیة الشریفة والروایات مطلق، ومقتضی اطلاقه وجوبه مطلقا حتی في حال عدم تمکن المالک من قصد القربة، أو کونه ناسیا له، أو غافلا عنه، ولا دلیل علی تقیید اطلاقه بقصد القربة الّا الاجماع المدعی في المسألة علی اعتباره، ومن المعلوم انه لا یصلح لتقییده الّا في حال التمکن منه لا مطلقا، حیث لا اجماع الّا في هذه الحال، ونتیجة ذلک انه لا مانع من التمسک باطلاقه في غیر تلک الحال.

 

 مسالة 40: لو كانت الارض من المفتوحة عنوةً وبيعت تبعا  للاثار ، ثبت فيها الحكم لانـّها للمسلمين، فاذا اشتراها الذمّي وجب عليه الخمس وان قلنا بعدم دخول  الارض في المبيع (1) وانّ المبيع هو الاثار ويثبت في الارض حقّ الاختصاص للمشتري؛ وامّا اذا قلنا بدخولها فيه فواضح، كما انـّه كذلک اذا باعها منه اهل الخمس بعد اخذ خمسها، فانّهم مالكون  لرقبتها ويجوز لهم بيعها.

1- الفیّاض: الظاهر انه1 اراد به عدم دخول رقبة الأرض في المبیع، وأن المشتري انما هو حق الاختصاص بها دون أصل الرقبة، کما إذا اشتراها الذمي ممن تکون علاقته بها بسبب عملیة الاحیاء، فانها بناء علی ما قویناه لا تمنح المحیی الّا حق الاختصاص بها دون الملک إذا کان تاریخها الزمني بعد الفتح، وعلی هذا فاذا باعها المحیی لها فقد باع حقه المتعلق بها لا أصل الرقبة، فانها ظلت باقیة في ملک المسلمین، ولکن بما انه یصدق علیه شراء الأرض فیکون مشمولا لإطلاق النص.

ودعوی ان الشراء فیه منصرف إلی شراء نفس الرقبة فلا یعم شراء الحق المتعلق بها فقط.

مدفوعة: بأنه لا منشأ لهذا الانصراف، لأن نتیجة شراء الأرض تختلف باختلاف الموارد، فانه قد یمنح المشتري العلقة الملکیة لها، وقد یمنحه العلقة الحقیة بها، فاذا اشتری الأرض المفتوحة عنوة من الامام أو الحاکم الشرعي یمنحه العلقة الملکیة لها، وإذا اشتراها من واحد من آحاد المسلمین یمنحه العلقة الحقیة بها، وکذلک الحال في عملیة الاحیاء، فان من قام بها فان کان قبل تاریخ فتحها بید المسلمین زمنیا أو قبل تاریخ تشریع الانفال کذلک فقد تمنح المحیی علاقة بها علی مستوی الملک، وإن کان بعده تمنح علاقة بها علی مستوی الحق، هذا ولکن لا تظهر الثمرة بین القولین في المقام.

 

 مسالة 41: لا فرق في ثبوت الخمس في الارض المشتراة بين ان تبقى على ملكيّة الذمّي بعد شرائه او انتقلت منه بعد الشراء الى مسلم اخر(1)، كما لو باعها منه بعد الشراء او مات وانتقلت الى وارثه المسلم او ردّها الى البايع باقالة اوغيرها، فلايسقط الخمس بذلک، بل الظاهر  ثبوته ايضا لو كان للبايع خيار ففسخ بخياره .

1- الفیّاض: هذا لإطلاق النص، نعم أن هنا مسألة أخری، وهي أن الأرض بعد شراء الذمي إذا انتقلت منه إلی مسلم آخر، فإن کان ذلک المسلم ممن شملته أخبار التحلیل انتقلت کل الأرض الیه وخمسها إلی عهدة الذمي، بلافرق في ذلک بین أن یکون انتقالها إلیه بالشراء أو الهبة أو الإرث أو نحو ذلک، هذا إذا کان الثمن کلیا، وأما إذا کان شخصیا فینتقل خمسها إلی الثمن لا إلی عهدته، وإن لم یکن ممن شملته تلک الأخبار انتقلت إلیه أربعة أخماسها دون الکل، لأن خمسها ملک لأصحابه، فتکون المعاملة بالنسبة إلیه فضولیة تتوقف صحتها علی أحد أمور: إما امضاء الحاکم الشرعي لها، أو اعطاء الذمي خمسها من مال آخر ثم اجازته المعاملة، أو اعطاء المشتري خمسها ثم الرجوع إلی الذمي ومطالبته ببدل الثمن الذي أخذه الذمي عوضا عن خمسها، وقد مر نظیر ذلک في المسألة (39).

 

 مسالة 42: اذا اشترى الذمّي الارض من المسلم وشرط عليه عدم الخمس، لم‌يصحّ(1)، وكذا لو اشترط كون الخمس على البايع؛ نعم، لو شرط على البايع المسلم ان يعطي مقداره عنه، فالظاهر جوازه.

1- الفیّاض: لأنه مخالف للسنة، والشرط المخالف لها لا یکون نافذا، نعم لو شرط الذمي علی البائع المسلم اعطاء مقدار من خمسها أو کله فلا مانع منه، لأنه شرط الفعل فیکون نافذا.

 

 مسالة 43: اذا اشتراها من مسلم ثمّ باعها منه او من مسلم اخر، ثمّ اشتراها ثانيا وجب عليه خمسان؛ خمس الاصل للشراء اوّلا، وخمس اربعة  اخماس  للشراء ثانيا(1) .

1- الفیّاض: في اطلاقه اشکال بل منع، والأظهر هو التفصیل بین ما إذا کان المشتري شیعیا وما إذا لم یکن شیعیا، فعلی الأول یجب علی الذمي أن یخمس کل الأرض ثانیا علی أساس ان الأرض بکلّ اجزائها انتقلت منه إلی المشتري إذا کان شیعیا، وخمسها انتقل إلی عهدته وعلیه فاذا اشتری الذمي الأرض من المشتري ثانیا ملکها بتمام اخماسها لفرض أنها کانت کذلک ملکا للمشتري، فاذن یجب علیه تخمیسها کلا، وکذلک الحال اذا باعها منه ثانیا ثم اشتراها أیضا، وهکذا. وعلی الثاني یجب علیه أن یخمس أربعة أخماسها باعتبار أنها کانت ملکا للمشتري ثم انتقلت منه إلی الذمي، وأما خمسها فهو ملک لأصحابه، وکذلک اذا باعها الذمي ثانیا ثم اشتراها منه ایضا، فان المنتقل إلیه أربعة اخماس الباقي من الأرض وهکذا فکلما کرر بیعها من مسلم ثم اشتراها منه نقص خمسها في کل مرة بالنسبة، شریطة أن لا یکون المشتري شیعیا کما هو المفروض، ففي الشراء الأول نقص الخمس بالنسبة إلی کل الأرض، وفي الثاني نقص بالنسبة إلی أربعة أخماسها وهکذا.

 

 مسالة 44: اذا اشترى الارض من المسلم ثمّ اسلم بعد الشراء، لم‌يسقط عنه  الخمس(1)؛ نعم، لو كانت المعاملة ممّا يتوقّف الملک فيه على القبض فاسلم  بالعقد وقبل القبض، سقط عنه، لعدم تماميّة ملكه في حال الكفر(2).

1- الفیّاض: قبل بالسقوط علی أساس أن الإسلام یجبّ ما قبله، فإذا أسلم الکافر فهو غیر مطالب شرعا بالواجبات من المالیة کالزکاة والخمس ونحوهما، والبدنیة کالصلاة والصیام والحجّ وما شاکلها وإن قلنا بأن الکفار مکلفون بالفروع أیضا کما هو الأظهر.

ولکن هذا القیل لا أصل له، فان الإسلام وإن کان یجبّ ما قبله وتنص علی ذلک السیرة القطعیة من النبي الأکرم6 الجاریة علی عدم مطالبة الکافر إذا اسلم بقضاء الواجبات المالیة والبدنیة، ولم یرد ولا في مور واحد أن النبي الأکرم6 أمر الکافر بعد اسلامه بقضاء تلک الواجبات مع کثرة دخول الکفار في الاسلام، الّا انه لا یعم المقام علی أساس ان الحکم فیه ثابت للذمي بما هو ذمي لا بما هو کافر، وحدیث الجبّ یختص بالکافر بما هو کافر فلا یعم أحکام الذمي.

فالنتیجة: ان الحکم في المقام حکم خاص ثابت للکفر بعنوان الذمي، وهو تمام الموضوع من دون دخل جهة کفره فیه، هذا اضافة إلی أن نسبة هذا الدلیل إلی دلیل الجب نسبة الخاص إلی العام، فلا مناص حینئذ من التخصیص بغیر مورده.

2- الفیّاض: في العبارة مسامحة واضحة، وعلیه أن یقول: في حال الذمة، بدل قوله في حال الکفر، باعتبار أن هذا الحکم حکم الذمة لا حکم الکفر، فإذا أسلم خرج عن الذمة.

 

 

 مسالة 45: لو تملّک ذمّي من مثله(1) بعقد مشروط بالقبض فاسلم الناقل قبل القبض، ففي ثبوت الخمس وجهان؛ اقواهما  الثبوت .

  1- الفیّاض: فیه انه لا وجه لهذا التقیید، إذ لا فرق بین أن یکون تملک الذمي الأرض من ذمي أو معاهد أو حربي، فان المعیار انما هو باسلام الناقل قبل القبض شریطة أن یکون الملک متوقفا علیه، ولم یحصل بمجرد إنشاء العقد، وحینئذ فإذا أسلم الناقل قبل القبض وبعد إنشاء العقد صدق ان الذمي ملک الأرض من مسلم وإن کان إنشاء العقد قبل السلامه، الّا أنه لا أثر لمجرد الانشاء إذا لم یکن مملکا، فإذا وهب کافر حربي أرضا من ذمي ثم اسلم وبعد اسلامه قبض الذمي الأرض صدق انه ملکها من مسلم باعتبار أنها باقیة في ملک الواهب، وبالقبض انتقلت من ملکه إلی ملک القابض، وعندئذ یتحقق موضوع وجوب الخمس.

 

 مسالة 46: الظاهر عدم سقوطه اذا شرط البايع على الذمّي ان يبيعها بعد الشراء من مسلم(1).

1- الفیّاض: هذا هو الصحیح لأن موضوع وجوب الخمس وهو ملک الذمي الأرض بالشراء قد تحقق، وشرط البیع علیه لا یمنع منه.

ودعوی ان هذا الشرط في نفسه محل اشکال بل منع لدی المشهور، فاذن لا أثر له لکي یمنع منه.

مدفوعة.. أولا: بأنها مبنیة علی الخلط بین اشتراط البائع علی المشتري أن یبیعه منه ثانیا، وبین اشتراطه علیه أن یبیعه من شخص آخر، فالاشکال عند المشهور انما هو في الأول دون الثاني، والشرط في المقام من قبیل الثاني.

وثانیا: ان ما هو المشهور من الاشکال في صحة هذا الشرط لا أساس له، ومقتضی اطلاق دلیل وجوب الوفاء بالشرط الصحة، بلا فرق بین الأول والثاني، وبذلک یظهر حال المسائل الآتیة.

 

 مسالة 47: اذا اشترى المسلم من الذمّي ارضا ثمّ فسخ باقالة او بخيار، ففي ثبوت الخمس وجه، لكنّ الاوجه خلافه، حيث انّ الفسخ ليس معاوضة.

مسالة 48: من بحكم المسلم، بحكم المسلم.

 

 مسالة 49: اذا بيع خمس الارض الّتي اشتراها الذمّي عليه، وجب عليه خمس ذلک الخمس الّذي اشتراه، وهكذا.

 

 السابع: ما يفضل عن مؤونة سنته ومؤونة عياله من ارباح التجارات ومن سائر التكسّبات، من ‌الصناعات والزراعات والاجارات حتّى ‌الخياطة ‌والكتابة، والتجارة والصيد وحيازة المباحات واجرة العبادات الاستيجاريّة من الحجّ والصوم والصلاة والزيارات وتعليم الاطفال وغير ذلک من الاعمال الّتی لها اجرة، بل الاحوط ثبوته في مطلق الفائدة وان لم‌تحصل بالاكتساب،كالهبة والهديّة والجائزة والمال الموصى به ونحوها، بل لايخلو عن قوّة(1) ؛ نعم،لاخمس في الميراث(2)، الّا في الّذي ملكه من حيث لايحتسب، فلايُترک الاحتياط فيه(3)، كما اذا كان له رحم بعيد  في بلد اخر لم‌يكن عالما به فمات(4)  وكان هو الوارث له، وكذا لايُترک في حاصل الوقف الخاصّ(5) ، بل وكذا في النذور(6)؛و الاحوط استحبابا ثبوته في عوض الخلع والمهر(7) ومطلق الميراث، حتّى المحتسب منه، ونحو ذلک.

1- الفیّاض: هذا هو الصحیح، بیان ذلک: ان المال الواصل إلی الانسان علی نوعین..

أحدهما: ما یصل الیه بالاکتساب والجهد.

والآخر: ما یصل إلیه بدون ذلک.

أما الأول: فنقصد به ما یبذل الانسان في طریق الحصول علیه جهدا وعملا تجاریا دو مهنیا أو حرفیا، ویدل علی وجوب الخمس فیه الکتاب والسنة.

اما الکتاب فقوله تعالی: (وَاإعلَمُوا أَنَّما غَنِمتُم مِن شَيءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ..) (الانفال آیه 41) الخ، بتقریب ان الغنیمة لغة وعرفا عبارة عن الفائدة التي یستفیدها المرء، فاذا قیل: غنم رجل، کان المنساق منه أنه ریح، فتکون الغنیمة مساوقة عرفا للریح والفائدة، وتخصیص وجوب الخمس بحصة خاصة من الغنیمة وهي غنائم دار الحرب دون سائر حصصها بحاجة إلی قرینة تدل علی ذلک، ولا قرینة في البین لا في نفس الآیة الشریفة ولا من الخارج، بل القرینة علی العموم موجودة، وهي اطلاق الآیة الشریفة.

نعم، انها في مرحلة التطبیق قد طبقت في زمن النبي الأکرم6 علی غنائم دار الحرب فقط، ولا شاهد علی تطبیقها علی سائر الغنائم، ولکن من المعلوم ان ذلک لا یدل علی التخصیص في مرحلة التشریع والجعل ضرورة أن مجرد عدم تطبیق وجوب خمس الغنیمة علی سائر الغنائم والفوائد في عصر التشریع لا یصلح أن یکون قرینة علی عدم تشریعه في الشریعة المقدسة علی أساس أن التطبیق یتبع ظروفه الملائمة له.

فالنتیجة: انه لا شبهة في اطلاق الآیة الکریمة ودلالتها علی جعل وجوب الخمس لمطلق الغنیمة والفائدة، ویؤکد ذلک تفسیر الغنیمة بالفائدة في صحیحة علي بن مهزیار التي جاءت بهذا النص: (فاما الغنائم والفوائد فهي واجبة علیهم في کل عام، قال الله تعالی: واعلموا إنّما غنمتم من شيء فان لله خمسه.. إلی أن قال: فالغنائم وافوائد یرحمک الله فهي الغنیمة یغنمها المرء والفائدة یقیدها)(الوسائل باب: 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس الحدیث: 5).

واما السنة: فهي متمثلة في روایات کثیرة تدل علی وجوب الخمس بمختلف الألسنة.

منها: موثقة سماعة قال: «سألت أبا الحسن7 عن الخمس؟ فقال: في کل ما أفاد الناس من قلیل أو کثیر»(الوسائل باب: 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس الحدیث: 6) فإنها تنص علی أن الخمس في کل فائدة یفیدها المرء سواء أکانت بتجارته أم کانت بمهنته أو حرفته أو نحو ذلک.

ومنها: قوله7 في صحیحة علي بن مهزیار: «فأما الغنائم والفوائد فهي واجبة علیهم في کل عام»(الوسائل باب: 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس الحدیث: 5).

فالنتیجة في نهایة المطاف انه لا شبهة في وجوب الخمس في مطلق الفائدة والغنیمة في الشریعة المقدسة، بل یظهر من بعض روایات أهل السنة المنقول عن صحیح البخاري والترمذي أیضا ذلک.

واما الثاني فنقصد به مالا یبذل الانسان في سبیل الحصول علیه جهدا وعملا من الأعمال المشار إلیها آنفا، کالهبة والهدیة والجائزة وما شاکلها، وهل یجب فیه الخمس أو لا؟ في المسألة قولان..

أحدهما: وجوبه فیه، وهذا القول هو الصحیح وذلک لسببین.

الأول: ان الظاهر صدق الفائدة علی المال الموهوب إذا قبضه الوهوب له، فانه إذا أعطی الواهب المال للموهوب له وأخذه ناویا به القبض والتملک، صدق انه افادها، ویتحقق به موضوع وجوب الخمس، فالنتیجة انه بالقبض والتملک یصدق علیه انه فائدة یستفیدها المرهوب له.

الثاني: قوله7 في صحیحة علي بن مهزیار: «والجائزة من الانسان للإنسان التي لها خطر»(الوسائل باب: 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس الحدیث: 5) فانه یدل علی وجوب الخمس في الجائزة، وهي باطلاقها تعم الهبة والهدیة، بل المال الموصی به للموصی له، باعتبار أنها لغة وعرفا عبارة عن عطیة الانسان للإنسان، وهي معنی عام یشمل الجمیع، وعلی هذا فالصحیحة تدل علی وجوب الخمس في الکل شریطة أن تکون لها خطر وشأن، وأما إذا لم تکن فلا تدل علی وجوب الخمس فیها، وعندئذ یرجع إلی اطلاقات الأدلة التي مقتضاها وجوب الخمس في کل فائدة یستفیدها المرء وإن کانت قلیلة، باعتبار ان الصحیحة لا تنفی وجوب الخمس عما إذا کانت الجائزة قلیلة، بل هي ساکتة فلا تمنع عن شمول الاطلاقات لها.

فالنتیجة عدم اختصاص وجوب الخمس بالفوائد المکتسبة من أنواع التجارات والصناعات والزارعات والمهن والحرف وما شاکل ذلک، بل یعم کل فائدة یستفیدها الانسان وإن لم تکن بالاکتساب وبذل الجهد وبذلک یظهر حال القول الآخر في المسألة وانه لا وجه له.

ثم ان المستثنی من خمس الفائدة أمران..

أحدهما: مئونة الاکتساب، ونقصد به المعنی العام الشامل للمهنة والحرفة والصنعة بشتی أنواعها واشکالها، فالتاجر یستثنی من الفائدة کل ما یصرف عینه في طریق الحصول علیها کأجرة النقل والانتقال والسفر والدکان والدلال والحمال والکاتب والعامل والحارس وما شاکل ذلک مما یرتبط بشؤون تجارته ولوازمها، ویخمس الباقي، والصانع یستثنی منها کل ما یصرفه کذلک في طریق الوصول الیها بتشغیل معامله ومصانعه کأجرة المهندسین والخبراء الفنیین والعمال والکاتب والحارس والحمال والنقل والانتقال وما شابه ذلک، والطبیب یستثنی من الفائدة کل ما یصرفه کذلک في سبیل الحصول علیها بإعمال مهنته کأجرة المطب والسیارة والحارس والعامل ونحو ذلک مما تتطلبه عملیة الطبابة، والمهندس یستثنی منها کل ما یصرفه کذلک في طریق الوصول إلیها بالقیام بعملیة الهندسة وما تتطلبه تلک العملیة من أجرة المکتب والکاتب والحارس والعامل ونحو ذلک مما یرتبط بشؤون هذه العملیة ولوازمها. وبذلک یظهر حال النجار والحداد والخیاط وغیرهم. ومن هذا القبیل ما ورد من النقص علی مالیة الوسائل والأدوات التي یمارس بها أصحاب المهن والحرف والصنعة بسبب استهلاکها بالاستعمال، فانه یستثنی من الفائدة في نهایة السنة ویخمس الباقي.

وتذکر لذلک فیما یلی عددا من الحالات التطبیقیة مستمدة من واقع الحال في المسألة، لکي یتاح للمکلف معرفة الحکم الشرعي لکل حالة مماثلة:

الحالة الأولی:

1- تاجر ینشئ معملا للطباعة، أو مصنعا لصنع الأقمشة أو البلاستک، أو الأحذیة أو ما شاکل ذلک، ویشتري بثمن مخمس المکائن والوسائل والأدوات للمعامل والمصانع، وفي هذه الحالة یحسب التاجر في نهایة السنة ما انتجته المعامل والمصانع من الأرباح والفوائد له، وما ورد علیها من النقص علی مالیتها بسبب استهلاکها بالاستعمال في طول السنة، فیستثنی النقص من الأرباح والفوائد بالنسبة، ویخمس الباقي، فان کانت نسبة النقص الیها متمثلة في الربع استثنی منها الربع، وإن کانت في الأکثر، فالأکثر، وإن کانت في الأقل، فالأقل، والوجه في ذلک أن موضوع وجوب الخمس الفائدة التي یستفیدها المرء والغنیمة التي یغنمها في کل سنة، ومن المعلوم أن ما یصرفه في سبیل الحصول علیها لا یصدق علی ما یعادله من الربح فائدة عرفا، وانما تصدق الفائدة علی الزائد علیه، ومن هنا لو کان ما یصرفه فیه مساویا لما یحصل من الربح فلا یصدق انه استفاد وغنم، وبما أن النقص الوارد في مالیة تلک الوسائل والاسباب انما هو في سبیل الحصول علی الفائدة والغنیمة فبطبیعة الحال لا یصدق علی ما یعادله من الربح عنوان الفائدة والغنیمة عرفا، ومن هنا لو کان النقص فیها مساویا للربح فلا یقال انه استفاد في هذه السنة وغنم، فالنتیجة انه لا فرق بین أن تتطلب مؤنة التجارة صرف نفس الأموال في سبیل الحصول علی الفائدة، أو تتطلب استعمالها فیه المؤدی إلی الاستهلاک والنقص في مالیتها في نهای المطاف، فان هذا النقص انما هو في طریق الحصول علیها، فمن أجل ذلک لا یصدق علی ما یعادله من الربح فائدة عرفا، وکذلک الحال في السنة الثانیة والثالثة وهکذا تطبیقا لنفس ما تقدم في السنة الأولی.

2- طبیب یشتري بثمن مخمس محلا للطبابة والأدوات التي یحتاج إلیها في تطبیقها عملیا، ثم یواصل في مهنته طول مدة السنة، وفي نهایتها یحاسب الناتج منها من الأرباح والفوائد وما ورد علی تلک الأدوات من النقص والتلف في مالیتها، ثم یستثنی منها بنسبة النقص ویخمس الباقي، وکذلک الحال في السنة الثانیة والثالثة وهکذا تطبیقا لعین ما تقدم، وبذلک یظهر حکم امثاله من أصحاب المهن والحرف کالمهندس والصائغ والنجار والحداد والخیاط وما شاکلها.

الحالة الثانیة:

وهي نفس الحالة الأولی، الّا أن ثمن المکائن والأدوات فیها یکون من أرباح أثناء السنة قبل اخراج خمسه، وفي هذه الحالة بما أن ثمن المکائن والأدوات الاستهلاکیة من أرباح السنة فتعتبر نفس تلک المکائن والأدوات ریحا للسنة الحالیة، وحینئذ فیقومها بالقیمة الفعلیة ویخرج خمسها وخمس الارباح الناتجة منها، وأما ما صرف من المال في سبیل الحصول علیها کاستهلاکها بالاستعمال الموجب لنقص قیمته فهو من المؤونة.

ومن هنا یظهر الفرق بین هذه الحالة والحالة الأولی، فان النقص الوارد علی المکائن والأدوات بسبب استهلاکها بالاستعمال والتشغیل في الحالة الأولی بستثنی من الارباح الناتجة منها، ویخمس الباقي کما مر، وأما في الحالة الثانیة فیما أن المکائن والأدوات الاستهلاکیة کلها من الأرباح والفوائد، فالنقص الوارد علی مالیتها بسبب استهلاکها بالاستعمال في أثناء السنة فهو من المؤونة، فلا یضمن خمسه، باعتبار أن هذا النقص والاستهلاک إنما ورد في طریق الحصول علیها، لا أنه إتلاف للربح بلا موجب حتی یضمن خمسه.

الحالة الثالثة:

نفس الحالة أیضا، إلّا أنه لا یعلم بأن ثمن المکائن والأودوات الاستهلاکیة مخمس أولا، وفي هذه الحالة مرة یشک بأن الثمن من أرباح السنة الماضیة بعد اخراج خمسها، أو أنه من ارباح هذه السنة، ولم یخرج خمسها بعد، وأخری یعلم بمضی الحول علی ثمنها، ولکن کان یشک في اخراج خمسه، وفي کلا هذین الفرضین لا مانع من الرجوع إلی الاستصحاب.

أما في الفرض الأول، فلأنه یعلم بأن شخص هذا الثمن کان متعلقا للخمس، ویشک في بقائه فیه من جهة أنه إن کان من ارباح السنة الماضیة فقد أخرج خمسه، وإن کان من أرباح هذه السنة فبقی فیه، ومعه لا مانع من استصحاب بقائه، ولکن لا یترتب علیه أنه من ریح هذه السنة لکي یکون لازمه شرعا انتقاله إلی نفس الآلات والأدوات المشتراة به الّا علی القول بالأصل المثبت، فاذن یکون الناتج من هذا الاستصحاب وجوب خمس نفس هذا الثمن.

وأما في فرض الثاني، فالأمر واضح لأنه کان متیقنا بتعلق الخمس به ویشک في اخراجه منه، ففي مثل ذلک لا شبهة في جریانه، ویترتب علیه وجوب اخراج الخمس منه. وقد تحصل من ذلک انه لا فرق بین الفرضین في النتیجة وفي کلا الرضین یجب تخمیس الثمن فقط دون المکائن والأدوات الاستهلاکیة.

الحالة الرابعة:

نفس الحالة أیضا الّا أنه لا یعلم بأن الثمن الذي اشتری به المکائن والآلات للمعامل والمصانع وغیرها قد حال علیه الحول، أو لا، فعلی الأول انتقل خمسه إلی ذمته، وعلی الثاني إلی بدله، وهو المکائن والآلات في المقام، وفي هذه الحالة لا مانع من الرجوع إلی استصحاب عدم مضي الحول علیه، وبه یثبت شرعا انه ریح لم یمض علیه حول کامل، والأول ثابت بالوجدان، والثاني بالاستصحاب، ویترتب علی ذلک شرعا انتقال خمسه إلی بدله، وحینئذ یجب علیه اخراج خمس المکائن والآلات بقیمتها الحالیة.

والآخر: مئونة السنة الکاملة لنفسه وعائلته، ونقصد بها کل ما یصرفه الانسان في معاش نفسه وعائلته ومتعلقاته علی النحو اللائق بمکانته من مأکولاته ومشروباته وملابسه وصدقات وزیاراته وهدایاه وجوائزه وضیافته ومخارج الزواج لنفسه ولأولاده ذکورا واناثا، وأداء الحقوق الواجبة علیه بنذر أو کفارة أو عهد أو شرط أو غرامة أو أرش جنابة أو دیة، أو المستحبة والمسکن والظروف والفروش وسائر الأسباب والوسائل التي یحتاج الانسان الیها، کالکتب والخادم والسارة وما شاکل ذلک، کل ذلک شریطة أن تکون لائقة بمکانته الاجتماعیة ومناسبة لحاله ومقامه، وأما إذا کان زائدا فهو لیس من المئونة، ویضمن خمسه، وسوف یأتي شرحه في ضمن البحوث القادمة.

وتدل علی ذلک مجموعة من الروایات:

منها: قوله  في صحیحة علي بن مهزیار: «فکتب وقرأه علي بن مهزیار: علیه الخمس بعد مئونته ومئونة عیاله»(الوسائل باب: 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس الحدیث: 4).

2- الفیّاض: علی الأظهر، وقد استدل علی عدم وجوب الخمس فیه بوجوه..

الأول: ان الخمس لو کان واجبا فیه لاستهر وبان علی أساس کثرة الابتلاء به في کل عصر وزمن، بل في کل یوم، مع ان الروایات خالیة عنه سؤالا وجوابا، وعدم تعرض الفقهاء له غیر أبي الصلاح.

والجواب: إن مسألة الخمس في الجملة وإن کانت ضروریة، الّا ان سعة هذه المسألة وشمولیتها لکل فائدة وغنیمة محل الخلاف بین الأصحاب، ولا تکون هذه المسألة بتمام حدودها الکمي والکیفي واضحة کسائر العبادات، باعتبار أنها لما کانت مرتبطة بذوي القربی وهم اهل بیت النبي الاکرم6 ومجعولة لهم للحفاظ علی مکانتهم عند الله تعالی وعلو مقامهم في المجتمع کانت لها حساسیة من مختلف الجوانب، فمن أجل ذلک لا تساعد الظروف لبیانها بکل حدودها وسعتها في کل وقت وزمن، وعلی هذا الأساس فمجرد خلو الروایات عن وجوب الخمس في المیراث خاصة لا یدل علی عدم وجوبه فیه، لاحتمال الاکتفاء باطلاقات أدلته من الکتاب والسنة.

وأما عدم القائل من الفقهاء بوجوب الخمس فیه فلا یکشف عن عدم  وجوبه في زمن الأئمة الأطهار: ووصوله إلیهم یدا بید، علی أساس ان جماعة منهم قد صرحوا بدن عدم وجوب الخمس فیه انما هو من جهة عدم صدق الفائدة علیه، وجماعة أخری منهم قد استندوا إلی صحیحة علي بن مهزیار،  بدعوی دلالتها علی عدم وجوب الخمس فیه بملاک مفهوم الوصف.

فالنتیجة ان هذا الوجه لا یتم وإن کان لا بأس به للتأیید.

الثاني: ان تقیید وجوب الخمس في المیراث بغیر المحتسب في صحیحة علي بن مهزیار(الوسائل باب: 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس الحدیث: 5) یدل علی نفي وجوبه عن المیراث المحتسب علی أساس مفهوم الوصف.

والجواب: انا قد ذکرنا في علم الأصول ان الوصف لا یدل علی المفهوم، والقول به مبني علی الخلط بین دلالته علیه ودلالته علی أن موضوع الحکم في القضیة حصة خاصة وهي الحصة المقیدة بهذا القید دون الطبیعي الجامع، والوصف انما یدل علی الثاني دون الأول، علی أساس ظهوره في الموضوعیة والاحترازیة وعدم کونه لغوا وجزافا، ونتیجة ذلک انتفاء شخص الحکم في القضیة بانتفائه من باب انتفاء الحکم بانتفاء موضوعه وهو عقلي لا یرتبط بدلالة القضیة علی المفهوم أصلا، وعلی هذا فالصحیحة لا تدل علی انتفاء وجوب الخمس عن المیراث المحتسب بملاک دلالتها علی المفهوم.

الثالث: ان موضوع وجوب الخمس الفائدة والغنیمة، وهي لا تصدق علی المیراث، وغیر خفی ان هذا الدلیل بهذا المقدار من البیان لا یفی ولا یتم، إذ لا شبهة في أن المیراث فائدة یستفید منها الوارث، وانما الکلام في ان الموضوع وجوب الخمس هل هو مطلق الفائدة المالیة التي وصلت إلی شخص وإن لم یکن وصولها مستندا إلیه بنحو من الأنحاء، أو الفائدة المالیة التي یکون وصولها مستندا إلیه ولو بنحو الجزء الأخیر من العلة التامة؟ فعلی الأول یکون المیراث داخلا في موضوع وجوب الخمس، وعلی الثاني فلا، الظاهر من الأدلة هو الثاني فان قوله7 في صحیحة علي بن مهزیار: «فالغنائم والفوائد یرحمک الله فهي الغنیمة یغنمها المرء والفائدة یفیدها» یدل علی ان موضوع وجوب الخمس الفائدة التي یکون ایجادها وإحداثها مستندا إلی فعل الشخص ولو بالواسطة، وکذلک قوله7 في موثقة سماعة: «في کل ما أفاد الناس من قلیل أو کثیر»(الواسئل باب: 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس حدیث: 6) ونحوهما.

فالنتیجة: ان المستفاد من الأدلة ان موضوع وجوب الخمس الفائدة التي یستفیدها المرء والغنیمة یغنمها، وهذا العنوان لا یصدق علی المیراث، فانه وإن کان فائدة تصل إلی الوارث الّا انه لا یصدق علیه انه فائدة یفیدها الوارث، بل هو فائدة أفادها الله تعالی للوارث، فمن أجل ذلک لا یجب الخمس فیه، وبذلک یفترق المیراث عن الهبة والهدیة والجائزة ونحوها إذ یصدق علی المال الموهوب انه فائدة یستفیدها الموهوب له بقبضه ایاه، فانه لو لم یقبضه لم یکن فائدة له، وکذلک الحال في الهدیة والجائزة ونحوهما.

3- الفیّاض: بل هو الأظهر، ویدل علی قوله7 في صحیحة علي بن مهزیار: «والمیراث الذي لا یحتسب من غیر أب ولا ابن»(الوسائل باب: 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس الحدیث: 5).

4- الفیّاض: في التقیید به اشکال بل منع، فانه بحاجة إلی دلیل، والنص الوارد في المقام خال عنه لأنه انما یدل علی وجوب الخمس في المیراث الذي لا یحتسب، أي لم یکن بالحسبان والتصور، ومن المعلوم ان ذلک لا یتوقف علی أن یکون الوارث جاهلا بوجود المورث ولم یکن في بلده، بل وإن کان عالما بوجوده وکان في بلدته، فمع ذلک لا مانع من تحققه، فان المعیار في ذلک انما هو بعدم کون وصول المیراث منه الیه في حسبانه وتصوره یوما من الأیام، اذ لا یحتمل عادة أنه یموت ویموت معه جمیع من کان في مرتبة متقدمة علیه، وهو یظل حیا ووصل میراثه إلیه، ففي مثل ذلک اذا مات اتفاقا مع کل معه من متعلقاته بسبب حادثة أرضیة کالزلزلة أو نحوها، أو سماویة وقعت صدقة من دون أن یکون وقوعها مرجوا ووصل میراثه إلیه فهو مما لا یحتسب ومورد النص، فاذن لا وجه للتقیید بعدم العلم ولا بکونه في بلدة بعیدة، أو فقل: ان النص في المسألة یدل علی التقیید بعدم کون الرحم أبا ولا ابنا له، ولا یدل علی أکثر من ذلک.

5- الفیّاض: بل هذا هو الأظهر علی أساس ان الحاصل ملک للموقوف علیه تبعا للوقف، ولا یتوقف علی القبض، وعندئذ فیدخل في الفائدة التي یستفیدها المرء فیعمه اطلاق دلیل وجوب الخمس، وکذلک الحال في الوقف العام شریطة القبض، باعتبار ان الموقوف علیه في هذا الوقف الّا به، وبذلک یفترق الوقف العام عن الوقف الخاص، فان المال الموقوف في الوقف الخاص اذا خرج عن ملک الواقف دخل في ملک الموقوف علیه مباشرة، ومعه بطبیعة الحال یکون نماؤه له، وهذا بخلاف المال الموقوف في الوقف العام، فانه إذا خرج عن ملک الواقف دخل في ملک العنوان العام دون الأفراد، فکل فرد  من افراده لا یملک نماءه الّا بالقبض.

6- الفیّاض: بل هو الأقوی لأن الفرد المنذور له یملک المال المنذور بالقبض، فاذا قبضه ملک، وحینئذ فیدخل في الفائدة، فیجب أن یخمس شریطة أن یبقی إلی نهایة سنة المئونة، فیکون حال هذه النذور حال الهبات والهدایا.

7- الفیّاض: فیه ان الأظهر وجوب الخمس في عوض الخلع، واما في المهر فان کان بقدر شئون  المرأة ومکانتها فالظاهر عدم وجوب الخمس فیه، لأنه یکون حینئذ من المئوئة، وإن کان ازید من شئونها وجب الخمس في الزائد.

بیان ذلک: ان الظاهر عدم الفرق بینهما في صدق الفائدة علیهما عرفا.

ودعوی: أن عوض الخلع انما هو بازاء رفع الزوج یده عن زوجیّة المرأة وسلطانه علیها، والمهر انما هو بازاء ما تمنحه المرأة من اختیار بضعها وزمام أمرها بیده، فلذلک لا یصدق علیهما الفائدة والغنیمة.

مدفوعة بأن المانع من صدق الفائدة لیس مطلق المعاوضة بین شیئین، وانما هو المعادلة بین المالین بأن یصرف ألف دینار – مثلا – ویستفید ما یعادل هذا المبلغ فقط، أو یعطی شخصا مبلغا ویأخذ منه ما یعادله من المال وهکذا، فانه حینئذ لا فائدة أصلا باعتبار انه بقدر ما استفاده من المال قد خسر بهذا القدر في طریق الوصول الیه، وبما أن في المسألة لیست المعادلة بین المالین في کلا الموردین، فلا مانع من صدق الفائدة علیهما.

أما في المورد الأول فلأن رفع الزوج یده عن زوجیة المرأة وسلطانه علیها لیس بمال لدی العرف والعقلاء وإن کان یبذل بازائه المال، وعلیه فما أخذه الزوج عن الزوجة من المال ازاء ذلک فائدة لدی العرف حیث لم یذهب من کیسه ما یعادله من المال فیجب خمسه.

والنکتة في ذلک ان موضوع وجوب الخمس هو الفائدة المالیة ویدور وجوبه مدار صدقها وجودا وعدما، ولا فرق بین أن یکون تحصیلها بانفاق عمل وبذل جهد في سبیلها، أو برفع الید عن سلطنته علی زوجیة امرأة، فان مجرد ان انفاق العمل وبذل الجهد مما له مالیة لدی العرف والعقلاء ویبذلون المال بازائه لا یمنع عن صدق الفائدة علیه، بنکتة ان ترک الانفاق والبذل في سبیل الحصول علی الفائدة لا یعد بنظر العرف خسارة حتی یکون الانفاق والبذل في سبیله تدارکا لها، وکذلک رفع الید عن زوجیة المرأة والسلطنة علیها، فانه لیس بنظر العرف خسارة مالیة حتی یمنع عن صدق الفائدة علی ما أخذه الزوج ازاء ذلک من المال.

واما المورد الثاني، فلأن المهر وإن کان عوضا عن منح المرأة بضعها باختیار الرجل وزمام أمرها بیده، ولکن بما أن سلطنتها علی البضع لیست بمال لدی العرف والعقلاء فلا یقال أنها صاحبة المال باعتبار وجدانها لهذه السلطنة وأنها غنیة ولیست بفقیرة، فما تأخذه بازاء ذلک من المال باسم المهر فهو فائدة، وهذا نظیر الأجیر الذي یجعل زمام أمره بید المستأجر في مدة الاجارة لقاء أجرة معینة، مع انه لا شبهة في صدق الفائدة علیها رغم انها عوض عن العمل الذي هو مملوک ذاتا للأجیر وله مالیة، ویبذل بازائه المال.

ودعوی أن المقام یفترق عن الاجارة فان في باب الاجارة سواء أکان متعلقها عملا أم کان منفعة لیس له بقاء وقرار، ولا یمکن الحفاظ علیه، ومن هنا لو لم ینتفع به لا المالک ولا غیره لکان تالفا، فمن أجل ذلک إذا أجر نفسه أو داره من زید – مثلا – لقاء أجرة معینة صح أن یقال انه افاد واستفاد، وهذا بخلاف الزوجیة، اذ للزوجة أن تحتفظ سلطنتها علی نفسها ومالکیتها لأمرها، وبما أن لهذه السلطنة بقاء وثباتا کما أن لها بدلا لدی العرف والعقلاء وهو المهر فلذلک لا یصدق علیه الفائدة.

مدفوعة بأنه لا فرق بین المقام وباب الاجارة، وذلک لأن المهر انما هو بازاء الانتفاع من بضع المرأة، والفرض انه لیس له بقاء وثبات کالمنفعة والعمل في باب الاجارة، کما أن الأجیر فیه یقوم بتملیک عمله أو منفعة داره لقاء أجر معین، کذلک المرأة في باب النکاح تقوم بتملیک منفعة بضعها لقاء مهر، فلا فرق، ولازم هذا التملیک في الأول ارتفاع سلطنة الأجیر علی نفسه أو ماله وانتقالها إلی المستأجر، وفي الثاني ارتفاع سلطنة المرأة علی بضعها وانتقالها إلی زوجها.

فالنتیجة ان المهر لیس في مقابل رفع الزوجة یدها عن سلطنتها علی بضعها مباشرة، کما أن الاجر في باب الاجارة لیس بازاء رفع الأجیر یده عن سلطنته علی عمله مباشرة وإن کان ذلک لازم صحة الاجارة والنکاح في کلا البابین.

ثم ان منفعة الدار أو البضع أو الشخص وإن کانت مالا، وتبذل الأموال بازائها، ولکن مع ذکل تعد تلک الأموال المبذولة بازائها فائدة لصاحبها، علی أساس انه اذا ترک الانتفاع بها لقاء مال لم یکن ذلک خسارة مالیة له عرفا لکي یمنع عن صدق الفائدة علی المال المأخوذ بازائها، وعلی ضوء هذه النکتة فالمهر فائدة، هذا اضافة إلی أنه لیس في باب النکاح معاوضة حقیقة بین البضع والمهر.

وقد یستدل علی عدم وجوب الخمس في المهر بالسیرة القطعیة بین المتشرعة، وهي تکشف عن عدم وجوبه في الشرع، باعتبار أن المسألة لما کانت عامة البلوی بین الناس في کل الأعصار والأزمان، فلو کان الخمس فیه واجبا لأصبح من الضروریات الفقهیة.

والجواب.. أولا: ان المسألة لیست اتفاقیة لدی الأصحاب، غایة الأمر انها مشهورة بین المتأخرین.

وثانیا: مع الإغماض عن ذلک وتسلیم ان السیرة بین المتأخرین جاریة علی عدم الوجوب الّا انها انما تکون ذات قیمة اذا احرز اتصالها بزمان المتقدمین الذین یکون عصرهم متصلا بعصر أصحاب الأئمة: حتی تکشف عن أنها وصلت إلینا من زمانهم: یدا بید وطبقة بعد طبقة، ومن المعلوم انه لا طریق لنا الی احراز ذلک أصلا، فاذن لا قیمة لها، هذا.

والصحیح في المقام أن یقال: ان المهر وإن کان فائدة، ولکن مع ذلک لا یجب علی المرأة اخراج الخمس منه شریطة أن یکون بقدر شئونها ومکانتها في المجتمع، فانه حینئذ یکون من المؤونة المستثناة من الفوائد.

نعم، اذا کان زائدا علی شئونها ومکانتها الاجتماعیة وجب علیها أن تخمس الزائد، فاذن وجوب الخمس فیه وعدم وجوبه یدوران مدار کونه زائدا علی مکانتها ومناسبة حالها وعدم کونه زائدا علیها، لا مدار صدق الفائدة علیه وعدم صدقها.

مسالة 50: اذا علم انّ مورّثه لم‌يؤدّ خمس ما تركه، وجب اخراجه(1) ؛ سواء كانت العين الّتي تعلّق بها الخمس موجودة فيها، او كان الموجود عوضها، بل لو علم باشتغال ذمّته بالخمس وجب اخراجه من تركته مثل سائر الديون.

1- الفیّاض: في الوجوب اشکال بل منع، لما یأتي في آخر الکتاب من أن صحیحة سالم بن مکرم أبو خدیجة ناصة في تحلیل المیراث المتعلق للخمس للوارث، ومقتضی اطلاقها عدم الفرق بین أن المیت ممن کان ملتزما بالخمس ولکن مات في أثناء السنة، أو کان غیر ملتزم به وإن کان معتقدا، أو انه ممن کان لا یعتقد به، وعلی هذا فلا وجه للالتزام بوجوب اخراج الخمس في الفرض الأول دون الفرضین الأخیرین، وتمام الکلام في ذلک في محله.

 

 مسالة 51: لا خمـس فيـما مـلـک بـالـخـمـس او الـزكـاة (1)او الصدقة  المندوبة(2) وان زاد عن مؤونة السنة؛ نعم، لو نمت في ملكه، ففي نمائها يجب ، كسائر النمائات.

1- الفیّاض: فیه اشکال بل منع، والأظهر وجوب الخمس فیه شریطة أن یملک المستحق زائد علی مئونة السنة، وعلی هذا فبناء علی ما قویناه من أن المستحق لا یملک الزائد علی مئونة سنته ولو بالأخذ مرة واحدة، بل لو أخذ بمقدار مئونة السنة ولکن بقي منه شيء في نهایة السنة بسبب أو ب آخر کشف عن انه لم یملکه من الأول، باعتبار ظهور روایات المؤونة في ان المستثنی من الخمس انما هو صرفها في أثناء السنة لا مقدارها وإن لم یصرفه؛ لا موضوع للبحث عن هذه المسألة.

نعم، علی القول بأن المستحق یملک الزائد علی المؤونة یقع الکلام في تعلق الخمس به وعدمه، فذهب الماتن الی عدم التعلق، وقد یستدل علیه بأمرین..

أحدهما: ان المستحق للخمس او الزکاة لما کان مالکا له فدفعه إلیه بما أنه دفع لما یطلبه ویملکه، فمن أجل ذلک یشکل صدق الفائدة علیه.

والجواب.. أولا: ان المالک انما هو الطبیعي الجامع دون الفرد المستحق، فانه لا یملکه الّا بالقبض خارجا، وعلیه فلا یکون دفع الخمس الیه دفع لما یطلبه ویملکه.

وثانیا: علی تقدیر تسلیم انه مالک، الّا ان ملکیته محدودة بمقتضی الروایات بمقدار مئونة السنة دون الأکثر، وعلیه فدفع مقدار المؤونة الیه دفع لما یطلبه ویملکه، وأما دفع الزائد فلا یکون مصداقا له، وحینئذ فاذا ملک الزائد بالقبض فهو فائدة.

وثالثا: مع الاغماض عن ذلک وتسلیم انه مالک للزائد أیضا، الّا ان لازم هذا کون الزائد فائدة وان لم یدفع الیه، کما هو الحال في الدین وفیما یطلبه الأجیر من المستأجر فانه فائدة قبل دفعة الیه شریطة أن یبقی بعد المؤونة.

والآخر: ان تعلق الخمس بما ملک مستحقه من الخمس أو الزکاة یکون مردّه إلی تعلق ملکه بملکه، وهو تحصیل الحاصل.

والجواب: ان ذلک مبني علی أن الخمس ملک لآحاد فقراء السادة، والزکاة ملک لآحاد فقراء غیر السادة، ولکن الأمر لیس کذلک، فان المالک في کلا الموردین هو الطبیعي دون الآحاد، فاذن لا موضوع لهذا الاشکال.

2- الفیّاض: فیه ان الظاهر تعلق الخمس بها شریطة أن تزید علی مؤنة السنة لمکان صدق الفائدة علهیا حینئذ.

 

 مسالة 52: اذا اشترى شيئا ثمّ علم انّ البايع لم‌يؤدّ خمسه، كان البيع بالنسبة الى مقدار الخمس فضوليّا(1) ، فان امضاه الحاكم رجع عليه بالثمن، ويرجع هو على البايع اذا ادّاه؛ وان لم‌يمض، فله ان ياخذ مقدار الخمس من المبيع، وكذا  اذا انتقل اليه بغير البيع من المعاوضات؛ وان انتقل اليه بلاعوض، يبقى مقدار خمسه على ملک اهله.

1- الفیّاض: في اطلاقه اشکال بل منع، فان البیع انما یکون فضولیا بالنسبة إلی مقدار الخمس اذا لم یکن المشتري ممن شملته اخبار لتحلیل، فانه حینئذ تتوقف صحته علی أحد أمور، وقد تقدم الاشارة الیها في ضمن البحوث السالفة منها المسألة (39)، وأما إذا کان المشتري ممن شملته تلک الأخبار فالبیع صحیح بالنسبة إلی الکل، وینتقل الخمس إلی ذمة البائع.

 

 مسالة 53: اذا كان عنده من الاعيان الّتي لم‌يتعلّق بها الخمس او تعلّق بها لكنّه ادّاه، فنمت وزادت زيادة متّصلة او منفصلة، وجب الخمس في ذلک النماء ؛ وامّا لو ارتفعت قيمتها السوقيّة من غير زيادة عينيّة، لم‌يجب خمس تلک الزيادة، لعدم صدق التكسّب ولاصدق حصول الفائدة(1)؛ نعم، لو باعها، لم‌يبعد  وجوب خمس تلک الزيادة من الثمن؛ هذا اذا لم‌تكن تلک العين من مال التجارة وراس مالها، كما اذا كان المقصود من شرائها او ابقائها في ملكه الانتفاع بنمائها او نتاجها او اجرتها او نحو ذلک من منافعها؛ وامّا اذا كان المقصود الاتّجار بها، فالظاهر وجوب خمس ارتفاع قيمتها بعد تمام السنة اذا امكن بيعها واخذ قيمتها.

1- الفیّاض: في عدم الصدق اشکال، ولا یبعد الصدق، ولتوضیح ذلک نذکر فیما یلی عددا من الصور والحالات في المسألة لکي یتاح للمکلف معرفة کل صورة وحالة مماثلة لهما.

الصورة الأولی:

رجل یغنم المال بالتداول والتکسب ببدل الجهد وانفاق العمل في سبیل ذلک، ونقصد بالتداول مجموع من عملیات التجارة التي تعم عقود المقایضة من بیع أو نحوه والصناعات الاستنتاجیة والاستخراجیة، ویقصد من وراء هذه العملیة جمع المال والثروة. ولهذه الصورة حالات..

الأولی: أن تکون التداول والاتجار بالأرباح والفوائد في أثناء السنة وقبل أن یحول الحول علیها، کما اذا فرض انه وصل الیه مال کثیر هدیة ویجعله رأس مال له، ویقوم بعملیة التجارة فیه.

الثانیة: أن یکون بالارباح والفوائد التي حال علیها الحول کما من دون تخمیسها، کما إذا یقم بتخمیس ما افاده في السنة الأولی من تجارته ویواصل في التداول والاتجار به.

الثالثة: أن یکون بالفوائد المخمسة، کما اذا خمّس ما افاده في نهایة السنة، ثم یواصل الاتجار به.

الرابعة: أن یکون الفوائد المخلوطة من فوائد السنة وفوائد السنة الماضیة غیر المخمسة.

الخامسة: أن یکون بالفوائد المخلوطة من الفوائد المخمسة وغیر المخمسة.

الصورة الثانیة:

رجل یغنم المال بالعقود من بیع أو شراء ویقصد من وراء ذلک الحفاظ علی عین المال بغرض الانتفاع به، کما اذا اشتری دارا للاستفادة من منافعها، أو اشتری أرضا بغایة الانتفاع منها في المستقبل بجعلها دارا أو دکانا أو ما شاکل ذلک، ولها أیضا نفس تلک الحالات حرف بحرف.

الصورة الثالثة:

رجل یغنم المال بالهبة او الهدیة او الجائزة أو نحو ذلک.

اما الصورة الأولی: فالأظهر تعلق الخمس بارتفاع القیمة السوقیة في کل حالاتها اما في الحالة الأولی فالأمر ظاهر، لان نفس الاعیان الباقیة عنده في نهایة السنة بما أنها من ارباحها وفوائدها فهي بأنفسها متعلقة للخمس بمالها من ارتفاع قیمتها واما في الحالة الثانية فلأن عین الفوائد التي جعلها من رءوس امواله وإن لم تبق عنده باعتبار ان التجارة بها تتطلب تبدیلها باعیان وبدائل أخری، الّا انه یجب علیه في هذه الحالة خمسان:

أحدهما: خمس تلک الفوائد بقیمتها وقت التبدیل.

والآخر: خمس فوائد هذه السنة منها زیادة قیمة الاعیان والبدائل الباقیة عنده في نهایة السنة وارتفاعها، وعلیه فلا فرق بین هذه الحالة والحالة الأولی في النتیجة فانها وجوب خمس کل الأعیان الموجودة الباقیة عنده في نهایة السنة في کلتا الحالتین مثلا اذا کان رأس ماله عشرین ألف دینار غیر مخمس ویواصل في الاتجار به، وفي نهایة السنة اذا بلغ المجموع من رأس المال والفوائد الحاصلة خمسین الف دینار وجب علیه أن یخمس کل الخمسین بالنتیجة، کما کان الأمر کذلک في الحالة الأولی، هذا اذا لم تکن المعاملة علی عین الأموال، واما إذا کانت المعاملة علی عین تلک الأموال عنده وکانت باذن من الحاکم الشرعي، فعندئذ اذا ربح فیها یوزع الربح علیها بالنسبة، فما یوازي خمسها من الربح فهو تابع له في الملک، وما یوازي أربعة أخماسها فهو تابع لها، وعلیه ففي المثال المذکور یوزع الربح وهو ثلاثون ألف دینار علی مجموع رأس ماله وهو عشرون ألف دینار بالنسبة، فما یوازي خمسه ستة آلاف دینار، وعلیه فیکون الربح العائد إلی المالک أربعة وعشرین ألف دینار، فالنتیجة ان علی المالک، في هذا الفرض ان یعطي اربعة آلاف دینار خمسا من رأس المال في مفروض المثال وستة آلاف دینار من الارباح بعنوان فائدة الخمس ثم یخمس ما بقی عنده من الفائدة وهو اربعة وعشرون الف دینار فیبلغ مجموع ما یجب اخراجه علی المالک فیه أربعة عشر ألف وثمانمائة دینار وهذا البیان بعینه ینطبق علی الحالة الأولی شریطة ارتفاع قیمة العین عنده.

وأما في الحالة الثالثة فیجب خمس کل ما افاد وحصل من الفوائد في نهایة السنة باستثناء رأس المال منها ارتفاع قیمة الأموال والبدائل الموجودة عنده فعلا لمکان صدق الفائدة علیه عرفا، واما في الحالة الرابعة فیظهر حکمها مما مر في الحالة الأولی والثانیة، فان وظیفة المکلف في هذه الحالة اذا خمس کل الأموال الموجودة عنده فعلا في نهایة السنة بقیمتها الحالیة فقد برئت ذمته جزما بلافرق في ذلک بین أن تکون نسبة الاختلاط معلومة له أو مجهولة، ومن هنا قلنا انه لا فرق بین الحالة الأولی والثانیة في النتیجة.

واما في الحالة الخامسة، فان کانت نسبة الاختلاط معلومة استثنی م رءوس امواله مقدار المال المخمس علی أساس قیمته وقت تبدیله بمال آخر ثم یخمس الباقي کلا أعم من فوائد السنة وما یعادل المال المخمس.

مثال ذلک: اذا کان مجموع رءوس أمواله عشرین ألف دینار – مثلا – وکان مقدار المخمس منه عشرة آلاف والربح الحاصل من الاتجار بها طول السنة بلغ عشرین ألف دینار وفي هذه الحالة یستثنی العشرة ویخمس کل الباقي المتمثل في ثلاثین ألف دینار، وبذلک تیقن بالبراءة، وإن کانت مجهولة استثنی من الأموال الموجودة عنده في نهایة السنة ما یعادل المقدار المتیقن من المال المخمس، ویخمس من تلک الأموال ما یعادل المقدار المتیقن من المال غیر المخمس حتی یطمئن ببراءة ذمته منه، کما ان علیه أن یخمس الفوائد الحاصلة في هذه السنة الباقیة عنده في نهایتها، هذا کله مما لا کلام فیه، وانما الکلام في أنه هل یجب الخمس في المقدار المشکوک کونه من المخمس أو غیره؟ الظاهر الوجوب وذلک للاستصحاب، بتقریب ان المالک کان یعلم بتعلق الخمس به ویشک في اخراجه منه، فلا مانع من استصحاب بقائه، ویترتب علیه وجوب خمسه وضمانه إذا أتلفه بتبدیله بشيء آخر. وفي المقام بما ان المالک قد اتلفه فیضمن خمسه ویجب علیه حینئذ ان یخرج عن عهدته باخراج الخمس عما یعادل المال المشکوک من الأموال الموجودة عنده في نهایة السنة فعلا.

مثال ذلک: اذا کان رءوس أمواله عشرة آلاف دینار، وعلم بأن أربعة منها مخمسة جزما وأربعة منها غیر مخمسة کذلک، واثنان منها مشکوک، ولا یعلم أنه مخمس أو لا، وفي مثل هذه الحالة إذا قام المالک بالاتجار بها واستمر فیه الی نهایة السنة وبلغ في النهایة مجموع الأموال عنده فعلا أعم من رءوس أمواله وفوائدها عشرین ألف دینار، فیستثنی منها أربعة آلاف ویخمس الباقي کلا حتی یکون علی یقین من براءة ذمته عن الخمس ویبقی الصافي عنده ست عشرة ألف وثمانمائة دینار.

وأما الصورة الثانیة: فلا اشکال في أن ارتفاع القیمة متعلق للخمس في الحالة الأولی علی أساس أن العین بنفسها من فوائد السنة وأرباحها، وکذلک الأمر في الحالة الثانیة، باعتبار أن نفس العین متعلقة للخمس، فاذا ارتفعت قیمتها فبطبیعة الحال ارتفعت بکل أخماسها، ونتیجة ذلک أن ما یوازی خمس العین من ارتفاع القیمة ملک لأهل الخمس تبعا له یوازی اربعة اخماسها ملک للمالک لها تبعا وعلی هذا فیجب علی المالک ان یخرج خمس العین بقیمتها الحالیة ثم یخمس ما یوازی اربعة اخماسها من ارتفاع قیمتها والفوائد التي نتجت من الاتجار بها في أثناء السنة.

مثال ذلک: اذا کانت العین التي هي رأس المال تعادل عشرة آلاف دینار ثم ارتفعت قیمتها ووصلت في نهایة السنة الی عشرین ألف، والفوائد الناتجة من الاتجار بها عشرة آلاف ففي مثل ذلک یجب اخراج خمس العین بقیمتها فعلا وهو ما یعادل أربعة آلاف دینار ثم یخمس ارتفاع قیمة أربعة اخماسها مع الفوائد التي حصل علیها فیکون المجموع ثمانیة عشر ألف دینار وخمسه ثلاثة آلاف وستمائة دینار فاذن مجموع ما وجب اخراجه في المثال سبعة آلاف وستمائة دینار وبه یظهر الحکم في الحالة الأولی فالنتیجة ان ما ذکرناه ضابط عام ینطبق علی کل ما یکون مماثلا لهذه الحالة هذا ظاهر، وانما الکلام في ارتفاع القیمة في الحالة الثالثة، هل هو متعلق للخمس أو لا؟ فیه وجهان: ولا یبعد الوجه الأول، فان ارتفاع القیمة وإن کان لا واقع موضوعي له في الخارج، الّا انه لما کان زیادة في مالیة المال ویبذل العقلاء بازاء هذه الزیادة مالا فمن أجل ذلک لا یبعد صدق الفائدة علیه وإن لم یکن في اموال التجارة. فاذا اشتری دارا – مثلا – للاستفادة من ایجارها بألف دینار، ثم زادت قیمتها واصبحت الفین أو أکثر فلا یبعد صدق الفائدة علی هذه الزیادة، اذ لا نقصد بالفائدة الّا الزیادة في المالیة سواء أکانت عینیة أم کانت قیمیة، ولا یتوقف هذا الصدق علی بیعها بألفین، فان مالیتها زادت باعها أو لم یبعها، ولذلک تصدق الفائدة علی هذه الزیادة في مال التجارة وإن لم یبعه، ولیس صدقها بملاک انه في معرض البیع والشراء حتی یکون عنائیا، بل بملاک أنها نفع وربح بنظر العرف والعقلاء فعلا.

ودعوی ان الظاهر من الفائدة والغنیمة هو الزیادة في المال عینا وهي لا تتحقق بزیادة القیمة فانها لیست زیادة في المال وانما هي زیادة في مالیة المال التي هي أمر اعتباري لا واقع له في الخارج ومنتزعة من وجود الراغب والباذل فیه.

مدفوعة بان المعیار في صدق الفائدة لدی العرف العام انما هو بزیادة مالیة المال سواء أکان منشأها زیادة علینیة أم کان وجود الراغب له والباذل، علی أساس قانون العرض والطلب.

فانتیجة ان العبرة في صدق الفائدة والنفع انما هي بزیادة مالیة المال سواء أکان منشأها الزیادة العینیة أم کان منشأها زیادة الطلب وقلة العرض، باعتبار ان مالیة المال لدی العرف والعقلاء توزن بمقیاس القیمة عندهم التي تتبع غالبا مستوی المعادلة بین قانون العرض والطلب، فان کانا متکافئین فالقیمة متعادلة، وإن کان الطلب اکثر ازدادت القیمة بمستوی الطلب، وإن کان الطلب أقل من العرض نقصت القیمة بذلک المستوی، وقد تصل الی أدنی مستواها اذا وصل الطلب الی ذلک المستوی، وعلی هذا فوجوب الخمس في زیادة القیمة وارتفاعها في هذه الحالة أیضا لو لم یکن أظهر فلا شبهة في انه أحوط وأجدر، وبذلک یظهر حکم الحالة الرابعة، فان علی المالک فیها أن یخمس الأموال الموجودة عنده فعلا بقیمتها الحالیة، فاذا صنع ذلک برئت ذمته من الخمس بلافرق بین أن یعلم نسبة الاختلاط بین الربح السابق والربح في أثناء السنة، أو لا یعلم، فانه علی کلا التقدیرین اذا خمس الأموال الباقیة عنده في نهایة السنة بقیمتها الفعلیة کفی. واما الحالة الخامسة فیظهر حکمها مما مر في الحالة الخامسة للصورة الأولی، وملخصه ان المالک اذا علم بالنسبة تفصیلا استثنی المقدار المخمس من الأموال الباقیة عنده في نهایة السنة ویخمس الباقي کلا، وإن لم یعلم بالنسبة کذلک استثنی المقدار المتیقن من المخمس منها ویخمس کل الباقي حینئذ حتی المقدار المشکوک للاستصحاب کما مر.

واما الصورة الثالثة: فیظهر حکمها مما مر في الحالة الثالثة للصورة الثانیة، فان المال الموهوب أو المهدی اذا زادت قیمته وارتفعت في ملک الموهوب له صدق انه زاد في مالیة ماله، فاذن لا یبعد صدق الفائدة علیها عرفا، فلذلک لو لم یکن وجوب الخمس فیها اظهر فلا أقلّ انه احوط واجدر وبذلک یظهر حال کل ما ذکره الماتن في المسألة.

 

 مسالة 54: اذا اشترى عينا للتكسّب بها، فزادت قيمتها السوقيّة ولم‌يبعها غفلةً او طلبا للزيادة ثمّ رجعت قيمتها الى راس مالها او اقلّ قبل تمام السنة، لم‌يضمن خمس تلک الزيادة، لعدم تحقّقها في الخارج؛ نعم، لو لم‌يبعها عمدا بعد تمام السنة  واستقرار وجوب الخمس، ضمنه(1) 1- الفیّاض: هذا هو الأظهر علی أساس أنه قد فوّت الخمس علی أهله بتقصیره وتسامحه في اخراجه وایصاله إلی اهله، وفي مقابل ذلک دعویان..

أحدهما: ان سبب الضمان وموضوعه شرعا وعرفا هو تلف المال عینا أو وصفا سواء أکان بالاتلاف أم کان بحادث سماوي أو أراضي شریطة أن یکون ذلک مستندا إلی التقصیر والتسامح، واما نقصان القیمة وتنزیلها بسبب الاختلال في موازین المعادلة بین قانون العرض والطلب، أو بسبب آخر، بما أنه لیس مصداقا لتلف المال لا عینا ولا وصفا، فلا یترتب علیه حکمه وهو الظمان، ومن هنا یقال في العرف أن قیمته نقصت أو زادت، فلا یقال أنها تلفت، وعلی هذا فالمشتري وإن عصی في تأخیر اخراج الخمس للتقصیر والتسامح فیه، الا أنه لا یضمن ما ورد علیه من النقص في القیمة والمالیة.

والجواب: ان سبب الضمان عنصران..

أحدهما: الید.

والآخر: الإتلاف.

اما العنصر الأول فالواجب علی صاحب الید العادیة أن یرد العین إلی مالکها إن کانت، والّا فبدلها من المثل أو القیمة، واذا ارتفعت قیمتها في مدة ثم رجعت إلی مستواها الأول لم یضمن ارتفاع القیمة في مقابل ضمان العین لأن ضمانها من شئون ضمان العین، ولیس ضمانا آخر مستقلا باعتبار أن القیمة تتبع العین وجودا وعدما، وحدوثا وبقاء، فلا یصدق الاتلاف علی رجوع قیمتها ونقصها ما دامت العین باقیة، لأن اتلافها انما هو باتلاف العین، ولیس اتلافا آخر في مقابل اتلافها، والنکتة في ذلک ان العین إذا کانت مغصوبة بنفسها فلا نظر لها إلی قیمتها الّا في إطار العین، فاذن المعیار انما هو بالعین بمالها من المالیة، ویدور الضمان مدارها، ولا موضوعیة لارتفاع قیمتها الّا في اطارها، فاذا نزلت فلا اثر لنزولها ما دامت العین باقیة، فمن أجل هذه النکتة لا یکون الغاصب ضامنا لارتفاع قیمة العین المغصوبة إذا نزلت زائدا علی ضمان العین، واما العنصر الثاني فلأن تلف مال مالک محترم موجب للضمان سواء کان باتلاف الشخص ایاه، أم کان بسبب حادث ارضی أو سماوي شریطة أن یکون مستندا إلی تقصیره وتسامحه، ولا فرق في ذلک بین اتلاف العین واتلاف الصفة، کما أنه لا فرق بین أن تکون الصفة من الصفات الخارجیة کالصحة أو نحوها، أو الاعتباریة لدی العرف والعقلاء کزیادة المالیة علی أصل مالیتها کما في المقام، فان الخمس فیه تعلق بزیادة قیمة العین وارتفاعها لا بأصل قیمتها، فانه ملک خالص للمالک، وحیث ان اخراج الخمس من تلک الزیادة کان واجبا علیه ولکن أخره عامدا وملتفتا إلی عدم جوازه إلی أن نقصت قیمتها ورجعت إلی مستواها الأول صدق انه قد فوت الخمس علی أهله، وبما انه کان عن تقصیر وتسامح فیتحقق به موضوع الضمان وهو تفویت مال الغیر عینا أو صفة عامدا وملتفتا إلی الحکم الشرعي، وبذلک یفترق المقام عن ارتفاع قیمة العین المغصوبة التي هي تحت ید الغاصب، وقد مر انه لا یکون ضامنا له اذا رجعت ونقصت علی أساس انه لا یصدق علیه التفویت هناک ما دامت العین باقیة.

والأخری: ان الضمان في المسألة انما هو بالنسبة، یتقریب أن متعلق الخمس هو العین الخارجیة علی نحو الاشاعة، وعلی ذلک فالخمس تعلق بها بلحاظ ارتفاع قیمتها لا بلحاظ أصل القیمة.

مثلا ذلک: اذا افترضنا ان نسبة ارتفاع القیمة إلی أصلها نسبة النصف بنحو الاشاعة، کما إذا اشتری عینا بقیمة خمسین دینارا فزادت قیمتها ووصلت في نهایة السنة إلی مائة دینار، ففي مثل ذلک تعلق الخمس بعشر العین، بمعنی أن عشر کل جزء من اجزائها للإما7 والسادة، وتسعة أعشارها للمالک، وعلیه فاذا رجعت قیمتها ونزلت بعد نهایة السنة إلی الخمسین وجب علیه اخراج العشر من الباقي، وهذا معنی بالضمان بالنسبة،

فالنتیجة ان المراد بالضمان هنا لیس اشتغال الذمة بالبدل من المثل أو القیمة، بل المراد منه اخراج الخمس من الباقي بالنسبة.

والجواب: ان الخمس قد تعلق بنفس زیادة مالیة العین، لأنها بالنسبة علی أساس صدق الفائدة علیها التي هي موضوع وجوب الخمس، والفرض أنها کما تصدق علی العین الخارجیة ومنفعتها کذلک تصدق علی زیادة مالیتها في الخارج، ولا مقتضی لتخصیص متعلق الخمس بالاعیان الخارجیة، ضرورة ان متعلقها بمقتضی الآیة الکریمة والروایات هو الفائدة والغنیمة التي یفیدها المرء ویغنمها، والمفروض أنها تصدق علی زیادة مالیة تلک الأعیان.

وإن شئت قلت: ان الخمس هي المقام تعلق بعنوان خاص ممیز له عن غیره، وهو عنوان الزیادة في مالیة المال، باعتبار صدق الفائدة علیها دون أصل مالیته فانه لم یکن متعلقا للخمس، کما إذا اشتری شخص مثلا شاة بقیمة خمسین دینارا للتجارة بها بثمن مخمس، ثم ارتفعت قیمتها أثناء السنة إلی أن وصلت في نهایة السنة إلی مأئة دینار – مثلا – ولم یخمس الزائد، وبعد ذلک رجعت قیمتها ونزلت إلی أن وصلت إلی مستواها السابق، ففي مثل ذلک یکون النقص بنظر العرف والعقلاء واردا علی خصوص ارتفاع قیمتها وزیادة مالیتها لا علی المالیة المشترکة بینهما، فان الزیادة والنقیصة انما تلحظان بالنسبة إلی أصل المالیة، فلابد أن یکون الأصل محفوظا في المرتبة السابقة، والسبب في وراء ذلک أن هذه الزیادة والنقیصة ترتبطان بقانون العرض والطلب غالبا، فان کان متکافئین کانت القیمة متعادلة وفرضنا أنها خمسون دینارا للشاة في المثال، وإن راد الطلب علی العرض زادت بنفس النسبة، وان نقص نقصت کذلک، وعلیه فتکون زیادة قیمة الشاة في المثال علی قیمتها المتعادلة ورجوعها الیها مرة ثانیة معلولین لزیادة الطلب علی العرض ورجوعه ثانیا إلی التکافؤ معه، فاذن کیف یمکن القول بأن النقص وارد علی مالیتها المطلقة بالنسبة.

فالنتیجة ان النقص تعلق به الخمس، وبما انه تعلق بمالیتها المعنونة بعنوان خاص وممیز وهو عنوان الزیادة، فلا محالة تعلق النقص بها، فمن أجل ذلک ینتفي وجوب الخمس بانتفاء موضوعه.

  مسالة 55: اذا عمّر بستانا وغرس فيه اشجارا ونخيلا للانتفاع بثمرها وتمرها، لم‌يجب الخمس في نموّ تلک الاشجار والنخيل(1)؛ وامّا ان كان من قصده الاكتساب باصل البستان(2)، فالظاهر وجوب الخمس  في زيادة قيمته وفي نموّ اشجاره ونخيله.

1- الفیّاض: في عدم الوجوب اشکال بل منع، والأقوی الوجوب لمکان صدق الفائدة علیه شریطة أن یوجب زیادة في مالیتها، وقد تقدم انه لا شبهة علی الظاهر في صق الفائدة علی الزیادة العینیة ولا فرق في ذلک بین أن یکون غرس الأشجار والنخیل بغایظ الاستفادة من منافعها ومنتجاتها کأغصانها وأثمارها وغیرهما في اشباع حاجاته الذانیة والمؤن الشخصیة حسب شئونه ومکانته فحسب، أو بغایة الاتجار والتداول بتلک المنافع والمنتجات منها لکي یخلق منفعة جدیدة أو الاستفادة من أصولها في عملیة البناء وغیرها مما لم تکن من المؤن، أو التجارة والمداولة بتلک الأصول حتی تخلق فوائد جدیدة. وعلی الثاني یجب أن یخمس نموها في کل سنة ما دامت تظل وتنمو باعتبار أنه فائدة، وعلی الأول یجب أن یخمسه في کل سنة إلی أن تثمر، فانها اذا بلغت إلی هذا الحد أصبحت فعلا من المؤونة، فاذا نمت بعد ذلک کان نماؤها المؤونة فلا یکون موضوعا للخمس وهذا نظیر ما إذا اشتری عددا من الشیاه للانتفاع بلبنها وسائر منتجاتها في حاجاته المؤنیة حسب مکانته، فانه یجب أن یخمس نموها کل سنة بملاک صدق الفائدة علیه کذلک إلی أن وصلت إلی حد الانتاج والانتفاع بها، وفي کل سنة وصلت إلی هذا الحد فیکون نماؤها بعد ذلک نماء المئونة، ولا یکون موضوعا للخمس ومشمولا لأدلته باعتبار ان النماء تابع للعین ومن شئونها ومراتب وجودها، فاذا کانت العین من المؤونة فبطبیعة الحال تکون منها بتمام مراتبها وشئونها.

ثم ان الظاهر ان الماتن أراد من هذه المسألة الفرض الأول بقرینة ما تقدم منه1 في المسألة (53) من وجوب الخمس في الزیادة العینیة في الفرض الثاني مطلقا، متصلة کانت أو منفصلة، ولکن علی الماتن حینئذ أن یفصل في المسألة بما مر من وجوب الخمس في نمائها ما لم تصل إلی حد الانتفاع بها والانتاج، علی ما سیأتي في ضمن البحوث القادمة من أن المراد من المؤن المستثناة من دلیل وجوب الخمس هو المؤن الفعلیة لا الأعم منها ومن الشأنیة، وعلی هذا فالاشیاء المذکورة ما لم تصل إلی حد الانتاج والانتفاع بها لم تعد من المؤونة فعلا.

بقي هنا مسألة وهي ان اشتری شاة مثلا في بدایة شهر رجب للانتفاع بلبنها وسائر منتجاتها في حاجاتها الذانیة مباشرة في المستقبل، وبعد مضي عام علیها یجب أن یخمس نماءها ثم بعد مضي مدة کستة أشهر – مثلا – دخلت الشاة في المئونة بوصولها إلی حد الانتاج والانتفاع بها فعلا، وفي هذه الحالة هل یجب خمس نمائها في هذه المدة؟ الظاهر الوجوب وذلک لما سوف نشیر إلیه في ضمن البحوث القادمة من أن موضوع وجوب الخمس حصة خاصة من الفائدة وهي الفائدة التي تبقی ولم تصرف في المئونة طول السنة، وعلیه فإذا لم یصرف ذلک النماء الحاصل لها في تلک المدة في المئونة أثناء السنة وجب اخرج خمسه في نهایة السنة.

2- الفیّاض: في التخصیص به اشکال بل منع، فان الأمر کذلک إذا کان قصده الاکتساب بمنافع البستان ومنتجاته أیضا مع الحفاظ علی عینه کما مر.

وإن شئت قلت: انه لا فرق بین أن یکون قصده الاکتساب بأصل البستان أو بمنافعه مع الحفاظ علی أصله، فانه علی کلا التقدیرین یجب خمس نمو أشجاره ونخیله، واما زیادة قیمته فقد تقدم انه لا یبعد وجوب خمسها علی التقدیر الثاني أیضا.

 

 مسالة 56: اذا كان له انواع من الاكتساب والاستفادة، كان يكون له راس مال يتّجر به وخان يوجره وارض يزرعها وعمل يد مثل الكتابة او الخياطة او النجارة او نحو ذلک، يلاحظ في اخر السنة ما استفاده من المجموع من حيث المجموع (1)، فيجب عليه خمس ما حصل منها بعد خروج مؤونته.

1- الفیّاض: في اعتبار مجموع الفوائد والأرباح المکتسبة من عملیة اکتساب واحد، أو انواع من الاکتساب في فترة محددة بسنة فائدة واحدة، ووجوب اخراج خمسها في نهایة السنة اشکال بل منع، توضیح ذلک، إن في المسألة قولین..

أحدهما: ما اختاره جماعة منهم السید الماتن من اعتبار مجموع الفوائد والأرباح المکتسبة في فترة زمنیة متمثلة في سنة فائدة واحدة، ولزوم اخراج خمسها بعد المؤونة في نهایة السنة بلافرق في ذلک بین دن یکون مبدأ السنة من أول الشروع في الکسب أو من حین ظهور الربح.

والآخر: ان کل فائدة مکتسبة من عملیة اکتساب واحد أو أنواع من الاکتساب موضوع مستقل لوجوب الخمس شریطة أن تبقی ولم تصرف في المئونة، وهذا القول هو الصحیح، والسبب في وراء ذلک أن مقتضی اطلاقات أدلة وجوب الخمس من الآیة الشریفة والروایات هو أن موضوع الفائدة والغنیمة التي یستفیدها المرء ویغنمها، ومن الطبیعي انه ینحل بانحلال افراده، فیکون کل فرد موضوعا مستقلا لوجوب الخمس لمکان صدق الفائدة علیه، واعتبار مجموع الفوائد والأرباح في طول السنة بضم بعضها إلی بعضها الآخر طولا وعرضا فائدة واحدة بحاجة إلی عنایة زائدة ثبوتا واثباتا، ولا قرینة علی ذلک. وفي ضوء ذلک لو کنا نحن وهذه المطلقات لکان مقتضاها وجوب اخراج خمس کل فائدة فورا کخمس المعادن والکنوز والغوص والمال المختلط بالحرام وغیرها، إلّا ان هناک روایات أخری تنص علی ان الخمس بعد المئونة، والمراد منها مؤنة الشخص حسب شئونه ومکانته الاجتماعیة، کما ان المراد منها مئونة السنة، اذ تحدیدها بمؤونة الیوم أو الأیام أو الشهر أو الشهور بحاجة إلی قرینة والا فالظاهر منها لدی العرف والعقلاء هو مؤنة السنة علی أساس ان المتعارف لدی التجار ورجال الأعمال هو انهم یحسبون في نهایة کل سنة من البدء بعملیة التجارة ما یدیر علیهم من الأرباح والفوائد في هذه الفترة الزمنیة الممتدة، وما یبقی لدیهم منها بعد مؤنتهم في تلک الفترة حسب مکانتهم وشئونهم، وعلی تقدیر اجمال روایات المؤونة وعدم ظهورها في شيء فالمتیقن منها مئونة السنة باعتبار أنها أضبط. وعلی هذا فالناتج من ضم هذه الروایات إلی المطلقات ان موضوع وجوب الخمس حصة خاصة من الفائدة، وهي التي تبقی في نهایة السنة ولم تصرف في المئونة، فاذن کل فائدة یستفیدها المرء من عملیة تجارة أو مهنة أو حرفة أو صنعة أو غیر ذلک إذا ظلت باقیة لدیه في نهایة عامها ولم تصرف في مئونته طوال العام وجب علیه أن یخمسها ویترتب علی ذلک أمران..

أحدهما: ان التاجر اذا صرف في مئونته في الشهر الأول من رأس ماله المخمس علی أساس عدم وجود ربح وفائدة عنده، وفي الشهر الثاني ربح من تجارته واستفاد، فلا یحق له أن یستثنی ما صرفه في المؤونة في الشهر الأول من الربح في الشهر الثاني، لدن المستفاد من الأدلة أن کل ربح وفائدة إذا تحققت ولم تصرف في المؤونة طول السنة وبقیت عنده وجب أن یخمسها، ولا دلیل علی أنه یستثنی ما صرفه في المؤونة سابقا من الربح المتحقق لا حقا، وبدون الدلیل لا یمکن بذلک لاستلزامه الخلف، باعتبار ان لازم صحة الاستثناء أن یحسب مبدأ سنة الربح من زمان الصرف لا من زمان تحققه، ونتیجة ذلک وجوب اخراج خمسه قبل اکمال سنته الواقعیة وهو خلف.

نعم، یصح هذا الاستثناء علی القول الأول شریطة أن یکون مبدأ السنة من زمان الشروع في الکسب لا من زمان ظهور الربح ووجود الفائدة، وإلّا فلا یستثنی تطبیقا لما تقدم من محذور الخلف، أجل إذا کان الصرف في زمان تحقق الربح والفائدة ولکن بما انه لا یفی بتمام مئونته، فمن أجل ذلک صرف فیها من رأس ماله المخمس أو مما استدانه للصرف فیها کان استثناء ما صرفه في المؤونة السابقة من الربح المتأخر علی القاعدة. في ضوء هذا القول وبذلک تظهر الثمرة بین القولین في المسألة.

والآخر: ان التاجر إذا جعل بدایة شهر المحرم – مثلا – رأس سنته وقام بعملیة التجارة من بیع أو شراء أو تصدیر بضاعة إلی الخارج أو استیراد بضاعة اجنبیة منه طوال مدة العام ففي مثل ذلک إذا فرض ان له في کل مدة ومدة فائدة کشهر أو شهرین، فعلی القول الثاني وهو المختار في المسألة لا یجب علیه أن یخمس فوائد الشهور المتأخرة في نهایة سنتها المجعولة وله أن یؤخر خمسها إلی نهایة سنتها الواقعیة، وعلی القول الأول فبما أن مجموع فوائد الشهور تعتبر فائدة واحدة فیجب علیه اخراج خمسها جمیعا في نهایظ السنة المجعولة، وبه تظهر الثمرة بین القولین في المسألة أیضا.

وقد یستدل علی القول الأول بقوله7 في صحیحة علي بن مهزیار: «فاما الغنائم والفوائد فهي واجبة في کل عام»(الوسائل باب: 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس الحدیث: 5).

بدعوی: أنه یدل علی اعتبار مجموع فواد العام بضم بعضها إلی بعضها الآخر فائدة واحدة ووجوب خمسها بعد المؤونة في نهایة العام.

والجواب عن ذلک بوجهین..

الأول: ان الامام في هذه الصحیحة انما هو في مقام بیان تخفیف کلفة وجوب الخمس وعبئه عن المؤمنین في سنته تلک بالنسبة إلی بعض الاشیاء باسقاط خمسه کلا والاکتفاء في بعضها الاخر بنصف السدس، ولکن استثنی من ذلک خمس الغنائم والفوائد وحکم بعدم سقوطها فیها ووجوبه في کل عام، فاذن تکون الصحیحة في مقام بیان عدم سقوط خمس الغنائم والفوائد في تلک السنة لا کلا ولا بعضا، في مقابل سقوط خمس غیرها من الأشیاء اما کلا أو بعضا، ولیست في مقام بیان ان متعلق الخمس مجموع فوائد السنة بما هو المجموع، لا کل فائدة برأسها، وعلیه فلا تدل الصحیحة علی وجوب ملاحظة مجموع الفوائد في أثناء السنة فائدة واحدة.

الثاني: ان الغنائم والفوائد بما أنها من الجمع المحلی باللام فلا تخلو اما أن تدل علی العموم الافرادي، أو علی الجنس إذا کان المراد من اللام لام الجنس کما هو غیر بعید، ولا تدل علی العموم المجموعي.

فالنتیجة ان الصحیحة لا تدل علی ان الموضوع لوجوب الخمس مجموع فوائد السنة بما هو المجموع، فاذن یکون المرجع هو الاطلاقات، ومقتضاها ان کل فائدة برأسها موضوع لوجوب الخمس مستقلا شریطة أن تبقی في نهایة السنة ولم تصرف في المؤونة، ولکن تطبیق هذه النظریة علی کل عناصرها عملیا في الخارج صعب جدا لکل کاسب وتاجر وصانع وأصحاب المهن والحرف بأن یحسب لکل فائدة من مبدأ تاریخ حدوثها سنة کاملة ثم یخمسها إذا بقیت ولم تصرف في المئونة، فان ذلک بحاجة إلی ضبط تاریخ مبدأ حدوث کل فائدة ومراجعة ذلک حتی یعرف أن أیة فائدة من الفوائد الطولیة تظل باقیة إلی نهایة السنة وأیة فائدة منها قد صرفت في المؤونة، ومن الطبیعي أن ذلک صعب جدا، بل فیه حرج شدید حیث انه بنفسه عمل یشغل البال، فمن أجل ذلک لا مانع من أن یجعل لمجموع الفوائد المکتسبة سنة واحدة ویخمس المجموع في نهایة السنة وإن لم تمر علیه سنة کاملة باعتبار ان الخمس تعلق بالفائدة من حین ظهورها شریطة أن تبقی ولتم تصرف في المؤونة ولو باخراج خمسها من حین تحققها، فانه إذا اخرج خمسها من هذا الحین صدق أنها لم تصرف فیها ولو من باب السالبة بانتفاء الموضوع وتبدیلها بموضوع آخر وهو الفائدة المخمسة.

 

 مسالة 57: يشترط في وجوب خمس الربح او الفائدة استقراره(1)، فلو اشترى شيئا فيه ربح وكان للبايع الخيار، لايجب خمسه الّا بعد لزوم البيع ومضيّ زمن خيار البايع.

1- الفیّاض: في اطلاقه اشکال بل منع، والأظهر هو التفصیل في المسألة، فان من اشتری دارا مثلا ببیع خیاري إلی فترة زمنیة معینة کسنتین أو أکثر، فان اشتراها بقیمة متعادلة وهي قیمتها بهذا البیع لدی العرف والعقلاء فلا فائدة فیه إلّا إذا صار البیع لازما، فعندئذ تتحق الفائدة، وإن اشتراها بأقل منها ففیه فائدة.

مثال ذلک: إذا کانت قیمة الدار بالبیع اللازم عشرة آلاف دینار، وبالبیع الخیاري سبعة آلاف دینار، فان اشتراها بالسبعة فلا فائدة فیه عرفا إلّا إذا صار البیع لازما کما مر، وإن اشتراها بالخمسة ففیه فائدة حیث انه اشتراها بثمن أقل من قیمتها السوقیة، وحینئذ یجب علیه أن یخمس تلک الفائدة في نهایة السنة شریطة أن تبقی ولم تصرف في المؤونة باعتبار أنها من فوائد هذه السنة، وبذلک یظهر حال المسألة الآتیة.

مسالة 58: لو اشترى ما فيه ربح ببيع الخيار فصار البيع لازما، فاستقاله البايع فاقاله، لم‌يسقط  الخمس، الّا اذا كان من شانه ان يقيله، كما في غالب موارد بشرط الخيار اذا ردّ مثل الثمن.

 

 مسالة 59: الاحوط  اخراج  خمس راس المال اذا كان من ارباح مكاسبه، فاذا لم‌يكن له مال من اوّل الامر فاكتسب او استفاد مقدارا واراد ان يجعله راس المال  للتجارة ويتّجر به، يجب اخراج خمسه على الاحوط(1) ثمّ الاتّجار به.

1- الفیّاض: والأظهر عدم الوجوب إذا کانت مکانته تتطلب وجود رأس مال له یقوم فیه بعملیة التجارة علی نحو تکفی ارباحه لمئونته اللائقة بحاله ومتطلبات حاجاته. والوجه فیه أن المراد من المؤونة المستثناة من الخمس لدی العرف والعقلاء هو ما یتطلبه شئون الفد في المجتمع من المسکن والمأکل والمشرب والملبس والخدم والمرکب والفرش والظروف ونحوها، فان کل ذلک بما یلیق بشأنه، ومن هنا تختلف المؤونة باختلاف مکانة الأفراد وشئونهم الاجتماعیة، وأما رأس المال للاتجار به وصرف أرباحه وفوائده في متطلبات حاجاته الذاتیة حسب ما یلیق به مقامه فهو انما یکون من المؤونة إذا تطلبت مکانته لدی الناس وجود رأس مال له یقوم فیه بالعمل بغایة الاستفادة من منافعه وفوائده لسدّ متطلبات حاجاته اللائقة بحاله، باعتبار ان اشتغاله کعامل مضاربة أو بناء أو صانع أو غیر ذلک مهانة له، وفي مثل هذه الحالة یکون رأس المال مئونة له کسائر مؤنة وتحدده کما وکیفا متطلبات حاجاته المناسبة لحاله ومقامه. وعلی ضوء هذا الأساس لا فرق بین أن یکون رأس المال بمقدار مئونة سنته أو أکثر أو أقل، فان الضابط العام فیه انما هو کونه بمقدار یلیق به، ویکفی ما ینتج منه من الأرباح والفوائد لمتطلبات حاجاته اللائقة بحاله، واما إذا لم تتطلب مکانة الفرد وجود رأس مال له ویقوم بالعمل فیه کتاجر ویستفید من أرباحه وفوائده لإشباع حاجاته الذاتیة، کما إذا لم یکن عمله کعامل مضاربة أو بناء أو نجار أو خیاط أو غیر ذلک نقصا ومهانة له عند الناس، فلا یکون رأس المال مئونة له، فلو جعل من ارباح السنة رأس مال له لیقوم فیه بالعمل کتاجر ولیصرف من ارباحه وفوائد في مئونته، فعلیه أن یخمس ذلک في نهایة السنة، فانه لا یعتبر مئونة له عرفا کالمسکن ونحوه. ومن هنا یظهر انه لا وجه للقول بدن رأس المال انما یکون مستثنی من الخمس إذا کان بقدر مئونة سنة الفرد، بلافرق بین أن یکون شأنه یتطلب وجوده له أو لا، کما إذا لم یکن عمله کعامل مضاربة أو نحوها مخالفا لشئونه ومکانته، وذلک لأن هذا القول مبني علی نقطتین خاطئتین..

الأولی: انه لا وجه لتحدید رأس المال بقدر مئونة السنة لأن استثناء رأس المال من الخمس انما هو بملاک انه من المؤونة علی أساس أن مکانة الشخص وشئونه الاجتماعیة تتطلب وجود رأس مال له، ومن الطبیعی أنها تحدده کما وکیفا بما یکفی ارباحه وفوائده لإشباع حاجاته اللائقة بحاله وإن کان أکثر من مئونة سنته، فاذن لا مبرر للتحدید بقدر مئونة السنة.

الثانیة: انه لا مبرر لعدم الفرق بین ما یتطلب مقام الشخص وجود رأس مال له وما لا یتطلبه، کما إذا لم یکن عمله کعامل في مهنة أو نحوها مخالفا لشأنه علی أساس ان مکانته إذا لم تتطلب وجود رأس مال له فمع ذلک إذا جعل له رأس مال من ارباح السنة واشتغل به کتاجر لإشباع حاجیاته من أرباحه بدل اشتغاله کعامل فلا یکون من المؤونة حتی یکون مستثنی من الخمس.

وإن شئت قلت: ان النص لم یرد علی استثناء رأس المال بعنوانه من اطلاق دلیل الخمس لکي نبحث عن مدی سعة مدلول ذلک النص وضیقه، وانما یدور استثناؤه مدار کونه من المؤونة، وقد مر انه انما یکون منها إذا کان من متطلبات شئون الفرد ومکانته لا مطلقا.

فالنتیجة في نهایة الشوط ان استثناء رأس المال من اطلاق دلیل وجوب الخمس انما هو بعنوان کونه المؤونة کالمسکن والملبس والفرش ونحوها، لا بعنوان رأس المال، وقد تقدم ان اتصافه بالمئونة یرتبط بکونه من متطلبات مکانة الفرد، فمن أجل ذلک یختلف استثناؤه باختلاف الأفراد.

تبقی هنا مسألتان..

الأولی: ان من کان لدیه رأس مال أکثر مما تتطلبه حاجاته الذاتیة حسب مکانته وشئونة، فهل عندئذ یستثنی من رأس المال مقدار ما تتطلبه حاجاته المذکورة تطبیقا لما تقدم، أو لا؟ الظاهر هو الاستثناء بالنسبة، فإذا کانت نسبة ما تتطلبه مکانته إلی مجموع رأس المال نسبة النصف یخمس نصفه لا کله، باعتبار أن أحدهما من المؤونة دون الآخر، کما إذا کانت عنده داران تکفی احداهما لحاجاته اللائقة بحاله، والأخری زائدة، فانه یجب علیه أن یخمس احداهما دون الأخری، وإذا کانت النسبة الثلث أو الربع – مثلا – استثنی الثلث منه أو الربع ویخمس الباقي وهکذا.

الثانیة: إذا کان له طریق آخر لإشباع حاجاته اللائقة بحاله کالهبات والهدایا أو الجوائز الواصلة إلیه علی أساس ماله عند الناس من المکانة الاجتماعیة، فمع ذلک إذا جعل لنفسه رأس مال من تلک الأموال ما یناسب حاله وشأنه ویقوم فیه بالعمل والاتجار ویصرف ما یدبر علیه من الأرباح والفوائد في شئونه واشباع حاجاته المناسبة له، فهل یستثنی ذلک من الخمس؟ الظاهر هو الاستثناء شریطة أن یکون جعل رأس المال منها بهذه الغایة لا بغایة جمع الثروة وطلب زیادتها، فانه حینئذ یکون من المؤونة ومجرد أنه یتمکن من الاعاشة من طریق آخر لا یخرج عن کونه مئونة إذا عاش من ارباحه وفوائده فعلا، نظیر من یتمکن من الاعاشة في مسکن للإیجار أو الوقف أو التبرع بدون حزارة، فمع ذلک إذا اشتری مسکنا بغایة السکنی فیه، فلا شبهة في انه من المؤونة شریطة أن یسکن فیه فعلا.

لحد الآن قد تبین ان کل فرد إذا کانت مکانته الاجتماعیة مانعة عن العمل کعامل فله أن یجعل من فوائد أثناء السنة کالهبات أو الهدایا أو الجوائز أو نحوها رأس مال له بمقدار یکفی ما یدیر علیه من الأرباح والفوائد لسد متطلبات حوائجه الذاتیة وشئونه الاجتماعیة، وإن لم تکن مانعة عنه لم یحق له ذلک ولو صنع لم یکن من المؤونة لکي یکون مستثنی من الخمس، ولا فرق فیه بین الکاسب والتاجر وأصحاب المعامل والصنائع والمهن والحرف، فانه یتاح لکل أحد لا یلیق بمکانته أن یعمل کعامل أن یهیئ له فرص العمل المناسب له یقدر ما یکفی عوائده ومنتجاته لإشباع حوائجه العامة والخاصة، وبذلک یظهر انه لا وجه للقول باستثناء رأس المال من اطلاق دلیل وجوب الخمس مطلقا أو فیما إذا کان بمقدار المئونة، کما انه لا وجه للقول بعدم استثنائه أصلا.

ونذکر فیما یلی عددا من الحالات لذلک الضابط العام لکي یتاح للمکلف معرفة الحکم الشرعي فیها وفي امثالها.

الأولی: طبیب بحاجة إلی ممارسة عمله لإشباع حاجاته ومتطلباتها اللائقة بحال علی أساس أن عمله کصانع عند آخر لا یلیق بشأنه ومکانته، وفي هذه الحالة إذا کان عنده مال من أرباح السنة کهدیة أو جائزة أو نحوها ویتشري بها الوسائل والأدوات الطبیة لممارسة عمله بها کطبیب وصرف ما نتج منها في مئونة اللائقة بمقامه فلا خمس فیها لأنها تعتبر مئونة له عرفا. نعم، إذا زاد ما حصل منها عن مئونة سنته فعلیه أن یخمس من تلک الوسائل بالنسبة، کما إذا جعل ممارسة عمله أکثر استیعابا لحالات المرضی في مجال التطبیق وتشخیص المرض الناجم عن مختلف العوامل الداخلیة أو الخارجیة ویوفر کل الوسائل الکفیلة لذلک، کعملیة التحلیل بمختلف شعبه والأشعة والناظور وما شاکل ذلک، ومن المعلوم أن هذه الوسائل المستعملة في مجال التطبیق بشتی اشکاله بما أنها تزید عن المؤونة فیجب علیه خمس الزائد بالنسبة، وبذلک یظهر حال المهندس وغیره من الخبیر الفنی تطبیقا لنفس ما تقدم.

الثانیة: خیاط یکون في أمس الحاجة إلی توفیر الوسائل والأدوات لممارسة عمله کخیاط ومزاولته لإشباع متطلبات حاجاته ومئونة سنته اللائقة بحاله علی أساس أن عمله کصانع خیاط لا یلیق به وبمکانته، وفي هذه الحالة إذا کان لدیه مال من أرباح السنة بسبب أو آخر یکفی لتوفیر الوسائل والأدوات لممارسة عمله، فإذا اشتری به تلک الوسائل والأدوات ومارس عمله بها وصرف ما نتج منه من الأرباح في مئونته طول فترة العام فلا خمس فیها لأنها تعتبر مئونة له عرفا، وإذا زاد ما حصل منه من الفوائد عن مئونة سنته وجب علیه أن یخمس من تلک الوسائل والأدوات بالنسبة، وبه یظهر حال غیره من أصحاب الحرف کالنجار والحداد ونحوهما تطبیقا لما تقدم.

الثالث: ان الطبیب أو المهندس أو الخیاط إذا کان لدیه أموال تکفی ارباحها لمئونة سنته بما یناسب شأنه ومکانته ولا یحتاج إلی ممارسة عمله وشغله لسدّها، ففي هذه الحالة هل تعتبر الوسائل والأدوات التي وفرها من ارباح أثناء السنة لعمله وشغله مئونة ومستثناه من الخمس، أو لا؟ الظاهر أنها لا تعتبر مئونة له عرفا باعتبار أنه لیس بحاجة إلی توفیر هذه الوسائل والأدوات لممارسة عمله وشغله کطبیب أو مهندس أو خیاط لمئونته ومتطلبات حاجاته، ومع هذا إذا وفر تلک الوسائل والأدوات ومارس عمله بها لم تعتبر مئونة له عرفا.

نعم، أنها تعتبر حینئذ مئونة لعمله وشغله کالطبابة أو المهندسة أو الخیاطة أو ما شاکلها.

فالنتیجة أنها في هذه الحالة مئونة العمل دون مئونة الشخص ومن هنا یظهر الفرق بین أن تکون عنده تجارة أو مصنع أو منجم قبل مهنته هذه تکفی ارباحها لمئونة سنته اللائقة بمقامه مهما زادت وتوسعت في أثناء السنة بوقوع اتفاقات لم یکن متوقعا، فإنه عندئذ إذا وفر تلک الوسائل والأدوات لممارسة عمله بها لم تعتبر مئونة له عرفا، وبین أن یکون عنده مال من أرباح أثناء السنة ویدور أمره بین أن یعمل کعامل مضاربة أو صانع وبین أن یوفر بذلک المال الوسائل والأدوات لیمارس عمله بها ویصرف مما یحصل من ذلک من الأموال في مئونته، وبما أن الأول لا یلیق بمکانته فیتعین الثاني، وعلیه فتعتبر تلک الوسائل والأدوات مئونة له عرفا وإن زادت ارباحها عن المؤونة بنسبة کبیرة، غایة الأمر تعتبر حینئذ من المؤوتة بالنسبة ویخمس منها کذلک.

 

 مسالة 60: مبدا السنة الّتي يكون الخمس بعد خروج مؤونتها، حال الشروع في الاكتساب(1) فيمن شغله التكسّب ؛ وامّا من لم‌يكن مكتسبا وحصل له فائدة اتّفاقا ، فمن حين حصول الفائدة.

1- الفیّاض: فیه اشکال بل منع، والظاهر أن مبدأ السنة من  حین ظهور الربح والفائدة لا من حین الشروع في الاکتساب، بلا فرق في ذلک بین التجارة والصناعة والمهنة والحرفة، فإن بدایة السنة في کل ذلک تبدأ من بدایة ظهور الربح والفائدة، والسبب في وراء ذلک ما تقدم من أن موضوع وجوب الخمس بمقتضی الآیة الشریفة والروایات هو الفائدة والغنیمة التي یستفیدها المرء ویغنمها، والناتج من ضم روایات المؤونة إلیهما ان المستثنی من الفائدة والغنیمة هو المؤونة، وبما ان المراد منها مئونة السنة فبطبیعة الحال یکون مبدؤها مبدأ الفائدة والغنیمة، إذ لو کان مبدأ السنة أول الشروع في الکسب فحینئذ إذا کان الربح متأخرا عنه فلازمه استثناء المؤونة السابقة من الربح المتأخر، وهو خلاف ظاهر قوله  «الخمس بعد المؤونة...» فانه ینص علی ان المؤونة مستثناة من الربح الوجود علی أساس ظهور المؤونة في المؤونة الفعلیة من جهة، وظهور الاستثناء في استثناء نفس المؤونة منه من جهة أخری لا الأعم مما یعادلها.

وإن شئت قلت: انه لم یرد في شيء من روایات الباب عنوان سنة التجارة أو الصناعة أو عام الربح لکي یمکن أن یکون مبدؤها من حین الشروع فیها، بل جاء في لسان الروایات هذا النص: «إن الخمس بعد المؤونة» وبما أنها ظاهرة في مئونة السنة فهي تحدد مبدأها بأول ظهور الفائدة والغنیمة باعتبار أنها موضوع لوجوب الخمس ومئونة مستثناه منها.

 

 مسالة 61: المراد بالمؤونة مضافا الى ما يصرف في تحصيل الربح(1)، ما يحتاج اليه لنفسه وعياله في معاشه بحسب شانه اللائق بحاله في العادة، من الماكل والملبس والمسكن، وما يحتاج اليه لصدقاته وزياراته وهداياه وجوائزه واضيافه والحقوق اللازمة له بنذر او كفّارة او اداء دين او ارش جناية او غرامة مااتلفه عمدا او خطا، وكذا ما يحتاج اليه من دابّة او جارية او عبد او اسباب او ظرف او فرش او كتب، بل وما يحتاج اليه لتزويج اولاده او ختانهم، ونحو ذلک مثل ما يحتاج اليه في المرض وفي موت اولاده او عياله، الى غير ذلک ممّا يحتاج اليه في معاشه. ولو زاد على ما يليق بحاله ممّا يعدّ سفها او سرفا بالنسبة اليه، لايحسب منها.

1- الفیّاض: هذا هو الصحیح فان مئونة التجارة التي هي عبارة عما یصرف في سبیل الحصول علی الفوائد والغنائم کمصارف تصدیر البضائع أو استیرادها من بلاد أخری، والمداولة بها، وأجرة الکاتب والدلال والحمال والدکان وما شاکل ذلک مستثناه منها، إذ مضافا إلی أن هذا الاستثناء یکون علی القاعدة علی أساس ان الفائدة لا تصدق الّا علی الباقي منها بعد تلک المصارف، قد دلت علیه مجموعة من النصوص، وأما مئونة الشخص واللازمون له فهي تلحظ علی حسب شئونه ومکانته من المسکن والملبس والمأکل والمشرب والفرش والظروف والخدم والمرکبة والهدایا والجوائز والزیارات والصدقات والضیافة ومصارف زواج أولاده وما شاکل ذلک، فمن أجل هذا تختلف المؤونة کما وکیفا باختلاف الأفراد.

 

 مسالة 62: في كون راس‌المال للتجارةمع‌الحاجة اليه من‌المؤونة اشكال، فالاحوط كما مرّ(1) اخراج خمسه اوّلا، وكذا في الالات المحتاج اليها في كسبه مثل الات النجارة للنجّار والات النساجة للنسّاج والات الزراعة للزرّاع وهكذا، فالاحوط اخراج خمسها ايضا اوّلا.

1- الفیّاض: مر تفصیل ذلک في المسألة (59)، ومنه یظهر حال الأدوات والآلات التي یحتاج إلیها صاحب کل مهنة في أعمالها تطبیقا علی عناصرها في الخارج، فانه لا یجب علیه تخمیسها شریطة توفر أمرین..

أحدهما: أن لا یکون له موارد أخری سابقة تکفی لإشباع حاجاته حسب شئونه ومکانته کمعمل أو مصنع أو تجارة.

والآخر: أن یکون اشتغاله کعامل نجار أو خیاط أو مضارب نقصا علیه ومهانة، فان الناتج من توفرهما أن مکانته تتطلب توفیر تلک الأدوات والآلات له لکي یقوم بتطبیق مهنته عملیا کتأمین مئونته وسد متطلبات حاجاته اللائقة بحاله، فمن أجل ذلک تکون من المئونة.

 

 مسالة 63: لافرق في المؤونة بين ما يصرف عينه فتتلف، مثل الماكول والمشروب ونحوهما، وبين ما ينتفع به مع بقاء عينه، مثل الظروف والفروش ونحوها؛ فاذا احتاج اليها في سنة الربح، يجوز شراؤها من ربحها وان بقيت للسنين الاتية(1) ايضا.

1- الفیّاض: بل وان استغنی الانسان عنها، فمع ذلک لا یجب اخراج خمسها، وسوف نشیر إلی وجه ذلک في ضمن المسائل القادمة لدی تعرض الماتن حکم المؤونة في فرض الاستغناء عنها.  

 

مسالة 64: يجوز اخراج المؤونةمن الربح وان كان عنده مال لاخمس فيه، بان لم‌يتعلّق به او تعلّق واخرجه، فلايجب اخراجها من ذلک بتمامها ولا التوزيع وان كان الاحوط التوزيع(1)، واحوط منه اخراجها بتمامها من المال الّذي لاخمس فيه؛ ولو كان عنده عبد او جارية او دار او نحو ذلک ممّا لو لم‌يكن عنده كان من المؤونة، لايجوز احتساب قيمتها من المؤونة واخذ مقدارها، بل يكون حاله حال من لم‌يحتج اليها اصلا.

1- الفیّاض: فیه ان الاحتیاط ضعیف ولا منشأ له، فان اطلاق قوله7: «الخمس بعد المئونة» محکم في المقام، ومقتضاه عدم الفرق بین وجود مال آخر عنده وعدم وجوده.

ودعوی انصرافه إلی صورة الحاجة لإخراج المؤونة من الربح لا أساس لها، ضرورة انه لیس في النص شيء یوهم هذا الانصراف فضلا عن الدلالة الاقتضاء، کما انه لا أساس لدعوی ان التوزیع یکون مقتضی قاعدة العدل والانصاف، لأن هذه القاعدة وإن کانت لا بأس بها في الجملة الّا أن کون المقام من عناصر هذه القاعدة غیر معلوم، هذا اضافة إلی أن اطلاق النص یمنع من تطبیقها علیه.

فالنتیجة انه لا منشأ للاحتیاط ولو استحبابا.

 

 مسالة 65: المناط في المؤونة ما يصرف فعلا لا مقدارها، فلو قتّر على نفسه لم‌يحسب له، كما انـّه لو تبرّع بها متبرّع لايستثنى له مقدارها على الاحوط، بل لايخلو عن قوّة .

  مسالة 66: اذا استقرض من ابتداء سنته لمؤونته او صرف بعض راس المال فيها قبل حصول الربح، يجوز له وضع مقداره من الربح(1).

 

1- الفیّاض: لا یجوز ذلک لما مر في المسألة (60) من أن مقتضی نصوص المؤونة ان مبدأ السنة من حین ظهور الربح والفائدة، والمؤونة مستثناة منها، ولا یجوز استثناؤها من الفائدة المتأخرة، والا لزم أن لا یکون مبدأ السنة من حین ظهورها وتحققها وهو خلف فرض ظهور النصوص في ذلک.

نعم، ما ذکره الماتن مبنی علی مسلکه من دن مبدأ السنة من حین الشروع في الاکتساب لا من حین ظهور الفائدة، ولکن المسلک غیر تام.

 

 مسالة 67: لو زاد ما اشتراه وادّخره للمؤونة من مثل الحنطة والشعير والفحم ونحوها ممّا يصرف عينه فيها، يجب اخراج خمسه عند تمام الحول؛ وامّا ما كان مبناه على بقاء عينه والانتفاع به مثل الفرش والاواني والالبسة والعبد والفرس والكتب ونحوها، فالاقوى عدم الخمس فيها؛ نعم، لو فرض الاستغناء عنها، فالاحوط اخراج الخمس منها(1)، وكذا في حليّ النسوان اذا جاز وقت لبسهنّ لها.

1- الفیّاض: فیه اشکال بل منع، والأظهر عدم وجوب الخمس فیها إذا استغنی الانسان عنها، والنکتة في ذلک أن مقتضی اطلاقات أدلة الخمس من الکتاب والسنة، أن کل فائدة یستفیدها المرء وغنیمة یغنمها ففیها الخمس، وقد استثنی منها المؤونة بمقتضی روایاتها الناصة بأن کل فائدة تصبح مئونة فلا خمس فیها، وأما إذا فرض الاستغناء عنها کما إذا کانت عنده دار – مثلا – وکان ساکنا فیها، ثم استغنی عنها بشراء دار أخری أو بنائها، فحینئذ وإن کانت تلک الدار فائدة زائدة علی المؤونة ولکن مع ذلک لا تکون مشمولة لإطلاق دلیل وجوب الخمس علی أساس ان مدلوله وجوبه في کل فائدة یستفیدها المرء ویوجدها شریطة أن لا تصبح مئونة، والّا لم تکن مشمولة له وإن استغنی عنها، باعتبار أنها حین ظهورها وافادتها لم تکن مشمولة له علی أثر صیرورتها مئونة، واما حین خروجها عن هذه الحالة ودخولها في حالة أخری وهي حالة البقاء فلا تکون مشمولة له، فان الاطلاق غیر ناظر إلی هذه الحالة.

وإن شئت قلت: ان للفائدة التي یستفیدها المرء حالتین..

الأولی: حالة حدوثها وظهورها في الوجود وهي حالة افادتها.

الثانیة: حالة بقائها في عمود الزمان، وموضوع اطلاقات أدلة وجوب الخمس هو الفائدة في الحالة الأولی لصدق أنها فائدة یستفیدها المرء وغنیمة یغنمها کما هو مقتضی الآیة الشریفة والروایات.

فالنتیجة ان موضوع وجوب الخمس علی ضوء تلک الاطلاقات الفائدة والغنیمة المعنونة بهذا العنوان فعلا وهو عنوان ما یستفیدها المرء ویغنمها، واما الفائدة في الحالة الثانیة فبما انه لا یصدق علیها ذلک العنوان فعلا فلا تکون موضوعا لوجوب الخمس وشموله للإطلاقات، إذ لا یصدق علیها أنها فائدة یستفیدها المرء وغنیمة یغنمها فعلا، بل کان یستفیدها ویغنمها، وعلی هذا الأساس فالفائدة التي یجعلها الانسان مئونة حیث أنها لیست متعلقة للخمس من حین الاستفادة والاغتنام فاذا استغنی عنها فلا تکون مشمولة لإطلاقات أدلته لعدم صدق الاستفادة والاغتنام علیها فعلا، بل کانت مستفادة ومغتنمة، والفرض ان موضوع وجوب الخمس هو الفائدة المعنونة بهذا العنوان، وهذا یعني انه حصة خاصة من الفائدة وهي الفائدة التي ینطبق علیها هذا العنوان فعلا، وبما انه لا ینطبق علی المؤونة بعد لاستغناء عنها فلا تکون مشمولة لإطلاق دلیل، وجوب الخمس.

 

 مسالة 68: اذا مات المكتسب في اثناء الحول بعد حصول الربح، سقط اعتبار المؤونة في باقيه(1)، فلايوضع من الربح مقدارها على فرض الحياة.

1- الفیّاض: هذا لا من جهة التخصیص في دلیل المؤونة، بل من جهة انه لا موضوع لها بعد الموت حتی تکون مستثناة.

 

مسالة 69: اذا لم‌يحصل له ربح في تلک السنة وحصل في السنة اللاحقة، لايخرج مؤونتها من ربح السنة اللاحقة(1).

1- الفیّاض: بل قد مر انه کما لا یخرج ذلک لا تخرج المؤونة السابقة من الفائدة المتأخرة في نفس السنة أیضا، کما إذا صرف التاجر من ماله المخمس في مئونته قبل ظهور الربح والفائدة، أو استدان مالا وصرفه فیها قبل ذلک لم یجز له استثناؤه من الربح اللاحق، نعم إذا استدان جاز أداؤه منه، بل الأمر کذلک علی الأظهر إذا کان الدین أو الصرف من مال آخر بعد الربح کما سوف نشیر إلیه.

 

 مسالة 70: مصارف الحجّ من مؤونة عام الاستطاعة، فاذا استطاع في اثناء حول حصول الربح وتمكّن من المسير، بان صادف سير الرفقة في ذلک العام، احتسب مخارجه من ربحه؛ وامّا اذا لم‌يتمكّن حتّى انقضى العام، وجب عليه خمس ذلک الربح، فان بقيت الاستطاعة الى السنة الاتية وجب والّا فلا، ولو تمكّن وعصى حتّى انقضى الحول فكذلک على الاحوط. (1) ولو حصلت الاستطاعة من ارباح سنين متعدّدة وجب الخمس فيما سبق على عام الاستطاعة، وامّا المقدار المتمّم لها في تلک السنة فلايجب خمسه اذا تمكّن من المسير ، واذا لم‌يتمكّن فكما سبق يجب اخراج خمسه(2) .

1- الفیّاض: بل علی الأقوی لما مر من أن الناتج من ضم نصوص المؤونة إلی اطلاقات الألة من الکتاب والسنة هو أن کل فائدة استفادها المرء وغنیمة غنمها متعلقة للخمس شریطة أن لا یجعلها مئونة عینا أو منفعة، ولا فرق في ذلک بین أن یکون جعلها من المؤونة واجبا أو غیر واجب، لأن مجرد وجوب ذلک لا یجعلها منها، لما مر من أن المراد من المؤونة هو صرف الفائدة في سد حاجاته عینا أو منفعة، والا فلا تکون منها وإن کان صرفها فیها واجبا، إذ مجرد ذلک لا یمنع عن شمول الاطلاقات لها وجوب اخراج خمسها.

2- الفیّاض: بل وکذلک في فرض التمکن من المسیر إذا ترکه عصیانا کما مر، لأن المعیار في کون المتمم من المؤونة وعدم کونه منها إنما هو بالمسیر الفعلي وعدمه، لا بالتمکن منه وعدم التمکن.

 مـسـالـة 71: اداء الـديـن مـن الـمـؤونة اذا كـان فـي عـام حصـول الـربـح(1)، او كان سـابـقـا ولـكـن لـم‌يـتـمـكّـن مـن ادائـه الـى عام حصـول الربـح ، واذا لم‌يـؤدّ ديـنه حتّـى انقـضى العـام فـالاحـوط اخراج الخمس اوّلا(2)واداء الدين ممّا بقي؛ وكذا الكلام في النذور والكفّارات.

1- الفیّاض: بل مع التمکن من الأداء أیضا لأنه من المؤونة في کل وقت وإن أخره إلی ذلک الوقت عامدا وملتفتا إلی عدم جوازه، بل هو من أظهر مصادیقها، سواء أکان الدین في سنة الفائدة أم کان قبلها، وسواء أکان متمکنا من أداه أم لا، ولا فرق فیه بین أن یکون الدین للمئونة أو لغیرها غایة الأمر ان الدین إذا کان لغیر المؤونة فأداؤه انما یکون منها شریطة أن لا یکون ما بازائه موجودا عنده، وأما إذا کان موجودا فحینئذ ان کان الدین مقارنا لظهور الفائدة أو متأخرا عنه وأدّاه من تلک الفائدة انتقل الخمس إلی ما بازائه من الأعیان ویجب خمسه بالقیمة الفعلیة في نهایة السنة، سواء أزادت أن نقصت، وإن کان متقدما علی ظهورها وجب تخمیس الفائدة قبل أداء الدین، ولا ینتقل الخمس منها إلی ما بازائه، فانه بحاجة إلی دلیل، وسنشیر إلی وجه ذلک في ضمن المسائل في آخر کتاب الخمس.

تبقی هنا مسألة أخری وهي ان الدین إذا کان للمئونة وکان بعد الربح، فهل یستثنی من الفائدة في نهایة السنة أو لا؟ فیه قولان: الأظهر هو الثاني، وختار جماعة منهم السید الاستاذ1 الأول، وقد استدل علیه بوجوه..

الأول: عدم صدق الفائدة علی ما یوازي منها الدین بنکتة ان المعیار عندهم في الفائدة والخسران انما هو بلحاظ مجموع ما استفاد في أثناء السنة، فان زاد في نهایة السنة عن وجود رأس مال له في بدایتها فهو فائدة، والّا فلا، وبما أنهم لا یعتبرون ما وقع بازاء الدین للمئونة فائدة فیکون استثناؤه منها في نهایة السنة علی القاعدة.

والجواب: ان هذا الوجه لا یتم، فانه لا یتضمن ما یبرر عدم صدق الفائدة علی ما یوازي الدین منها، بل الظاهر انه لا شبهة في صدق الفائدة علی کل ما استفاده الکاسب في نهایة السنة وإن کان مدینا للمئونة، ضرورة ان وجود الدین لا یمنع عن صدق الفائدة علی الکل بدون استثناء ما یوازي الدین، وقد تقدم ان الناتج من ضم روایات استثناء المؤونة من الفوائد والغنائم إلی اطلاقات أدلة وجوب الخمس فیها هو أن موضوعه حصة خاصة من الفائدة، وهي الفائدة التي تبقی في نهایة السنة ولم تصرف في المؤونة، والفرض صدق هذا العنوان علی کل الفائدة في نهایة السنة في مفروض المسألة بدون استثناء.

وإن شئت قلت: ان ظاهر قوله7 في روایات المؤونة الذي جاء بهذا النص: «الخمس بعد المؤونة»(الوسائل باب: 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس الحدیث: 1) هو أن المؤونة مستثناة من نفس ما تعلق به الخمس وهو الفائدة والغنیمة، وهذا یعنی ان کل ما أفادة الکاسب في أثناء السنة من الفائدة والغنیمة فما صرفه منه في المؤونة فهو مستثنی من الخمس، وما یبقی منه ولم یصرف فیها ففیه الخمس، هذا هو مدلول روایات استثناء المؤونة من الفوائد والغنائم التي هي موضوع وجوب الخمس، وأما إذا صرف الکاسب في المؤونة من رأس ماله المخمس، أو استدان شیئا وصرفه فیها لا من الفائدة عنده، فلا دلیل علی استثناء ما یوازیه منها، فان روایات المؤونة لا تدل علی ذلک، ولا یوجد دلیل آخر ینص علی هذا الاستثناء.

فالنتیجة ان من صرف في مئونته وسد حاجاته اللائقة بحاله من مال آخر عنده المخمس، أو استدان مالا وصرفه فیها ولم یصرف من نفس ما استفاده من الفائدة فیها، فاستثناء ما یوازیه من الفائدة في نهایة السنة وتخمیس الباقي بحاجة إلی دلیل، وروایات استثناء المؤونة بما أنها ظاهرة في أن المستثنی هو المؤونة من نفس الفائدة فلا تشمل ذلک، والدلیل الآخر غیر موجود، والصرف المذکور لا یمنع عن صدق الفائدة علی ما یوازیه منها، لعدم العلاقة بین الأمرین، فان المبرر لصدق الفائدة علی کل ما أفاده في نهایة السنة انما هو بقاؤه کذلک في النهایة وعدم صرف شيء منه في المؤونة، واما الصرف من مال آخر فیها فهو لا یرتبط بذلک، ولا یمنع عن الصدق، والفرض أن موضوع وجوب الخمس هو الفائدة التي یستفیدها طول مدة السنة وتبقی في نهایتها ولم تصرف في المؤونة.

ودعوی ان موضوع وجوب الخمس هو الزائد علی مئونة السنة، وهذا العنوان لا یصدق علی ما یوازی الدین من الفائدة..

مدفوعة.. أولا: بأن موضوع وجوب الخمس عنوان ما استفاده الناس والغنیمة علی ما مر، ولیس لعنوان الزائد علی المؤونة عین ولا أثر في الروایات المعتبرة.

وثانیا: ان الدین للمئونة أو الصرف من مال آخر فیها لا یمنع عن صدق الزائد علیها في نهایة السنة إذا بقیت، نعم، ان استثناء ذلک من الفائدة في نهایة السنة انما یتم علی أحد تقدیرین..

الأول: أن یکون موضوع وجوب الخمس هو الفائدة الزائدة علی رأس المال الموجود عند التاجر في بدایة السنة، وعندئذ فاذا صرف من رأس ماله المخمس في مئونته لا من الفائدة عنده لم یصدق عنوان الزائد علی ما یوازیه من الفائدة، وکذلک الحال في الدین.

الثاني: أن یکون المراد من المؤونة المستثناة من الفائدة والغنیمة مقدارها وإن لم یصرف خارجا في شيء.

ولکن کلا التقدیرین خاطئ جدا، ولا واقع موضوعي له. اما التقدیر الأول فلیس في أدلة الخمس منه عین ولا أثر، لما مر من ان المستفاد ان موضوع وجوب الخمس هو الفائدة التي یستفیدها المرء، فإذا صرف منها في المؤونة، فان بقی شيء منها بعد ذلک وجب علیه أن یخمسه والّا فلا شيء علیه، وأما التقدیر الثاني فقد تقدم موسعا ان روایات المؤونة ظاهرة في المؤونة الفعلیة لا الأعم منها ومن مقدارها وإن لم یصرف.

الثاني: ان سیرة المتشرعة جاریة علی استثناء التاجر ما صرفه في مئونة سنته من الدین أو المال الآخر المخمس من الفائدة عنده في نهایة السنة شریطة أن یکون ذلک بعد ظهورها، فیلاحظ مجموع الناتج من عملیة تجاریة له في نهایة العام واستثناء ما صرف في المؤونة منه، سواء أکان من نفس الناتج أم کان من مال آخر عنده أو دین ویخمس الباقي.

والجواب: انه لا سیرة من المتشرعة في المسألة علی ذلک بنحو تکشف عن ثبوته في زمن المعصومین: ووصوله إلینا طبقة بعد طبقة، ضرورة أن ثبوتها کذلک غیر محتمل جزما، وإلّا کانت المسألة قطعیة في الفقه، مع أنها خلافیة، وأما عمل الناس وعدم تقیدهم بملاحظة أنهم قد صرفوا في مؤنهم من نفس الفوائد والغنائم، أو من أموال أخری، فلا قیمة له لأنه اما مبني علی فتوی جماعة من الفقهاء، أو علی التساهل والتسامح، ومن هنا کان عملهم في الخارج جاریا علی عدم الفرق بین أن یکون ذلک قبل ظهور الربح أو بعده، مع أن جماعة منهم یقولون بالفرق بین الحالتین.

الثالث: ان قوله7: »الخمس بعد المؤونة»(الوسائل باب: 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس الحدیث: 1) یشمل کل ما یصرف في المؤونة في العام سواء أکان من نفس الفائدة، أو بدلها من دین أو مال مخمس، والّا لزم استثناء ما یصرف في المؤونة قبل ظهور الفائدة، مع أنه مستثنی منها.

والجواب: ماتقدم من أن قوله7: «الخمس بعد المؤونة» ظاهر، بل ناص في أن المؤونة مستثناة من نفس الفائدة التي هي الموضوع لوجوب الخمس بمقتضی الکتاب والسنة، وروایات المؤونة تقید موضوع وجوب الخمس وتجعله حصة خاصة من الفائدة، وهي الفائدة التي تظل باقیة في نهایة العام ولم تصرف في المؤونة، ومن المعلوم أن هذا التقیید والتخصیص انما هو إذا کان المصروف في المؤونة من نفس الفائدة، وأما إذا کان من مال آخر عنده، أو من دین فهو لا یرتبط بالفائدة، ولا یوجب تقییدها المذکور باعتبار صدق الفائدة علی ما یوازیه منها في نهایة العام وعدم صرفه في المؤونة، أو فقل أن قوله7: «الخمس بعد المؤونة» ظاهر في أن المستثنی هو المؤونة من نفس الفائدة، وأما إذا لم تکن المؤونة منها بل کانت من مال آخر، فلا یدل قوله7 علی استثنائه منها. فاذن لا یمکن أن یکون قوله7: «الخمس بعد المؤونة» یعم کل ما یصرف فیها وإن کان دینا أو مالا آخر عنده، کیف فانه قید للموضوع وهو الفائدة، ومنه یظهر حال ما إذا صرف في المؤونة قبل ظهور الفائدة، هذا اضافة الی أنه مبني علی القول بأن مبدأ السنة من حین الشروع في الاکتساب، وقد مر بطلانه.

فالنتیجة في نهایة المطاف ان الأظهر عدم جواز استثناء ما یصرفه المالک في المؤونة من مال آخر عنده أو دین، من الفائدة في نهایة السنة وإن کان الصرف حین ظهورها، وعلیه فالأظهر عدم الفرق بین أن یکون الصرف قبل ظهور الفائدة أو بعدها.

محاولة:

قد یتوهم کما أن للمالک ولایة علی صرف الفوائد والأرباح أثناء السنة في کل متطلبات حاجاته حسب شئونه ومکانته سعة وضیقا، وعلی المداولة بها بتصدیرها إلی بلدة أخری ومکان آخر، واستیراد بضائع أخری بدلها بغرض خلق منفعة جدیدة، أو بیعها في بلدته وشراء شيء آخر بدلها بنفس ذلک الغرض، کذلک له ولایة علی دن یستقرض علیها أو یصرف من مال آخر عنده فیها عوضا عنها، وعندئذ یکون الاستثناء علی القاعدة، باعتبار أن ما صرفه حینئذ بذلک القصد والنیة یصبح فائدة.

والجواب: ان ولایة المالک في النحو الأول من التصرف في الفوائد والأرباح وإن کانت ثابتة شریطة أن لا یکون مبنیا علی التساهل والتسامح وتفریط حقوق الآخرین، إلّا أنه لا دلیل علی ولایته في النحو الثاني من التصرف فیها، إذ لا یستفاد من اطلاقات أدلة وجوب الخمس في الفوائد والغنائم المتوجهة إلی المالک بعد ضمّها إلی روایات استثناء المؤونة منها أکثر من ثبوت ولایته علی النحو الأول من التصرف، ولا یوجد دلیل آخر علی ثبوت ولایته علی النحو الثاني من التصرف.

نعم، لا یبعد ثبوت الولایة للفقیه الجامع للشرائط علی ذلک إذا رأی فیه مصلحة، اما ولایتة علی سهم الامام فهي من تبعات ولایته7 في عصر الغیبة، علی أساس انه ملک للمنصب أو الدولة کما مرت الاشارة إلیه، واما ولایته علی سهم السادة فهي ثابتة في کل تصرف أخذ مصلحتهم فیه بعین الاعتبار، وعلی هذا فاذا رأی ولي الخمس مصلحة في اذن المالک في الاقتراض علی الفوائد والأرباح، أو في الصرف من مال آخر عنده عوضا عنها واذن في ذلک کان له استثناء ما یوازیه من الفائدة في نهایة السنة.

وتذکر فیما یلي عددا من الحالات في المسألة لکي یتاح للمکلف معرفة حکم کل حالة مماثلة لها..

الأولی: ان التاجر یستدین لمئونته قبل ظهور الفائدة في تجارته، وفي هذه الحالة یسمح له أن یؤدي دینه منه متی ما ظهرت في طول مدة السنة، ولا یسمح له أن یستثنی منها ما یوازیه في نهایة السنة، لما مر من ان الأداء من المؤونة دون الاستثناء.

الثانیة: نفس التاجر یستدین لمئونته بعد ظهور الفائدة في عملیة تجارته، وفي هذه الحالة یسمح له أن یفی دینه منها في أثناء السنة، وهل یسمح له أن یستثنی منها ما یوازیه في نهایة السنة أو لا؟ فیه قولان: وقد مر ان الأظهر هو القول الثاني.

الثالثه: ان التاجر یصرف في مئونته من رأس ماله المخمس حینما بدأ بعملیة التجارة، وقبی ظهور الفائدة، وفي هذه الحالة لا یسمح له أن یستثنی ما یوازیه من الفائدة بعد ظهورها باعتبار ان المستثنی منها انما هو مؤنة سنتها دون السنة السابقة.

الرابعة: نفس التاجر ولکن یصرف في مئونته من رأس ماله المخمس بعد ظهور الفائدة في تجارته، وفي هذه الحالة هل یسمح له أن یستثنی ما یوازیه من الفائدة في نهایة السنة ویخمس الباقي أو لا؟ فیه قولان: وقد مر ان الأظهر هو الثاني.

 

تطبیق وتکمیل

 

مساعدة للتاجر علی التعریف للحکم الشرعي في هذه الحالة عملیا نستعرض عددا من الأمثلة التطبیقیة لحالاته.

الأول: ان التاجر یعلم تفصیلا مقدار ما صرفه من رأس ماله المخمس في مئونة سنته بعد ظهور الفائدة في تجارته، وفي هذه الحالة یعرف ان وظیفته أن یخمس کل الفائدة في نهایة السنة بدون أي استثناء، وما صرفه في المؤونة من رأس ماله یحسب منه لا من الفائدة، وکذلک الحال إذا الستدان ما صرفه فیها الّا أن یکون ذلک باذن ولي الخمس، وحینئذ یجوز له الاستثناء، وکذلک الحال في الفرض الأول، نعم، إذا استدان یسمح له أن یؤدی دینه منها أثناء السنة.

الثاني: نفس التاجر یعلم اجمالا انه صرف في مئونته من رأس ماله المخمس بعد تحقق الفائدة ولکن لا یعلم حدوده وکمیته تفصیلا، وفي هذه الحالة یحسب المقدار المتیقن مما صرفه في المؤونة من رأس ماله لا من الفائدة في نهایة السنة، واما المقدار المشکوک کونه من مال أو من الفائدة فیظهر حکمه من المثال الثالث.

الثالث: نفس التاجر یشک في انه صرف في مؤنته واشباع حاجاته من رأس ماله المخمس دون الفائدة الظاهرة في عملیة تجارته، أو أنه صرف فیها منها فحسب.

مثال ذلک: تاجر یکون رأس ماله المحدد خمسین ألف دینار – مثلا – ویقوم بالعمل فیه والاتجار، ونفرض انه یربح منه في طول مدة السنة عشرة آلاف دینار، ویصرف في مؤنته خمسة آلاف، ویعلم بأن أربعة منها من الفائدة ویشک في الألف الخامس أنه منها أو من ردس ماله، فعلی الأول یکون الباقي من الفائدة خمسة، وعلی الثاني یکون الباقي منها ستة، وعلی هذا فمجموع المبلغ الموجود الباقي عنده في نهایة السنة أعم من الفائدة ورأس المال خمسة وخمسون ألف دینار وهو یعلم بأن تسعة وأربعین من هذا المبلغ مخمسة، کما انه یعلم بوجوب اخراج الخمس علیه من خمسة آلاف دینار منه باعتبار أنها فائدة جزما ویشک في وجوب اخراج الخمس من ألف منه من جهة انه لا یعلم ان الألف المصروف في المؤونة هل هو من الفائدة حتی یکون الباقي منها خمسة؟ أو من رأس المال حتی یکون الباقي منه تسعة وأربعین؟ وفي هذه الحالة لا یمکن اثبات وجوب الخمس فیه بالأصل الموضوعي، حیث انه لا أصل في المقام لإثبات انه من فائدة هذه السنة.

وأما الأصل الحکمي وهو استصحاب بقاء الخمس فیه وإن کان في نفسه لا مانع منه للعلم بتعلق الخمس فیه والشک انما هو في بقائه من جهة الشک في انه هل هو من فوائد السنین السابقة حتی یکون مخمسا، أو من فوائد هذه السنة حتی لا یکون مخمسا، ومن المعلوم أن ذلک جهة تعلیلیة ومنشأ للشک، فان الموضوع لوجوب الخمس هو شخص المال الموجود في الخارج ولا تردد فیه، والتردد انما هو في وصفه، الّآ أنه محکوم بالأصل الموضوعي، وهو استصحاب عدم کونه. مالکا في هذه السنة علی نحو الاستصحاب في العدم الأزلي، بتقریب ان التاجر یعلم بأنه في زمان لم یکن مالکا لهذا المال أصلا، ثم بعد ذلک علم بکونه مالکا له، ولکن لا یدري انه کان في السنین السابقة أو في هذه السنة، فلا مانع من استصحاب عدم کونه مالکا له في هذه السنة، باعتبار أن أصل مالکیته له محرز واتصافها بمالکیته في هذا العام مشکوک فیه، فمقتضی الاستصحاب عدم الاتصاف، وبه یحرز انه مالکک له ولم تکن مالکیته في هذه السنة، ویترتب علیه عدم وجوب الخمس من جهة عدم تحقق موضوعه، ولا یعارض هذا الاستصحاب باستصحاب عدم مالکیته له في السنین السابقة لعدم ترتب أثر علیه الّا علی القول بالأصل المثبت.

فالنتیجة ان الأظهر عدم وجوب الخمس في المقدار المشکوک کونه من رأس ماله المخمس، أو من الفائدة التي یستفیدها في هذه السنة، ومن هنا یظهر الحال في أصحاب المصانع والمعامل والمهن والحرف تطبیقا لنفس ما تقدم في التاجر، کما انه یظهر بذلک حکم حالة أخری وهي ما إذا صرف التاجر في مئونته وسدّ متطلبات حاجاته من رأس ماله المخمس قبل ظهور الفائدة في اعماله التجاریة تطبیقا لعین ما تقدم في الحالة الأولی، وهي ما إذا صرف بعد ظهور الفائدة، ولا تظهر الثمرة بین الحالتین بناء علی ما استظهرناه من عدم الفرق بینهما، نعم علی القول بالفرق تظهر الثمرة بینهما کما مر.

2- الفیّاض: بل هو الأظهر کما مر، وکذلک الحال في النذور والکفارات، فان الوفاء بهما في أثناء السنة کأداء الدین من المؤونة، وأما إذا لم یف بهما إلی أن انتهت السنة، فالأظهر أن یخمس کل الفوائد بدون استثنائهما منها ثم یقوم بالوفاء بهما.

 

مسالة 72:متى حصل الربح وكان زائدا على مؤونة السنة، تعلّق به الخمس وان جاز له التاخير في الاداء الى اخر السنة(1)، فليس تمام الحول شرطا في وجوبه ؛ وانّما هو ارفاق بالمالک(2)، لاحتمال تجدّد مؤونة اخرى زائدا على ماظنّه، فلو اسرف  او اتلف ماله في اثناء الحول لم‌يسقط الخمس(3)، وكذا لو وهبه  او اشترى بغبن حيلةً في اثنائه.

1-الفیّاض: في اطلاقه اشکال والأحوط والأجدر به وجوبا أن یؤدي خمس الفائدة التي یعلم بأنها تزید عن مئونة سنته مهما توسعت وزادت، نعم إذا لم یعلم بأنها تزید عنها ولو من جهة احتمال تجدد المؤونة في المستقبل جاز له التأخیر بمقتضی روایات المؤونة، ومعها لا یجري استصحاب بقائها وعدم صرفها فیها لأنه محکوم بها، ولکن لا اطلاق لها بالنسبة إلی صورة العلم بالزیادة، علی أساس ان قوله7: «الخمس بعد المؤونة»(الوسائل باب: 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس الحدیث: 1) ناظر إلی أنه مجعول في الفائدة التي یستفیدها المرء في تجارته أو صنعته أو مهنته شریطة أن لا تصرف في مئونة سنته، فإذا صرفت فیها فلا موضوع له، وهذا هو المراد بالبعدیة فیه، ولیس المراد منها البعدیة الزمانیة کما سوف نشیر إلیه. وکذکل لا اطلاق لها بالنسبة إلی حالة علم المالک بعجزه عن الأداء إذا أخر، فانه عندئذ یجب علیه اخراجه فورا، ولا یجوز تأخیره لاستلزامه تفویت الواجب، ومع هذا قد یستدل علی جواز التأخیر في الأداء..

تارة: بالإجماع.

وأخری: بالسیرة بین المتشرعة الجاریة علی ذلک.

وثالثة: بقوله 7 في صحیحة علي بن مهزیار: «فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة علیهم في کل عام»(الوسائل باب: 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس الحدیث: 5) بتقریب أن مقتضی اطلاقه وعدم تقییده ببدایة السنة جواز التأخیر، ولکن لا یتم شيء من هذه الوجوه..

اما الوجه الأول: فلأنه لا اجماع في المسألة، وعلی تقدیر ثبوته بین المتأخرین فلا نحرز ثبوته بین المتقدمین لعدم الطریق، کما أشرنا إلیه غیر مرة، ومن المعلوم ان ثبوته بین المتأخیرین لا قیمة له ما لم نحرز ثبوته بین المتقدمین، هذا اضافة إلی احتمال أن معظمهم أو لا أقل جماعة منهم قد استندوا في الحکم بجواز التأخیر إلی روایات المؤونة وصحیحة علي بن مهزیار، فاذن لا نحرز ان الاجماع في المسألة اجماع تعبدي، هذا اضافة إلی أن القدر المتیقن منه غیر صورة العلم بزیادة الفائدة علی المؤونة باعتبار انه دلیل لبي.

وأما الوجه الثاني: فیظهر حال مما مر، فان السیرة بین المتشرعة المتصلة بزمن المعصومین7 طبقة بعد طبقة وأن الحکم وصل الیهم من زمانهم: یدا بید غیر محتملة، والا لکانت المسألة ضروریة في الفقه، مع ان الأمر لیس کذلک، هذا اضافة إلی أنه لا طریق لنا إلی احراز اتصالها بزمانهم:، وبدونه فلا قیمة لها، ومع الاغماض عن کل ذلک فلابد من الاقتصار علی القدر المتیقن منها وهو غیر صورة العلم بالزیادة تطبیقا لما تقدم.

واما الوجه الثالث: فلأن قوله7 في الصحیحة لیس في مقام البیان من هذه الجهة، بل هو في مقابل اسقاط خمس بعض الأشیاء في سنته تلک، وتخفیفه عن بعضها الآخر، هذا اضافة إلی أنه انما هو في مقام بیان أصل وجوب الخمس في الغنائم والفوائد في کل عام، وأما أنه واجب في بدایة کل عام، أو یجوز تأخیره إلی نهایته، فلا یکون في مقام البیان من هذه الناحیة.

فالنتیجة ان المالک إذا علم بأن الفائدة التي استفادها من عملیة تجاریة له أو صنعته أو مهنته تفوق بکثیر مئونة سنته مهما زادت من خلال وقوع الاتفاقات والحوادث في أثناء السنة، فمقتضی القاعدة وجوب خمسها فعلا، ولا مبرّر لتأخیره إلی نهایة السنة، علی أساس انه علم بتحقق موضوعه في الخارج وهو الفائدة الفاضلة علی المؤونة، ولکن دعوی الاجماع في المسألة، والسیرة، والروایات علی جواز التأخیر إلی نهایة العام تمنعنا عن الجزم بالوجوب والافتاء به، فمن أجل ذلک بنینا علی الاحتیاط فیها.

2- الفیّاض: فیه ان جواز التأخیر لیس بملاک ان تمام الحول شرط للوجوب، ولا بملاک انه ارفاق بالمالک مع تمامیة المقتضی، بل بملاک أن وجوب الأداء وجوب موسع، أما أن تمام الحول لیس شرطا للوجوب علی نحو الشرط المتأخر، فلأنه لا یعقل أن یکون شرطا من شروط الاتصاف في مرحلة المبادئ، لاستحالة أن یکون الشيء المتأخر وجودا علة للشيء المتقدم کذلک ودخیلا فیه تکوینا، وعلیه فلا یمکن أن یکون تمام الحول شرطا لاتصاف ایتاء الخمس بالمصلحة والملاک من حین ظهور الفائدة في مرحلة المبادئ، والّا لزم أن یوجد المعلول قبل وجود علته، ومن هنا بنینا في علم الأصول علی استحالة الشرط المتأخر في مرحلة الاتصاف، وأما انه شرط للوجوب في مرحلة الجعل والاعتبار علی نحو الشرط المتأخر فهو وإن کان ممکنا الّا انه بحاجة إلی دلیل خاص، علی أساس انه لا ینطبق علیه الضابط العام، وهو أن کل ما کان من شروط الاتصاف في مرحلة المبادئ فهو من شروط الوجوب في مرحلة الجعل والاعتبار، والفرض عدم وجود دلیل خاص علی ذلک، وروایات المؤونة لا تدل علیه، کما سوف نشیر إلیه، واما ان جواز التأخیر لیس بملاک الارفاق، فلأنه بحاجة إلی دلیل، وروایات المؤونة لا تدل علیه، فانها انما جاءت لتحدید موضوع وجوب الخمس علی المالک، ولا یکون لسانها لسان الامتنان والارفاق، فان معنی ذلک ان المقتضی لوجوب الخمس موجود في مطلق الفائدة، وترخیص المالک بالتصرف فیها في المؤونة طول مدة السنة ارفاق علیه، بل لسانها لسان تقیید الموضوع وتحدیده، وانه لا ملاک لوجوبه الّا في حصة خاصة من الفائدة.

بیان ذلک: ان مقتضی اطلاقات الأدلة من الکتاب والسنة أن موضوع وجوب الخمس مطلق ما أفاد المالک وغنم، ولکن روایات المؤونة التي جاءت بهذا النص أو قریب منه: «الخمس بعد المؤونة»(الوسائل باب: 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس الحدیث: 1) تدل علی تقییده بالفائدة التي تزید عن المؤونة في نهایة السنة ولم تصرف فیها وعلی هذا فالناتج من ضم روایات المؤونة إلی الاطلاقات أن موضوع وجوب الخمس حصة خاصة من الفائدة وهي الفائدة التي تظل باقیة في نهایة العام.

وإن شئت قلت: ان قوله7: «الخمس بعد المؤونة» ینص علی أن ذاک الخمس المعهود المتعلق بالفائدة والغنیمة في لسان الاطلاقات من حبن ظهورها هو المتعلق بها من هذا الحین بعد المؤونة، یعني بحصة خاصة منها وهي الحصة التي تبقی ولم تصرف في المؤونة إلی نهایة العام.

فالنتیجة ان النص المذکور قید للموضوع وهو الفائدة، لا للحکم.

ثم ان هنا تفسیرات أخری لقومه7: «الخمس بعد المؤونة»:

الأول: انه یدل علی جواز تأخیر اخراج الخمس من الفائدة إلی نهایة السنة مع ثبوت المقتضی له ارفاقا بالمالک: (وتقریب ذلک) ان مقتضی اطلاقات الأدلة هو تعلق الخمس بالفائدة من حین ظهورها، ومع هذا لا یجب علی المالک اخراجه إلی نهایة العام بملاک الإرفاق، ونتیجة ذلک ان الخمس تعلق بها من حین ظهورها، ولکن وجوب اخراجه لم یحدث الّا بعد السنة.

والجواب.. أولا: ما مر من أنه ظاهر، بل ناص في انه قید للموضوع، وهو الفائدة، باعتبار انه ینص علی أن الخمس المتعلق بالفائدة في لسان المطلقات هو متعلق في الواقع بحصة خاصة منها وهي الحصة الفاضلة التي لا تصرف في المؤونة، وهذا یعني انه یدل علی أن الخمس المجعول في الشرایعة المقدسة انما جعل في الفائدة التي لم تصرف في المؤونة، واما ما صرف فیها فهو غیر مجعول فیه، وعلی هذا فلا موضوع للإرفاق.

وثانیا: مع الاغماض عن ذلک، الا ان دلالته علی أن حدوث وجوب الخمس متأخر عن اخراج المؤونة مبنیة علی أن المراد بالبعدیة البعدیة الزمانیة، مع ان الأمر لیس کذلک، اذ لا شبهة في أن المراد منها البعدیة الرتبیة، کما في قوله تعالی: (مِن بَعدِ وَصِیَّةٍ یُوصِي بِها أَو دَینِ)(النساء آیة 12)، ونقصد بالبعدیة الرتبیة ان الفائدة إذا صرفت في المؤونة انتفی وجوب الخمس بانتفاء موضوعه باعتبار انه متعلق بها شریطة أن لا تصرف فیها، فیکون الصرف في المرتبة المتقدمة علی تعلق الخمس بها.

وان شئت قلت: ان وجوب الخمس مجعول في الفائدة التي تظل باقیة في نهایة السنة ولم تصرف في المئونة واما ما صرف فیها إلی نهایة العام من الفائدة فلا یکون متعلقا له لان تعلقه بها مشروط بعد الصرف فیها وهذا بخلاف الترخیص في الصرف فانه مطلق وغیر مقید بعدم تعلق الخمس بها.

فالنتیجة ان التعلق بالفائدة مشروط بعدم الصرف في المئونة طول فترة السنة واما الصرف فهو غیر مشروط بعدم التعلق، وهذا معنی تقدم المؤونة رتبة علی وجوب الخمس وتأخره عنها کذلک، وکذا الحال في قوله تعالی: (مِن بَعدِ وَصِیَّةٍ...)(النساء آیة 12) فان معنی تأخر الارث عن الوصیة والدین ان الإرث انما هو مجعول في کل الترکة شریطة أن لا یکون شيء منها متعلقا للوصیة أو الدین، والّا لم یجعل فیما تعلقت به الوصیة أو الدین، وهذا هو معنی أن الارث مجعول بعد الوصیة والدین، ومن هنا یظهر ان قوله7 في صحیحة علي بن مهزیار: «یجب علیهم الخمس بعد مئونتهم»(الوسائل باب: 8 من أبواب من یجب فیه الخمس الحدیث: 3) وقوله7 في صحیحة الأخری: «یجب علی الضیاع الخمس بعد المؤونة»(الوسائل باب: 8 من أبواب من یجب فیه الخمس الحدیث: 4) لا یدل علی تأخر وجوب الخمس عن السنة وحدوثه بعدها زمنا، هذا اضافة إلی أن التفکیک بین التکلیف وهو الوجوب، والوضع وهو الخمس مما لا معنی له، فان المجعول في باب الخمس بمقتضی أدلته انما هو الوضع بالأصالة، واما التکلیف فهو مجعول بالتبع، فان جعله مستقلا في مقابل جعل الخمس لغو محض باعتبار ان جعل الخمس یستلزم جعله لا محالة، واما ما ورد في بعض روایات الباب من قوله7: «فعلیه الخمس»(من لا یحضره الفقیه 2 – ص 142 الحدیث: 1653) فهو تأکید لما دل علی جعل الخمس بالمطابقة وجعل الوجوب علی المالک بالالتزام.

فالنتیجة في نهایة المطاف ان القول بأن الخمس تعلق بمطلق الفائدة والغنیمة، ووجوبه متأخر وحادث بعد المؤونة، وفي نهایة السنة ارفاقا بالمالکف فمضافا إلی أنه لا دلیل علیه، بل روایات المؤونة تدل علی انه تعلق بحصة خاصة من الفائدة، فصحته مبنیة علی تمامیة أمرین..

أحدهما: أن یکون المراد بالبعدیة في روایات المؤونة البعدیة الزمانیة.

والآخر: أن لا یستلزم جعل الخمس جعل وجوبه، بأن یکون وجوبه مجعولا في ضمن دلیل مستقل یکون مفاده ثبوت وجوبه بعد السنة.

ولکن قد مر أن کلا الأمرین غیر تام.

هذا اضافة الی أن جعل الخمس في مطلق الفائدة والغنیمة لغو محض، ولا یترتب علیه أيّ أثر.

الثاني: إن قوله7: «الخمس بعد المؤونة»(الوسائل باب: 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس الحدیث: 1) یدل علی أن جعل نفس الخمس في الفائدة متأخر زمانا عن المؤونة، ویکون بعد العام لا من حین ظهورها، فاذا استفاد التاجر في تجارته فله أن یصرف من فائدته في متطلبات حاجاته طول مدة العام، فان ظلّ شيء منها بعده تعلق الخمس به.

والجواب.. أولا: ان هذا التفسیر خلاف ظاهر الأدلة من الکتاب والسنة کما تقدم.

وثانیا: انه مبني علی أن یکون المراد بالبعدیة الزمانیة، وقد مر أن المراد منها عرفا البعدیة الرتبیة، وعلی تقدیر تسلیم أنها مجملة فالمرجع هو ظهور الأدلة في تعلق الخمس بالفائدة من حین ظهورها، وهو قرینة علی رفع الید عن اجمالها وحملها علی البعدیة الرتبیة.

الثالث: ان قوله7: «الخمس بعد المؤونة»(الوسائل باب: 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس الحدیث: 1) یدل علی أن الخمس المتعلق بالفائدة من حین ظهورها مشروط بعدم صرفها في المؤونة إلی نهایة السنة علی نحو الشرط المتأخر، فیکون عدم الصرف قیدا للخمس لا لمتعلقه.

والجواب.. أولا: ما مر من أن الشرط المتأخر لا یعقل في مرحلة المبادئ والانصاف، واما في مرحلة الجعل والاعتبار فهو وإن کان ممکنا الّا انه بحاجة إلی دلیل خاص، باعتبار ان مرحلة الجعل تتبع مرحله المبادئ، فاذا کان الملاک في مرحلة المبادئ تاما وغیر مشروط بشرط، ومع ذلک یکون الحکم في مرحلة الجعل مشروطا بشرط متأخر فهو بحاجة إلی دلیل یدل علیه حتی یکشف عن أن هناک مصلحة أخری تقتضی ذلک، والفرض ان الدلیل الخاص في المقام غیر موجود.

وثانیا: ان قوله7: «الخمس بعد المؤونة»(الوسائل باب: 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس الحدیث: 1) یدل علی تحدید متعلق الخمس، وأنه حصة من الفائدة، ولا یتعلق بکل فائدة مشروطا بشرط متأخر، بل تعلق بحصة خاصة منها وهي الحصة التي تبقی الی نهایة السنة ولم یتصرف في المؤونة، والفرض أن هذه الحصة معلومة في الواقع عند الله وممیزة، وحینئذ فلا مانع من تعلق الخمس بها وإن لم یعلم المالک، أو فقل: ان الفرق بین تعلق الخمس بکل فائدة مشروطا بشرط متأخر وهو عدم صرفها في المؤونة، وبین تعلقه بحصة خاصة منها واضح، فانه علی الأول قید للحکم وهو الخمس، وعلی الثاني لمتعلقه، ویوجب تقییده بقید خاص وبحصة مخصوصة.

فالنتیجة انه لا أصل لهذا التفسیر أیضا.

والصحیح في المقام هو ما ذکرناه من أن متعلق الخمس حصة خاصة من الفائدة، وانه متعلق بها في الواقع، سواء کان المالک عالما بها أم جاهلا.

وقد تحصل من ذلک أمور:

الأول: ان المالک إذا علم بأن ما أفاده من عملیة تجارته أو مهنته یفوق علی مئونة سنته ومتطلبات حاجاته حسب شئونه ومکانته، فالأحوط والأجدر به وجوبا أن یخمس الزائد من دون تأخیر.

الثاني: إذا لم یعلم بالحال، ویحتمل عدم الزیادة ولو من جهة احتمال تجدد المؤن الأخری في المستقبل من خلال وقوع اتفاقات وحوادث لم یکن وقوعها في الحسبان، ففي مثل هذه الحالة یجوز له التأخیر في أداء الخمس واخراجه علی أساس أن روایات المؤونة لا تقصر عن الدلالة علی جواز التأخیر في هذه الحالة، ومعها لا یجري استصحاب بقاء الفائدة إلی نهایة السنة وعدم صرفها في المؤونة.

الثالث: ان المالک إذا تصرف في فوائده المکتسبة بأکثر مما تتطلب مکانته وشئونه، وأسرف فیها، ضمن خمس الزائد، باعتبار انه من الفائدة الفاضلة علی المؤونة، وقد مر أنها متعلق الخمس.

الرابع: هل یجوز للمالک الاتجار بالأرباح والفوائد الناتجة من اعماله التجاریة أو مصانعه ومعامله التي یعلم بأنها بکثیر من مئونته السنویة ومتطلبات حوائجه بالتصدیر والبیع، فمقتضی القاعدة عدم صحة ذلک بالنسبة إلی خمسها، لأنه ملک لأصحابه والمعاملة الواقعة علیه فضولیة.

نعم، إذا کان المشتري ممن شملته اخبار التحلیل صحت المعاملة، وانتقل الخمس إلی ذمة الدافع، وأما إذا لم یکن المشتري ممن شملته اخبار التحلیل فتتوقف صحتها علی أحد أمور..

الأول: امضاء ولي الخمس علی تفصیل قد مر، ویترتب علی ذلک ان المعاملة إذا کانت باذنه سابقا أو لا حقا کان ما یوازي خمس المبیع من الربح ملکا لأصحابه، وما یوازي أربعة أخماسه ملکا للعامل.

ودعوی ان ذلک خلاف سیرة المتشرعة في باب المبادلات التجاریة فانهم یلاحظون مجموع الفوائد والارباح الناتجة من اعمالهم التجاریة، أو الصناعیة، أو المهنیة في نهایة السنة، ویؤدون خمسها، ولا یخطر ببالهم ان المعاملات الواقعة علی تلک الفوائد والأرباح فضولیة بالنسبة إلی خمسها، فلو کان الأمر کذلک لأصبح ذلک معروفا بینهم، مع أن سیرتهم الموافقة للمرتکزات في أذهانهم علی خلاف ذلک.

مدفوعة بأن السیرة انما تکون حجة شریطة ثیوت أمرین فیها..

أحدهما: احراز اتصالها طبقة بعد طبقة بزمن المعصومین:.

والآخر: عدم وجود ما یحتمل أن یکون منشئا لها في المسألة.

ولکن کلا الأمرین غیر ثابت.

اما الأمر الأول: فلا طریق لنا إلی احراز اتصالها بزمانهم: في تمام الطبقات ووصولها إلینا یدا بید.

واما الأمر الثاني: فلأن من المحتمل أن یکون منشأ فتوی الفقهاء بجواز التصرف روایات المؤونة وصحیحة علي بن مهزیار، وتلک الفتوی هي المنشأ للسیرة، لا أنها وصلت إلیهم طبقة بعد طبقة.

الثاني: أن یؤدي البائع خمس المبیع من مال آخر، فإذا أداه ملک الخمس فیه، وعندئذ فإذا أجاز البیع صح بناء علی ما هو الصحیح من صحة بیع الفضولي بالاجارة، بلافرق بین أن یکون المجیز هو لمالک حین العقد أو غیره، فالمعیار انما هو بکونه مالکا حین الاجارة.

الثالث: أن یؤدي المشتري خمسه، ثم یرجع إلی البائع ویأخذ منه عوض ثمن الخمس علی تفصیل قد مر.

نعم، إذا جعل المالک الأرباح الفاضلة ثمنا في المعاملات والمبادلات التجاریة المتعارفة صحت تلک المعاملات والمبادلات بالاحاجة إلی مصحح لها، غایة الأمر ان ذمته قد اشتغلت بخمسها تطبیقا لقاعدة الاتلاف، کما أنها تظل مشغولة للبائع بما یوازي خمسها من الأثمان.

الخامس: ان عدم جواز تصرف المالک في الفوائد التي تزید علی المؤونة هل یختص بها، أو یعم الفوائد التي یشک في أنها تزید علیها للاستصحاب؟ الظاهر هو الأول، وذلک لأن مقتضی سیاق روایات المؤونة التي تدل علی جواز تأخیر الخمس من الفوائد إلی نهایة العام في هذه الحالة هو جواز هذه التصرفات فیها ومعه لا مجال للاستصحاب.

السادس: ان علی المالک إذا علم بأن الفوائد التي استفادها أثناء السنة تزید عن نئونته ومتطلبات حاجاته إلی نهایة العام مهما کانت واتفقت أن یختار أحد طریقین..

الأول: أن یقوم باخراج خمسها فورا وبلا تأخیر.

الثاني: إذا لم یقم بذلک وأراد التصرف فیها بالبیع والشراء للاغتنام الأزید، فعلیه أن یستجیز من ولي الخمس، فاذا أجازه فیه اشترک أهل الخمس معه في الربح والفائدة شریطة توفر أمرین..

أحدهما: أن لا یکون المشتري ممن شملته اخبار التحلیل، والّا فاربح کله للبائع باعتبار انتقال الخمس إلی ذمته.

والآخر: أن لا یجعلها ثمنا لما اشتراه في الذمة، والّا فالامر أیضا کذلک، باعتبار ضمانه للخمس بقاعدة الاتلاف. وعلی هذا الأساس إذا علم المالک بأصل الربح، فإن علم النسبة فهو، والّا فله الاکتفاء بالمتیقن منها، وفي الزائد یرجع إلی أصالة البارءة، أو استصحاب العدم، وإن لم یعلم به فلا شيء علیه.

3-  الفیّاض: بمعنی انه ینتقل إلی ذمة المتلف.

 

 مسالة 73: لو تلف بعض امواله ممّا ليس من مال التجارة  او سرق او  نحو ذلک، لم‌يجبر بالربح وان كان في عامه، اذ ليس محسوبا من المؤونة.

 مسالة 74: لوكان له راس مال وفرّقه في انواع من ‌التجارة، فتلف راس المال او بعضه من نوع منها، فالاحوط عدم جبره بربح تجارة اخرى، بل وكذا الاحوط عدم جبر خسران نوع بربح اخرى، لكنّ الجبر لايخلو عن قوّة(1)، خصوصا في الخسارة؛ نعم، لو كان له تجارة وزراعة مثلا فخسر في تجارته او تلف راس ماله فيها، فعدم الجبر لايخلو عن قوّة (2) خصوصا في صورة التلف، وكذا العكس. وامّا التجارة الواحدة، فلو تلف بعض راس المال فيها وربح الباقي، فالاقوى الجبر، وكذا في الخسران والربح في عام واحد في وقتين؛ سواء تقدّم الربح او الخسران ، فانّه يجبر الخسران بالربح(2).

1-الفیّاض: في القوة اشکال بل منع، ویظهر وجه ذلک مما تقدم من أن موضوع وجوب الخمس حصة خاصة من الفائدة والغنیمة، وهي التي استفادها المرء وغنمها في عام المؤونة ولم تصرف فیها طول مدة العام، ومن المعلوم ان تلف راس المال عنده کلا أو بعضا، أو خسرانه في نوع آخر من تجارته، کل ذلک لا یرتبط بموضوع وجوب الخمس، ولا یمنع عن تحققه وصدق انه استفاد في تجارته هذه وخسر في تلک، علی أساس أنه لا علاقة بین الأمرین، فان الخمس تعلق بالفائدة التي استفادها المرء في عام المؤونة ولم تصرف فیها، والتلف أو الخسران تعلق بمال آخر لا یرتبط بها ولا ولایة للمالک علی أن یضع من الفائدة في نوع من تجارته موضع الخسران في نوع آخر أو یتدارک بها ما تلف من رأس ماله.

نعم، إذا کان الربح والخسران في تجارة واحدة لا یبعد التدارک شریطة أن یکون الخسران متأخرا عن الربح، کما إذا ربح في الشهر الأول وخسر بنفس النسبة في الشهر الثاني، وذلک لعدم صدق انه استفاد وغنم في سنته تلک عرفا فلا یکون مشمولا لقوله7 في صحیحة علي بن مهزیار: «فاما الغنائم والفوائد فهي واجبة علیهم في کل عام»(الوسائل باب: 8 من أبواب ما یجب فیه الخمس الحدیث: 5) فانه یتضمن أمرین..

أحدهما: وجوب الخمس في الغنیمة والفائدة التي استفادها المرء وغنمها.

والآخر: أن یکون ذلک الوجوب في کل عام مرة واحدة، وبما ان المراد من العام العام الواقعي.

فالنتیجة انه یجب علی المالک أن یخمس فائدة کل عام في عامها وإن خسر في العام الأول، وفي ضوء هذا الأساس اذا خسر المالک في تجارته في السنة الأشهر الأولی – مثلا – وربح فیها في الستة الأشهر الأخیرة بنفس نسبة الخسارة لم تستثن تلک الخسارة منه، باعتبار أنها لم تکن في عام الربح، وقد عرفت ان مقتضی الصحیحة وجوب الخمس في الفائدة التي استفادها في عامها إذا زادت عن مئونة ذلک العام ومتطلبات حاجاته فیه، ولا یرتبط بما وقع علیه من الخسارة في العام الماضي علی أساس أن ربح کل عام موضوع مستقل لوجوب الخمس فیه.

2- الفیّاض: بل هو قوی، ویظهر وجهه مما مر.

3-الفیّاض: بل في خصوص ما إذا کان الربح متقدما علی الخسران دون العکس کما مر.

 

مسالة 75: الخمس بجميع اقسامه متعلّق بالعين(1)، ويتخيّر المالک بين دفع خمس العين او دفع قيمته من مال اخر، نقدا(2) او جنسا (3). ولايجوز له التصرّف في العين قبل اداء الخمس وان ضمنه في ذمّته، ولو اتلفه بعد استقراره ضمنه، ولو اتّجر به قبل اخراج الخمس كانت المعاملة فضوليّة بالنسبة الى مقدار الخمس(4)، فان امضاه الحاكم الشرعيّ اخذ العوض، والّا رجع بالعين بمقدار الخمس ان كانت موجودة وبقيمته ان كانت تالفة، ويتخيّر في اخذ القيمة بين الرجوع على المالک او على الطرف المقابل  الّذي اخذها واتلفها ، هذا اذا كانت المعاملة بعين الربح؛ وامّا اذا كانت في الذمّة ودفعها عوضا فهي صحيحة، ولكن لم‌تبرا ذمّته بمقدار الخمس، ويرجع الحاكم به (5) ان كانت العين موجودة وبقيمته ان كانت تالفة، مخيّرا حينئذٍ بين الرجوع على المالک او الاخذ ايضا.

1-الفیّاض: هذا علی نحو الاشاعة في العین لا علی نحو الکلي في المعین، والسبب فیه أن کلمة الخمس الواردة في لسان الأدلة بمختلف صیغها ظاهرة عرفا في الکسر المشاع، ولا فرق في ذلک بین أن یکون هذه الکلمة الواردة في لسانها بصیغة (خمسه) کما في الآیة الشریفة، أو بصیغة (فیه الخمس) أو نحوها، وبذلک یمتاز الخمس عن الزکاة لما تقدم من أن کیفیة تعلق الزکاة بالأموال تختلف باختلاف أصنافها، نعم أن تعلقها بالغلات الأربع کتعلق الخمس بالفائدة کما مر.

2-الفیّاض: في الکفایة اشکال، والأحوط والأجدر به وجوبا أن یکون ذلک باذن الحاکم الشرعي، علی أساس انه لم یرد دلیل علی کفایة ذلک في المقام، وانما ورد الدلیل علیها في باب الزکاة، والتعدي منه إلی المقام بحاجة إلی قرینة تدل علیه باعتبار ان الحکم یکون علی خلاف القاعدة، وبما أنه لا قرینة علیه فیشکل التعدي، نعم ان المعروف والمشهور بین الأصحاب التعدي والحاق الخمس بالزکاة في ذلک، ولکن اتمامه بالدلیل مشکل الّا دعوی القطع بعدم الفرق بینهما في ذلک، وهي علی مدعیها.

3- الفیّاض: في کفایته اشکال بل منع، والأظهر عدم الکفایة الّا إذا کان باذن الحاکم الشرعي حیث ان تبدیل الخمس بمال آخر وإن کان من جنسه بحاجة إلی دلیل، ولا دلیل علیه.

4- الفیّاض: في اطلاقه اشکال بل منع، لما تقدم من ان المعاملة صحیحة إذا کانت مع من شملته اخبار التحلیل، غایة الأمر ان الخمس ینتقل إلی ذمة الدافع فلا تکون فضولیة بالنسبة، نعم لو قلنا بعدم شمول اخبار التحلیل للمقام، أو کانت المعاملة مع غیره لکانت فضولیته بنسبة الخمس، وعلیه فتتوقف صحتها علی أحد أمور..

منها: امضاء الحاکم الشرعي لها والرجوع إلی البائع وأخذ ما یوازي الخمس من الثمن منه.

ومنها: اعطاء البائع الخمس من مال آخر ثم اجاز المعاملة.

ومنها: اعطاء المشتري الخمس ثم الرجوع إلی البائع والمطالبة ببدله ازاء ثمنه، وقد تقدم تفصیل ذلک.

5-- الفیّاض: بل یرجع إلی الدافع مطلقا وإن کانت العین موجودة عند المشتري شریطة أن یکون ممن شملته اخبار التحلیل باعتبار ان الخمس حینئذ ینتقل إلی ذمة الدافع، وتصبح العین کلا ملکا طلقا للمشتري، وعلیه فلا محالة یرجع الحاکم إلی الدافع خاصة ولا موضوع لرجوعه عندئذ إلی المشتري، نعم إذا لم یکن المشتري ممن شملته اخبار التحلیل، أو قلنا بعدم شمولها للمقام اصلا فالأمر کما افاده الماتن.

 

 مسالة 76: يجوز له ان يتصرّف في بعض الربح(1) مادام مقدار الخمس منه باقٍ في يده مع قصده اخراجه من البقيّة، اذ شركة  ارباب الخمس مع المالک انّما هي على وجه الكلّيّ في المعيّن ، كما انّ الامر في الزكاة ايضا كذلک، وقد مرّ في بابها(2).

1- الفیّاض: في الجواز اشکال بل منع، والأظهر عدمه لما مر من ان تعلق الخمس بالفائدة انما هو علی نحو الاشاعة فیها لا علی نحو الکلي في المعین، وما في المتن مبني علی الثاني.

2- الفیّاض: قد مر هناک ان الأمر لیس کذلک، وان کیفیة تعلق الزکاة بالأموال تختلف باختلاف اصنافها، فان تعلقها بالغلات الأربع علی نحو الاشاعة في العین کتعلق الخمس بالفائدة، وفي النقدین والغنم علی نحو الکلي في المعین، وفي الابل والبقر علی نحو الشرکة في المالیة علی وجه خاص کما تقدم موسعا.

 

 مسالة 77: اذا حصل الربح في ابتداء السنة او في اثنائها، فلا مانع من التصرّف فيه بالاتّجار(1)، وان حصل منه ربح لايكون ما يقابل خمس الربح الاوّل منه لارباب الخمس(2) ، بخلاف ما اذا اتّجر به بعد تمام الحول، فانّه ان حصل ربح كان ما يقابل الخمس من الربح لاربابه(3)، مضافا الى اصل الخمس، فيخرجهما اوّلا، ثمّ يخرج خمس بقيّته ان زادت على مؤونة السنة.

1- الفیّاض: هذا شریطة أن لا یعلم بأن الربح زائد علی مئونة سنته، والّا فالأحوط وجوبا أن یخمس المقدار الزائد المعلوم ثم یتصرف فیه، أو یرجع إلی الحاکم الشرعي ویستأذن منه علی تفصیل تقدم في المسألة (72).

2-  الفیّاض: في اطلاقه اشکال بل منع، وقد تقدم تفصیل ذلک في المسألة (72).

3-  الفیّاض : هذا إذا کان الاتجار به باذن من الحاکم الشرعي، والّا فهو بالنسبة إلی مقدار الخمس فضولي فصحته تتوقف علی توفر أحد الأمر المذکور في المسألة (75).

 مسالة 78: ليس للمالک ان ينقل الخمس الى ذمّته (1) ثمّ التصرّف فيه، كما اشرنا اليه؛ نعم، يجوز له ذلک بالمصالحة مع الحاكم، وحينئذٍ فيجوز له التصرّف فيه ولاحصّة له من الربح اذا اتّجر به. ولو فرض تجدّد مؤن له في اثناء الحول على وجه لايقوم بها الربح، انكشف فساد الصلح.

1-  الفیّاض: بل لیس له ذلک حتی في أثناء السنة وقبل تمامیتها بالنسبة إلی الفائدة التي یعلم بأنها تبقی ولا تصرف في المؤونة، وذلک لما مر من أنها متعلقة للخمس واقعا ولا یجوز له التصرف فیها بالاتجار أو نحوه ولا نقل خمسها إلی ذمته، لأن کل ذلک یتوقف علی ولایته علیه، والفرض انه لا دلیل علیها، نعم یجوز ذلک باذن الحاکم الشرعي إذا رأی فیه مصلحة.

 

 مسالة 79: يجوز له تعجيل اخراج‌ خمس ‌الربح‌ اذا حصل في اثناء السنة(1)، ولايجب التاخير الى اخرها، فانّ التاخير من باب الارفاق كما مرّ، وحينئذٍ فلو اخرجه بعد تقدير المؤونة بما يظنّه فبان بعد ذلک عدم كفاية الربح لتجدّد مؤن لم‌يكن يظنّها، كشف ذلک عن عدم صحّته خمسا(2)، فله الرجوع به على المستحقّ مع بقاء عينه، لا مع تلفها في يده، الّا اذا كان عالما بالحال، فانّ الظاهر ضمانه حينئذٍ .

1-- الفیّاض: بل هو الأحوط وجوبا کما مر شریطة أن یکون المالک واثقا ومتأکدا بأن الفائدة تبقی في نهایة العام ولا تصرف في المؤونة

2-  الفیّاض:في الکشف اشکال بل منع، اذ لا مقتضی له علی جمیع الأقوال في المسألة.

اما بناء علی ما قویناه من أن موضوع وجوب الخمس حصة خاصة من الفائدة والغنیمة وهي التي لم تصرف في المؤونة طول فترة السنة فالأمر واضح، لأن التاجر إذا ربح في تجارته وأدی خمسه کشف ذلک عن انه من الفائدة التي لم تصرف في المؤونة طول فترة العام ولو من باب السالبة بانتفاء الموضوع، ومن هنا إذا علم بأنه لو لم یؤد خمسه صرف فیهاف فمع ذلک اذا أدی کشف عن تحقق موضوعه وأنه في مورده.

فالنتیجة ان کل فائدة استفادها المرء إذا لم تصرف في المؤونة واقعا وفي علم الله، فهي متعلقة للخمس فعلا، فإذا أخرج خمسه کان في محله لصدق انه مما لم یصرف في المؤونة واقعا وفي علم الله، وتجدد المؤونة بعد ذلک اتفاقا لا قیمة له، بل العلم بصرفها في المؤونة علی تقدیر بقائها وعدم تخمیسها لا أثر له.

واما علی القول بأن الخمس تعلق بمطلق الفائدة، غایة الأمر ان الشارع قد رخص في التصرف فیها خلال السنة ارفاقا له، فأیضا الأمر واضح، فان الخمس تعلق بالفائدة من حین ظهورها، فاذا أدی خمسها من هذا الحین فهو في محله، ولا یعقل فیه کشف الخلاف حتی مع العلم بأنها إذا بقیت تصرف في المؤونة.

واما علی القول بأن تعلق الخمس بکل فائدة مشروط بشرط متأخر وهو عدم صرفها في المؤونة طول فترة العام بأن یکون عدم الصرف شرطا للحکم دون الموضوع، فأیضا الأمر کذلک، فانه إذا أخرج خمسها في الأثناء بلاانتظار فمعناه أنها لم تصرف في المؤونة، فاذن یکون اخراج الخمس في محله، وتجدد المؤونة لا یکشف عن عدم صحته خمسا ولو مع علمه بذلک، لأن الشيء لا ینقلب عما هو علیه، نعم ما ذکره الماتن انما یتم لو کان المراد من المؤونة المستثناة مقدارها خلال فترة السنة لا المؤونة الفعلیة، ولکن قد تقدم ان المراد منها المؤونة الفعلیة لا الأعم منها ومن المقدرة، وهذا یعني ان کل فائدة تصرف في المؤونة خلال السنة فلا خمس فیها، وکل فائدة لم تصرف فیها فعلیها الخمس وإن کان عدم الصرف فیها من ناحیة قیام المکلف بتخمیسها من وقت ظهورها.

 

    مسالة 80: اذا اشترى بالربح قبل اخراج الخمس جارية، لايجوز له وطوها(1)، كما انـّه لو اشترى به ثوبا لايجوز الصلاة فيه . ولو اشترى به ماء للغسل او الوضوء لم‌يصحّ ، وهكذا؛ نعم، لو بقي منه بمقدار الخمس في يده وكان قاصدا لاخراجه  منه، جاز وصحّ ، كما مرّ نظيره(2) .

1- الفیّاض: هذا إذا کان الشراء شخصیا وکان بعین المال المتعلق للخمس خارجا، فانه باطل حینئذ اذ لا ولایة له علی التبدیل، فاذن بطبیعة الحال یبقی المبیع في ملک مالکه الأول، فلا یجوز له التصرف فیه، وأما إذا کان الشراء کلیا ولکنه في مقام الوفاء أدی الثمن من المال المتعلق فیه الخمس فلا اشکال في صحته، غایة الأمر أن ذمته تبقی مشغولة بجزء من الثمن للبائع، وبه یظهر حال ما بعده.

2- الفیّاض: مر أن ذلک مبنی علی کون تعلق الخمس بالفائدة من قبیل تعلق الکلي في المعین، ولکن قد تقدم الاشکال فیه، بل المنع، وأن الظاهر من الأدلة کون تعلقه بها من قبیل الاشاعة في العین، وعلیه فلا یجوز التصرف فیه وإن بقی في یده بمقدار الخمس.

 

 مسالة 81: قد مرّ انّ مصارف الحجّ الواجب اذا استطاع في عام الربح وتمكّن من المسير، من مؤونة تلک السنة، وكذا مصارف الحجّ المندوب والزيارات، والظاهر انّ المدار على وقت انشاء السفر(1)، فان كان انشاؤه في عام الربح فمصارفه من مؤونته ذهابا وايابا، وان تمّ الحول في اثناء السفر فلايجب اخراج خمس ما صرفه في العام الاخر(2) في الاياب او مع المقصد وبعض الذهاب.

1- الفیّاض: فیه اشکال بل منع، والظاهر ان المدار انما هو علی وقت صرف الأموال لتوفیر متطلبات سفر الحج.

منها: تهیة الراحلة اما بشراء أو إجارة، فان ثمنها یکون من مئونة هذه السنة وإن بقیت الراحلة إلی السنین الآتیة کشراء دار أو نحوها.

منها: أجور الطائرة إذا کان السفر بها.

ومنها: أجور الجواز للسفر.

ومنها: الأموال التي تأخذها الشرکات والحکومات بعناوین مختلفة، وغیرها.

فان هذه المصارف کلها من مصارف هذه السنة فلا خمس فیها، مع أن جلّها لو لا کلها قبل إنشاء السفر، نعم هنا مصارف أخری له تدریجیة کالأکل والشرب واجارة المسکن في المقصد وفي الطریق ذهابا وایابا، فانها تقسط، فما وقع منها في هذه السنة فهو من مئونتها ولا خمس فیه، وما وقع منها في السنة الآتیة فیجب تخمیسه.

فانتیجة ان مصارف الحج تصنف إلی صنفین..

أحدهما: المصارف التدریجیة، فانها تقسط لا محالة علی أساس ان المؤونة المستثناة من وجوب الخمس هي المؤونة الفعلیة لا الأعم منها ومن المقدرة.

والآخر: المصارف الأنیة، کأجور الراحلة وجواز السفر ونحوهما مما یجب توفیره لسفر الحج، فانها کلا من مئونة هذه السنة ولا معنی لتقسیطها.

2- الفیّاض: ظهر مما سبق ان کل ما صرفه في العام الآخر من فائدة العام الأول یجب تخمیسه علی اساس ان المستثنی منها مئونة العام الأول وهو عام الفائدة دون مئونة العام الآخر، فانه لیس عام الفائدة.

مسالة 82: لو جعل الغوص او المعدن مكسبا له، كفاه اخراج خمسهما اوّلا، ولايجب عليه خمس اخر من باب ربح المكسب بعد اخراج مؤونة سنته. 

   مسالة 83: المراة الّتي تكتسب في بيت زوجها ويتحمّل زوجها مؤونتها، يجب عليها خمس ما حصل لها من غير اعتبار اخراج المؤونة، اذ هي على زوجها الّا ان لايتحمّل.

 

 مسالة 84: الظاهر عدم اشتراط التكليف (1) والحرّيّة (2)في الكنز والغوص والمعدن والحلال المختلط بالحرام والارض الّتي يشتريها الذمّي من المسلم، فيتعلّق بها الخمس، ويجب على الوليّ والسيّد اخراجه؛ وفي تعلّقه بارباح مكاسب الطفل اشكال، والاحوط اخراجه بعد بلوغه.

1- الفیّاض: فیه اشکال بل منع، والأظهر اشتراط البلوغ في الکل بلافرق بین خمس أرباح المکاسب وسائر الأصناف، فانه مضافا إلی امکان استفادة اعتبار البلوغ في الکلیف مطلقا من مجموعة من الروایات بمختلف الألسنة یکفی اطلاق حدیث جري القلم في موثقة عمار الساباطي بتقریب ان تعلیقه علی الاحتلام بقوله  في موثقة عمار الساباطي: «فان احتلم قبل ذلک فقد وجبت الصلاة وجری علیه القلم»(الوسائل باب: 4 من أبواب مقدمة العبادات الحدیث: 12) یدل بمقتضی دلالة القضیة الشریطة علی المفهوم علی انتفاء جري القلم بانتفاء الاحتلام، ومقتضی اطلاقه عدم الفرق بین القلم الوضعي والقلم التکلیفي، وعلی هذا فلا وجه لاستثناء المال المختلط بالحرام أیضا، فان الخمس کما لا یتعلق بمال الصبي في سائر الاصناف، کذلک لا یتعلق بماله المختلط بالحرام، نعم لولیه أن یقوم بتطهیر ماله عن الحرام، ویتصدق به من قبل صاحبه إن کان، والّا فالحاکم الشرعي.

وأما اعتبار العقل فیه، فلا دلیل علیه لا الخاص ولا العام.

اما الأول فهو مفروض العدم إذ لیس في شيء من روایات الباب ما یدل علی اعتباره.

واما الثاني فلأن حدیث رفع القلم عن المجنون ساقط سندا، فلا یمکن الاعتماد علیه، فمن أجل ذلک فالأظهر عدم اعتباره، وحینئذ فان کان له ولي فهو یقوم باخراج خمس ماله، والّا فالحاکم الشرعي.

2- الفیّاض: في اطلاقه اشکال بل منع، لأن العبد علی ضوء القول بأنه یملک ما یستفیده ویغنمه فلا شبهة في وجوب الخمس فیه لدی توفر سائر شروط، لإطلاق الأدلة من الکتاب والسنة، وأما ما ورد في بعض الروایات من انه لیس في مال المملوک شيء فهو ناظر إلی الزکاة کما تقدم الکلام فیه هناک، ولا یعم الخمس، نعم علی القول بأنه لا یملک فلا موضوع له.

کلیه حقوق مادی و معنوی این وب سایت متعلق به پورتال انهار میباشد.
پورتال انهار

این وب سای بخشی از پورتال اینترنتی انهار میباشد. جهت استفاده از سایر امکانات این پورتال میتوانید از لینک های زیر استفاده نمائید:
انهار بانک احادیث انهار توضیح المسائل مراجع استفتائات مراجع رساله آموزشی مراجع درباره انهار زندگینامه تالیفات عربی تالیفات فارسی گالری تصاویر تماس با ما نماز بعثت محرم اعتکاف مولود کعبه ماه مبارک رمضان امام سجاد علیه السلام امام حسن علیه السلام حضرت علی اکبر علیه السلام میلاد امام حسین علیه السلام میلاد حضرت مهدی علیه السلام حضرت ابالفضل العباس علیه السلام ولادت حضرت معصومه سلام الله علیها پاسخ به احکام شرعی مشاوره از طریق اینترنت استخاره از طریق اینترنت تماس با ما قرآن (متن، ترجمه،فضیلت، تلاوت) مفاتیح الجنان کتابخانه الکترونیکی گنجینه صوتی پیوندها طراحی سایت هاستینگ ایران، ویندوز و لینوکس